وجهة نظر

زاوية البركة والثورة الهادئة

يقول الله عزوجل في محكم تنزيله:(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وجاء في دستور المملكة، كل الناس سواسية أمام القانون، وجميع المواثيق الدولية تقول أنه يجب احترام الكرامة الإنسانية، نحن أمام ترسنة من النصوص الشرعية والقانونية إن أردنا أن نذكر من بقلبه ذرة من الايمان بكرامة الإنسان، لكن مع كامل الأسف بعض الناس يأخذهم الشوق والحنين إلى ثقافة جاهلية أكل عليها الدهر وشرب، لازالوا يجعلون من اللون والعرق أساسا في التفرقة بين الناس، لا أود أن أتكلم عن هذا الموضوع في إطلاقه، لكن أود أن أذكر لك أخي الكريم، وأختى الكريمة، عن جزء من هذا المغرب العميق مادام لنا منبر العمق المغربي نبوح فيه عن أسرارنا، وخواطرنا، وأفكارنا، فالشكر لكم والخير منكم ينطلق.

الحديث عن زاوية البركة قد يجعل منكم أحبتي تعيشون الْحُزْن والألم، فالزاوية حي بمدينة زاكورة، مرّت عبرها أجيال وأجيال، لها تاريخ عريق، يسكن فيها الإنسان الذي يخضع للتصنيف من ناحية اللون أبيض وأسود، ومن ناحية العرق (المرابطين أوالناصريين)، و(ضراوة)، هاذين التقسيمين عشناهما في مرحلة الطفولة، كما عاشتها الأجيال السابقة من أجدادنا.

الجيل الأول:

يحكي بعض من عاشوا الحقبة الأولى، أنهم تعرضوا لجميع أنواع العذاب النفسي والمادي، حيث لا يحق للضراوي أن يملك الأرض، وأنه مغربي من الدرجة صفر، مهمته في الوجود أن يكون (خمّاس) عند سيده، حتى أن بعضهم يناديهم بالعبيد، يخصصون لهم الأعمال الشاقة في الحقول، وسقي الماء، وبعض الأعمال المنزلية…وينادونهم أيضا (بالسّخّارة)، وكنا نسمع في الطفولة (سخّار أيت فلان)، هذا الجيل ليس من حقهم التعليم، الطابع الغالب عليهم الفقر، فمن سوء حضهم عاشوا استعمارين اثنين، فترة الاستعمار الفرنسي الغاشم، واستعمار طبقة الأسياد، فمورس عليهم التعذيب، فلم يشبعوا حتى من نعمة التمر، يحكي بعضهم أن أحد الأسياد يجعل على (الخمّاس) مراقبا يراقبه حتى لا يأكل من الثمر في نخيله، قمة في البخل والشح والعبودية، كما يحكى أيضا أن عبيدهم لا يأكلون إلا بقايا أكلهم، ولا يجلسون في فراشهم ولا يسلمون عليهم، فمن ينبش في تاريخ هذه المنطقة سيجد الغرائب والعجائب، عموما لم يعش هذا الجيل، ولم يعرف معنى الكرامة الإنسانية باستثناء بعض الحالات التي تمردت على الوضع.

الجيل الثاني:

السمة البارزة لهذا الجيل، ظهور فئة من المثقفين، بدأ يتشكل معهم الوعي بأن ثقافة سيدي ولالة، وتقبيل الأيدي، من مخلفات الجاهلية الأولى، فكان منهم مجموعة مِن الموظفين في مختلف القطاعات، وقد لعب هذا الجيل دوراً هاما في بناء الجيل الثالث، حيث بدؤوا يوجهون أولادهم للتعليم، وأنّ أعمال (تخمّاس) والسخرة ليست مفيدة، وأن القضاء على الفكر العنصري والتمييز العرقي لا يتم القضاء عليه إلا بالمواجهة الفكرية والتربية والتعليم، فمن حسنات هذا الجيل أنه أسس لمن جاء بعده مرجعية فكرية مفادها: إذا لم تذهب إلى المدرسة فإنك ستضل (خمّاساً) مدى الدهر، فظهرت أُطر كثيرة بالحي في مختلف التخصصات، ففي التعليم حدث ولا حرج، وفي الطب هناك رجل معروف وطنيا وهو الدكتور بوستى، وفي مجال الدفاع عن الوطن، أعداد بالجملة، إلى غير ذلك من المجالات الأخرى.

الجيل الثالث:

شكل نقطة تحول كبيرة في تطور الوعي الحضاري، فبدأنا نسمع عن النخبة المثقفة في زاوية البركة، وأتذكر أني كنت كثيرا ما أجلس بالقرب منهم لأستمع لنقاشاتهم، في عدة أماكن: (فم الجّماعة، وفم النّقب)، ومن أهم النقاشات التى كانت تدور بينهم، أن النظرة الدونية التي ينظر بها الغير إلينا لابد أن تزول، وأن عهد العبودية والسخرة قد ولّى زمانه، فكل الناس سواسية، أحياناً تجد لبعض المتملقين ضعاف النفوس أقوالا تأكد عجزهم المعرفي والفكري، مثلا مقولة: (كن ضراوي و اسكت)، ومثل هذه الأصناف البشرية موجودة في كل مكان وزمان، فإنهم من أعداء النجاح.

الجيل الرابع:

استطاع هذا الجيل أن يقوم بثورة هادئة وناعمة، إنها بداية النضج القانوني، حيث وجدت ودادية زاوية البركة ناضل فيها أهل الحي، وهنا لا يفوتنا أن نشكر كل الصادقين والمخلصين للقضية، فكل فرد يقوم بجهده من أجل رد الاعتبار لساكنة زاوية البركة، فإن عاش الأجداد القهرة والحكرة، فإن الأحفاد لا يرضون أن يعيشوا تحت الظلم والاستبداد، والعنصرية المقيتة، كانت دار الزاوية مقر للودادية، عرفت أنشطة ثقافية مهمة للعلن، فتشكل الوعي لدى الناس أن الزواوي أو الضراوي مواطن مغربي من حقه أن يملك، وأن سيدي ولالة من مخلفات الجاهلية الأولى، فإن أضاع الأجداد الأرض فمن الواجب علينا أن نعيدها، باحترام القانون واللجوء للمؤسسات القانونية للدولة، وكان تاريخ 4 شتنبر 2015، إعلانا عن سقوط الإمبراطور، وكان الفوز مستحقا للإبن البار للمدينة السيد محمد البشري، وبدأت رياح التغيير بالمنطقة تعصف لصالح المدينة، ورد الاعتبار لسكان زاوية البركة الذين عاشوا التهميش والحكرة.

قبل أن أختم هذه الكلمات، أود الإشارة إلى فكرة مهمة، لسنا من دعاة الفتنة أو العنصرية، نحن أبناء هذا الوطن نعمل فيه من أجل رقيه، حتى يحقق الريادة والتطور، وأنه لا فرق بين الناس في الدين إلا بالتقوى، وفي المواطنة إلا بالقول والفعل، وعدم نهب المال العام والإتقان في العمل، كما أن سكان زاوية البركة لا يكنون حقدا لأحد، وخاصة من اعتدى عليهم، ولكن يطالبون بحقوقهم المشروعة ماداموا مواطنين مخلصين لهذا البلد.