وجهة نظر

“البام”… حرب العصابات في السياسة

على ما يبدو أن الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط “صدق وهو كذوب”، عندما قال ذات تصريح، أن “الپام” متواجد في حكومة الأستاذ عبد الاله بنكيران، رغم أن هذا الحزب يقدم نفسه قائدا للمعارضة البرلمانية، ونقيضا ايديولوجيا وسياسيا لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة.

طبعا شباط ليس مبتدئا في السياسة حتى يطلق الكلام على عواهنه دون رسائل وأهداف ومتلقين مفترضين، لذلك اختار صيغة في التعبير عن وضعية غريبة ظلت لصيقة بالحكومات المغربية، تتعلق بقضية الأسبقية والأولوية في ولاء عدد من الوزراء ومرجعيات ما يقومون به من ممارسات وما يتخذونه من قرارات.

على الأقل قبل دستور 2011 كان المناخ السياسي والبيئة الدستورية، يوفران نوعا من التفسير لا التبرير، للحالات الشاذة والقرارات الانفرادية التي كانت تصدر عن وزراء يحسبهم المواطنون محسوبون على أحزاب معينة، إلا أنهم في الحقيقة تابعون لجهات أخرى خارج الحكومة التي يظهر أعضاؤها على شاشة التلفاز.

لكن المؤسف أن تظل مثل هذه الحالات مستمرة مع حكومة الربيع المغربي، بما يحيل عليه من تغيّر في أطراف المعادلة السياسية، وتقدم في مساحات الدمقرطة التي يُفترض أن تكون معها الأحزاب السياسية، قد استعادت عافيتها نوعا ما، متجسدة في الالتزام بالمواثيق وبالقوانين والتوافقات التي تسير عليها المؤسسات الدستورية ومنها الحكومة.

هذه الحالة تجددت بشكل فج من خلال إقدام وزير الاقتصاد المالية محمد بوسعيد المحسوب حزبيا على حزب التجمع الوطني للأحرار، وواحدا من كتيبة الإدارة الترابية لسنوات الاستعداد لإرساء الجهوية وفق النموذج الذي تكلف “البام” بالترويج له، على التفاعل مع مراسلة برلمانييْن من الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة، أتت في سياق سجال سياسي يستهدف بالدرجة الأولى رئيس الحكومة التي ينتمي إليها بوسعيد.

بالإضافة إلى المخالفات الدستورية والقانونية التي شرحها البلاغ-الصفعة الذي أصدره رئيس الحكومة ردا على تفاعل بوسعيد مع خطة “الأصالة والمعاصرة” للظهور بمظهر الفاعل القوي في الملفات الاجتماعية، فإن ما جرى هذه الأيام في ملف الأساتذة المتدربين، يطرح من جديد عدة أسئلة حول جدية أطراف معروفة في البلاد، في المساهمة في تعزيز مناخ الاستقرار المؤسساتي الخادم في الأفق لترسيخ الثقة في العمل الحزبي وفي العمل السياسي، ذلك أنه وإن كان من حق حزب الأصالة والمعاصرة من موقع المعارضة أن يُبدي اهتماما بالملف، ويعمل على المساعدة في الوصول إلى حل يُنقذ ماء وجه من تورطوا في تأزيمه، أو يحاول إحراج الحكومة كما يظن، فإن طريقة تدخله تكرس عدم إقامته وزنا للمتعارف عليه في السياسة بما هي تنافس شريف وعرض للأفكار والأفكار المضادة، ولا يعرف سبيلا لطرح ما يفكر فيه إلا عبر آليات ما يمكن أن نسميه حرب العصابات في السياسة، من خلال توظيف أساليب المباغتة والضربات المتفرقة باستعمال أدواته المبتوتة هنا وهناك في مؤسسات الدولة، الجاهزة للاستجابة والتفاعل مع ما يخدم أجندة السلطوية التي لا تؤمن بشي اسمه دستور أو قانون أو مواثيق أو أعراف، ومن وراء ذلك كله لا تبالي بالمصالح الكبرى للبلاد ولصورتها أمام العالم، خاصة وأن قضية الصحراء تمر من ظروف صعبة وحرجة تتطلب التوقف عن هذه الأساليب البالية بل القطع معها، والانخراط في التنافس السياسي وفق قواعده وفي مساحاته المعروفة، وترك فرصة التقييم للمواطنين.

المشكل الكبير عند “الأصالة والمعاصرة” أعضاء حزب أو ملحقين به، كان دائما مرتبطا بالأسلوب الذي يمارس من خلاله السياسة، ولم يكن متعلقا بالأفكار والبرامج، مهما كانت متطرفة وغريبة عن المجتمع المغربي، وهذا هو سر خطورته، على المجتمع وعلى الدولة، ولهذا يصعب فعلا استئمان المقتنعين بهذا الأسلوب المبدعين فيه على الوطن !

وفي هذا السياق يمكن فهم رد فعل رئيس الحكومة القوي، سواء في افتتاحه للمجلس الحكومي، أو في لغة بلاغه الصادر يوم 3 أبريل، وليس في سياق الدفاع عن النفس أو الحزب، وإنما الدفاع عن منطق في ممارسة السياسة، ينتصر للمشروعية وللمؤسسة وللقانون الذي يُنظم العلاقات داخل المجتمع، وبين المواطنين، وهذا ما سيزعج المارقين عن هذا المنطق المحترفين لحرب العصابات في السياسة استرزاقا وهروبا من المواجهة المباشرة، كيف لا وقد وصلوا إلى المواقع السياسية التي يحتلونها اليوم سواء في الجهات أو في مجلس المستشارين، ورئاسة اللجان البرلمانية من قبل، عبر خطة الهروب نحو القرى والتوسل بالعشيرة، إنه من الطبيعي أن ينزعجوا من رد رئيس الحكومة وقد بنوا نفوذهم في مرحلة سابقة بتوظيف هذا الوزير أو ذاك، وباستعمال هذه المعلومة أو تلك في معاركهم السياسيية التي يربحون من وراءها مزيدا من النفوذ… هذا المنطق انتهى اليوم ومؤسسات الدولة ليست عبثا، هذه رسالة رئيس الحكومة من كل هذا !