وجهة نظر

قضية الصحراء والدبلوماسية المريضة

ليس من المبالغة القول بأن تاريخ النضال الوطني هو تاريخ الفقراء وأبناء الجبال ورحال الصحراء الذين حاربوا الاستعمار والاستبداد معا في عز الأزمات، لكن اليوم تغيرت كل المعطيات فالتاريخ حرف والبيولوجيا حولت الصبغيات وأثرت في البنية الكرموزومية للأشخاص فوقع اختلاط في الأجناس والأنساب، فتغير اللسان متأثر برواحل وهجرة قبائل من العرب والأفارقة إلى بلاد “تامزغا” التي تشمل جنوب المغرب إلى حدود تشاد.

تفيد معطيات التاريخ كما ترويها كتب الانتربولوجيا وتؤكدها الدراسات الأركيولوجية على أن الصحراء من أقدم مناطق شمال إفريقيا تسكانا، وصنف سكانها القدماء ضمن إنسان “نيوندرتال” (nèandertal ) والذي اعتبره الباحثون جد الأمازيغ سكان شمال إفريقيا الحالية “، وقد تمكن هذا الإنسان من اختراع ثقافة خاصة به سميت بالثقافة العطرية كما أبدع أبجديته المعروفة ب”تيفيناغ” التي اكتشفت على مصطبات الأودية بالصحراء والمعروفة محليا بـ”لجرام” مثل تلك الموجودة بجنوب مصب درعة ووادي الشبيكة.

هذا التذكير التاريخي التبسيطي، يفيد في شيء واحد أن قضية الصحراء يجب معالجتها من مختلف الزوايا التي أهمهما زاوية التاريخ وتصحيحه لكي نربط الحاضر بأصوله التاريخية وخلفياته الثقافية ولكي كذلك تدحض مقولة أن الصحراء يتواجد فيها الناطقون بالعربية، وللتأكيد على أن الحسانية موروث جمعي بين الثقافتين العربية والأمازيغية، الأخيرة التي تقصيها جبهة البوليساريو.

من المفيد لدبلوماسيتنا الفاشلة أن تعرف كيف يدافع الوطنيون على الصحراء، وكيف كان علال الفاسي وآخرون يطوفون العالم ويشرحون لزعماء الدول تاريخ المنطقة وكيف فضل بوعبيد ورفاقه السجن بدل الاستفتاء وقد بذلوا قصارى جهدهم في إيصال فكرة الوحدة التاريخية للمغرب الكبير، الذي بترت أجزاءه الأربعة من سلجماسة ومن موريتانيا وجزء من تشاد ومناطق شاسعة من الصحراء ..

إن بطولات رجال الحركة الوطنية وأحزابها التاريخية أقصيت من قضية الصحراء، واليوم حل مكانها دبلوماسيات لا تعرف سوى التردد، وحتى المتتبع للمشاركات التلفزية لمسؤولينا أو لممثلي الديلوماسية العوجاء، في الإعلام الدولي سيتعجب لمستواهم الضعيف وهزالة مواقفهم وسفاهة أفكارهم “العياشية”، لكن لابد أن نعتز ولو بجزء من نخب هذا الوطن التي كانت ممنوعة من الحديث عن “الصحراء المغربية “كانها ملك للسلطة الحاكمة وحدها ومن يجري في فلك الذين لا يعرفون كيف يدافعون عن مشروعية الوحدة الترابية، الذي يتناسون أن عام 1476 نزل الاسبان على سواحل الصحراء لصيد السمك وبعد سنوات تصدى لهم سلطان المغرب عام 1527 أيام دولة السعديين، ومنذ ذلك الوقت وعين الاسبان على المنطقة إذ لم تترك أي فرصة في ارسال جنودها إلى المناطق الصحراوية واستغلالها، حيث فرضوا “الحماية” من سنة 1884 إلى سنة 1935، و في سنة 1906 عقدت الدول الامبيريالية والاستعمارية مؤتمر برلين لتقسيم دول افريقيا، ونحن لا يمكن أن توهمنا هذا الدول اليوم التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية أن هدفها المساهمة في السلم والأمن العالمين باسم مؤسسة سياسية أممية التي طردت الرئيسي هو تقسيم المنطقة وتجزيء المجزء أو ما يسميه المحللون الماركسيون ب” خلق تناقضات داخل نفس البنية إما بإثارة صراعات طائفية أو عرقية أو دينية ” بمعنى اسبانيا هي المشكل الرئيسي في قضية الصحراء، وهي سفيرة الامبيرالية في المنطقة، وعلينا الوعي بأن تحرك بان كي مون الأخير هو جاء بعد صعود “بوديموس” في اسبانيا وهو القوة اليسارية الرافضة للاستعمار والمناهضة لأمريكا واسرائيل، أي أن هذه قد تغير موقفها من الصحراء وتتحالف مع المغرب وتتصالح مع ماضيها المأسوي بالصحراء.

