وجهة نظر

لعبة الجوكر الحكومية

وسط الأسبوع، يجتمع المجلس الحكومي، على مائدة طويلة ممتدة امتداد عدد الوزراء الكثر، عدسات الكاميرات تلتقط وجوها منشرحة، تتبادل الابتسامات فيما بينها، لترسم جوا منسجما عنوانه التناغم والتوافق والتماسك الحكومي، لكن في نهاية كل اسبوع سرعان ما يتغير الأمر، بشكل يدعو للحيرة والاستغراب الشديدين، فتتغير الأقنعة، ليظهر الوزراء في جلباب أمناء عامين للأحزاب، أمام حشد من الناس، سواء من الأنصار أو المتعاطفين أو المغلوب على أمرهم استقدم بهم لملء المكان، ليستعرضوا عضلاتهم في نسج خطابات حماسية، تحمل في ثناياها لغة ثورية، أقرب إلى خطابات لينين وجمال عبد الناصر، يتبادلون من خلالها الاتهامات وتمرير الرسائل المشفرة لبعضهم البعض حتى ولو كانوا ينتمون لنفس التحالف الحكومي.

قد نتساءل لماذا الأمناء العامين للأحزاب المكونة للحكومة ينقلون صراعاتهم خارج أسوار الحكومة، عوض طرحها ومعالجتها فيما بينهم باعتبارها مشاكل داخلية؟

سيكون الجواب سهلا للغاية، لكونه مرتبطا إلى حد كبير بقرب الاستحقاقات الانتخابية، وبالتالي محاولة البروز على الساحة السياسية والاعلامية ، و كذا محاولة تحويل انتباه الرأي العام لمشاكل بعض الأمناء العامين، الذين سُحِب منهم البساط من وزاراتهم نظرا لفشلهم في تدبير تلك الوزارات، وبالتالي محاولة قلب الطاولة.

إذا كان المنطق السليم، يستدعي أنه في حالة ما إذا كان أي طرف حزبي على خلاف عميق مع مكونات الحكومة، فإنه ينسحب من ذلك التحالف، لكي يكون منسجما مع خطاباته، فإن الأمر عندنا يختلف اختلافا جذريا، حيث يتبادلون الاتهامات الثقيلة، لكنهم في الآن نفسه ما يزالون مستمرين في نفس الحكومة، المهم أولا وأخيرا أن يستمرواوزراء، حتى ولو كان ذلك يتناقض مع أدبيات وعرف السياسة.

من جهة أخرى، لا ندري كيف يدبر هذا الأمر داخل قواعد الأحزاب السياسية، التي تمارس صمتا تاما عن مواقف أمنائها العامين، الذين يصرحون بتصريحات بطابع التلاسن والتنابز باسم أحزابهم ويستأسدون بتوجيه آراء الحزب في غياب المشورة ، حيث نستغرب عن دور أعضاء المكاتب السياسية والمؤتمرات الوطنية، والشبيبات الحزبية ، حيث لا تبدي أي موقف ولا تفاعل ولا طلب توضيح حول ما يجري من تصرفات أمنائها العامين المتناقضة، والتي في كثير من الأحيان نابعة من تصفية حسابات شخصية،مما يدفع للقول على ما يبدو أن أغلبها مجرد هياكل محنطة ينحصر دورها فقط عند الحاجة في التصويت لصالح انتخاب الأمناء العامين ليس إلا، حتى أن أمناء عامين قَهْقَرُوا أحزابهم في مهاوي الخسارة في الانتخابات الجماعية الأخيرة، ولكنهم مازالوا مستمرين في كراسيهم، من دون أن تحرك هياكلهم الحزبية ساكنا.

لذلك ليس من الاستغراب خروج حركات يطلق عليها بالتصحيحية من رحم الأحزاب السياسية، تؤدي إلى انقسامات وتفريخ أحزاب أخرى جديدة، بحجة غياب الديمقراطية والاستبداد بالرئاسة، وغلبة الرأي الواحد.

على هذا الأساس، إذا كانت الدولة تخصص ميزانيات مالية لدعم الأحزاب السياسية، باعتبارها مؤسسات تساهم في تأطير المواطنين، وتشجيعهم على الانخراط في العمل السياسي، فإن العكس هو الحاصل فممارسات عدد كبير منها بعيد كل البعد عن السياسة، عنوانها الأساسي الانتهازية واحتقار ذكاء المغاربة، وغياب الديمقراطية الداخلية في بيتها، لذا فهل آن الأوان لوقف دعم تلك الأحزاب من أموال دافعي الضرائب ما دامتتعاكس التوجه الديمقراطي.

لقد باتت التجمعات الحزبية في آخر كل أسبوع موضة عند الوزراء الحكوميين، في إطار ما يعرف بالتواصل مع قواعدهم، حيث غدت هذه التجمعات أولوية يكرسون لها جهدا مضاعفا قد يفوق في لحظات كثيرة العمل الحكومي، ويضفي ضبابية كبيرة على إشكالية التماهي في طبيعة الصفة المخولةلإعطاء التصريحات، مما يجعل المشهد السياسي تطبعه العشوائية والغموض والفوضى.

مشهد يعطي الانطباع بأن أعضاء الحكومة بصفتهم وزراء ليسوا وزراء لكل المغاربة كما تفترضه خدمة المصلحة العامة، بل يفضلون إعطاء الأولوية لمناصريهم الحزبيين، مما يخلط الأوراق.

يبدو أن المشرع من واجبه التفكير في تنظيم المشهد السياسي سعيا لتكريس المصداقية والشفافية، من خلال سن قوانين تنظم تحركات الوزراء الحكوميين الذين يتقلدون مناصب حزبية، وتقنين لقاءاتهم وخطاباتهم التواصلية العمومية مع قواعدهم في حدود فترة الحملات الانتخابية فقط، لتجنب عزوف المواطنين والمواطنات عن السياسة، خصوصا عندما يرون انفصاما وخلطا في نوع الخطاب تارة بين شخصيات تحمل قبعات حكومية وأخرى تحمل قبعات حزبية، فيسود بذلك اللامعنى.