وجهة نظر

“قتلتم كمال.. فلا تقتلونا جميعا”

سيدي وزير (العدل و الحريات) الموقر.

أقدر عميقا حجم انشغالاتكم و نفاسة الأوقات التي تبذلونها ,بمنتهى القداسة, في انتصابكم قيّماعلى ورش ” إصلاح منظومة العدالة “.ثم أستأذنكم في أمرين : أولهما أن أستوقفكم للنظر الحكيم في قرار نراه من صلب المسؤولية التي تتقلدون, فيما ترونه ربما حدثا جانبيا لا يستحق أن يلتفت له. و ثانيهما أن أخاطبكم مع التحفظ الشكلي على صفتي (العدل و الحريات) , إذ هما في واقع الحال ادعاء لا تسنده الوقائع و أمانٍ آجلة تراود نفوسا طيبة عاجزة. أما القرار فهو ما أصدره قاضي التحقيق في ملف استشهاد الناشط كمال عماري و القاضي بوقف المتابعة في حق مرتكبي جناية القتل الأثيمة تلك, على بعد أسابيع قليلة من سنويتها الخامسة.

خمس سنوات كاملة لم تكن كافية لدفع الملف قدما باتجاه عدالة ناجزة و منصفة لدم الشهيد و أسرته و أصدقائه و سائر الحقوقيين , وقد كنت من أبرزهم ,سيدي الوزير, قبل أن تدور رحى السلطان.وهاهي ذي السلطة القضائية بالمملكة الناجية من عصف الربيع تقف عاجزة عن كشف الحقيقة ! سنترك لكم إذن مجالا كافيا لتأويل القرار و تهوين فداحته القانونية و الأخلاقية في حقنا جميعا و في حق دولة تتلبس دعاوى “الحق و القانون”. لكننا لن نواري بقية الأمل فينا بأن يَرْشُدَ عزمكم في لحظة ما ,على وقع الانتهاكات الفاضحة التي نرى و ترون.

سيدي الوزير و الناشط الحقوقي سابقا.

لقد كانوا سبعة من أفراد القوات العمومية ,بكامل عتادهم لحظة أحاطوا بالشهيد الأعزل إلا من حرقة المناضل النبيل. أوقعوه بهراواتهم العاتية دون مقاومة منه ثم تقاذفوه ركلا و رفسا , حثيثا, حثيثا حتى استفرغوا في جسده لؤمهم و استكبارهم الجبان .فسقط كتلة رخوة تحتضر.كان ذلك مساء الأحد 29 ماي 2011. ثم أسلم روحه صباح الخميس الموالي 2 يونيو من ذات العام. جناية قتل في العلن و بشهادة الشهود. جناية مكتملة الأركان معلومة الجناة , ضحيتها شاب مغربي خرج متظاهرا بمنتهى السلمية المعهودة أيام الحراك. أما العيب الأوحد في الواقعة فهو أن مرتكبيها ليسوا فئة خارج القانون ,بل هم ذراعه القوية ; أفراد “القوات العمومية”.

لا يفوتني سيدي الوزير أن أخبركم أن قرار وقف المتابعة هذا لا يصف مجريات القضية بالقدر الكافي من الأمانة , إذ إن أطوار المتابعة القضائية لم تتم من أصلها ; لم يستدع أي طرف للاستماع و لا التحقيق ممن هم على صلة مفترضة بالواقعة. لا من رجال فرقة الصقور و لا من ضباط مديرية مراقبة التراب الوطني و لا حتى والي أمن آسفي. أي أن اجراءات المتابعة لم تباشر بالمرة . هي فقط فرقعات بيروقراطية حول تقرير الطب الشرعي و بعض التقارير الموازية لجهات حقوقية قدمت بالموازاة مع أقوال الشهود و أشياء أخرى تحت الظل . كل هذا الهراء المأساوي استوجب سنوات خمسة ليخرج إلينا قاضي التحقيق بقراره وقف المتابعة لعدم كفاية الأدلة !

سيدي الوزير.

تذكرون جيدا يوم 16 يونيو 2014 , يوم انتصب السيد إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان بمنصة البرلمان مقدما أمامكم تقرير مجلسه عن الوضع الحقوقي بالمملكة. ولعلكم كنت متيقظين غاية التيقظ وهو يقر بالمسؤولية المباشرة للدولة في وفاة الشهيد “كمال” و غيره جراء (الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة ضد المتظاهرين من طرف القوات العمومية) . كما أنكم قد تسلمتم ,دون شك, تقارير كل من المرصد المغربي للحريات العامة و مؤسسة الوسيط من أجل الديمقراطية و حقوق الانسان في ذات الواقعة. ولا أظنكم سيدي الوزير تعدمون المعطيات الكافية لتحريك الملف بالاتجاه الصحيح الذي يدين الجناة و يجبر الضرر و ينصف الشهيد و أسرته. ثم يقنعنا جميعا بشعارات المرحلة الآخذة في الاستبشار.

ولأن مخاطبنا الموقر أحد أولي العزم من الوزراء فإننا لا نستبعد أن يسلك السبل القانونية المكفولة له كرئيس للنيابة العامة لتصحيح مسار الملف . لا نستبعد ذلك و قد رأيناه يتخذ قرارا مثيرا بعزل قاض ” أخل بواجب التحفظ”.. ماذا اذن لو كنا اليوم ازاء حالة انحراف أعمق تمس الحق في الحياة و تخل بحتمية المحاكمة الناجزة للجناة . اننا نربأ بكم سيدي الوزير أن تقبلوا تحت وصايتكم بعدالة شوهاء تخضع لمنطق التعليمات و التلميحات الفوقية التي تنصب خطوطا حمرا و حواجز حصانة و تنزيه حوالي السلطة الأمنية و أذرعها الضاربة بدعوى صيانة هيبة الدولة .في الوقت التي تعمل فيه كل أدوات التنكيل في حق نخبة الشعب أطرا و أطباء و أساتذة دون خوف من أن تهدر هيبة الانسان.

سيدي الوزير.

لقد ارتقى كمال شهيدا, منافحا عن حقوق المستضعفين من أبناء الوطن, محتسبا ذلك في سبيل الله. لكن هذه المعاني العظيمة لا تسقط الجريمة و لا تشغلنا عن فجاعة ما حصل . لقد قتلتموه .وها أنتم اليوم تسعون لتنظيف اليد الآثمة التي امتدت بنية القتل لنفس بريئة. تفعلون ذلك غافلين ربما عن حقيقة أنكم بذلك تقتلوننا جميعا ,ثم تقضون بوقف المتابعة. حسبنا الله.