إن مشكلة الصحراء ليست في الحقيقة مع الجزائر كدولة، وإنما بيادق وأدوات الاستعمار المتمثلة في جزء من العسكريين الحاكمين للبلاد باسم جبهة التحرير التي حرفت عن أصلها، بسب تعرض الوطنية الجزائرية لنكبات حقيقية أكثر مما تعرضت إليه الحركة الوطنية بالمغرب وذلك راجع للزمن الاستعماري واعلان فرنسا الجزائر دولة تابعة لها، مما أدى بعد استقلال الجزائر الى اغتيال رموزها الوطنية وشللها، فالذي قضى على الثورة القبايلية بين 65 و70 هو بوتفليقة الذي كان من أبراز أعوان الجزائر وساعد بومدين على احتكار كل السلط والتغلغل وسط جبهة التحرير.

مشكلة الصحراء وليدة مشروع الشرق الأوسط الكبير، ونتيجة عن توجه قوى الاستكبار العالمي في تقسيم الدول النامية، والمتتبع يرى أن استهداف تونس عبر الارهاب والمغرب عبر الضغط عليه أمميا في قضية الصحراء إنما لإرباك تجاربها الفتية في الانتقال الديمقراطي، فالسودان ولبنان مثالين كافيان لفهم ما يراد لهذا العالم المريض ” العالم العربي ودول شمال افريقيا”.

فإذا كان الشيخ ماء العينين في 1906 قاد وفودا من الصحراء وموريتانيا للقاء السلطان المغربي مولاي عبد العزيز بن الحسن الأول من أجل دعمهم في مقاومة المستعمرين الأوروبيين (فرنسا وإسبانيا)، فأرسل السلطان معهم ابن عمه مولاي إدريس لتنظيم جهود المقاومة ضد الفرنسيين في موريتانيا، فإنه على دبلوماسيتنا أن تعترف بأخطائها عندما طالب مصطفى ولد السيد، القوى الوطني بدعم نضاله ضد الاستعمار الاسباني والقمع الذي تعرض له هو ورفاقه أيام النضال الجامعي، بالإضافة إلى الانتهاكات الحقوقية التي كانت في سنوات السكتة القلبية، ومن الضروري بمكان وبزمان أن تعلن الدولة مصالحة تاريخية مع أهالي الصحراء ولو بتشكيل هيئة إنصاف ومصالحة خاصة بانتهاكات حقوق الإنسان بالصحراء.

إن الحل الحقيقي هو في تكريس الخيار الديمقراطي، و توزيع عادل للثروات وإشراك الوطنيين الصحراويين ومختلف الفعاليات الحقوقية التي تؤمن بمبادئ حقوق الإنسان والتي تتعالى عن الحسابات الضيقة والانتفاعية البئيسة، ومحاربة كل أشكال الفساد والريع التي تقودها مافيا وعائلات تنتعش وتستفيد من الصراع القائم.