وجهة نظر

العتبة بين المدرسة والبرلمان

لا حديث في الآونة الأخيرة إلا عن موضوع العتبة سواء في المؤسسات التعليمية، أو في الصالونات السياسية. فبعد تجربة “الخريطة المدرسية” التي خرّجت أجيالا من المتعلمين لا يمتلكون الحد الأدنى من كفايات التعلم الأساسية بعد نهاية كل سلك دراسي. وأمام هاته الحصيلة المنذرة بكارثة حقيقية بمستقبل الوطن اقتنع القائمون على العمل التربوي أخيرا بضرورة رفع “عتبة النجاح” إلى 5/10 في السلك الابتدائي و10/20 في السلك التأهيلي الإعدادي والثانوي.

وإذا كانت وزارة التربية الوطنية قد اضطرت لرفع “عتبة النجاح” للحد من الهزال الذي أصاب العملية التعليمية، وعدم الزج بالمتعثرين في مستويات أعلى بمعدلات ضعيفة، فإن وزارة الداخلية قد عمدت في المقابل إلى خفض “عتبة النجاح” إلى 3% بدل 6% المعمول بها منذ 2007،لتمكين الكسالى من “المناضلين” من مقعد برلماني. وإذا كانت الغاية من رفع العتبة في التعليم هي تجويد العملية التعليمية التعلمية، فإن الغاية من خفض العتبة في الانتخابات هي بلقنة المشهد السياسي وإضعاف المؤسسات، وتفريخ أقليات سياسية يسهل توظيفها في كل لحظة لفرملة عجلة الإصلاح كي لا تدور بسرعة لا يشتهيها سدنة المعبد وحراس الاستبداد.

لقد كنا ننتظر أن يتم رفع العتبة لعل الانتخابات المقبلة تفرز حكومة قوية تستطيع تنفيذ برنامجها دونالخضوع لضغوط المحاصصة الحزبية، ومعارضة قوية قادرة على المساءلة والاقتراح، لكننا للأسف أمام ردة ديمقراطية ونكوص عن مسار الانتقال الديمقراطي، والأدهى من ذلك أن تشارك في هاته الردة أحزاب كانت إلى عهد قريب تحسب على الكتلة الديمقراطية، وعلى الأحزاب التاريخية التي حملت على عاتقها هموم الشعب وثقل الانتقال الديمقراطي، لكنها آثرت بعدما أصابتها الشيخوخة أن تضع يدها في يد جبهة التحكم طمعا في مقعد أو مقعدين بعدما انفرط عقد النضال الذي كان يربطها بالجماهير الشعبية.

لقد تخلت وزارة التعليم برفعها “عتبة النجاح” عن “الخريطة المدرسية” لما لها من عِلاّت على مستقبل أبناء الوطن، بينما تحاول الداخلية رسم معالم “الخريطة السياسية” المقبلة بخفضها للعتبة. وقد علق أحد المتندرين على الواقعة بقوله إن الداخلية لمّا علمت أن معظم المرشحين لشغل منصب نائب الأمة لا يتجاوز مستواهم العلمي المستوى الابتدائي، لجأت إلى خفض عتبة النجاح إلى ما دون العتبة التي حددتها وزارة التربية الوطنية للانتقال من السلك الابتدائي إلى السلك الثانوي الإعدادي، وهي بذلك تزف بشرى لكل الكسالى الذين لم يتمكنوا من الحفاظ على مقعدهم في قاعة الدرس أنه بإمكانهم الحصول على مقعد بديل ومريح في قاعة البرلمان.