وجهة نظر

مغرب عربي هكذا أنشأه الأمازيغ..

إن الأرض أم حاضنة، وهي خام المعادن تبحث في أبنائها عمن يحسن إليها ويعمرها بروراً وسروراً؛

وإن الله إذ مقت أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب؛ امتن عليهم بالبيان الأخير عذراً ونذراً؛ فكانت الرسالة الأممية الخاتمة للرسول العالمي الخاتم صلى الله عليه وسلم؛ فدخل في دينه من أهل الأرض من دخل أفواجاً تتلو أفواجاً؛ وكان لأجدادنا نحن معشر المغاربة نصيب وفيرٌ من حسن الاقتداء بهذا الاهتداء؛ فأخرجنا الله من ظلمات الوثنية التي لم تبن حضارة ولا وحدت أمة ولا أوجدت إنساناً ذلك الإنسان؛ في وقت كان مشرق الأرض يزخر بالتنافس الحضاري رغم كثرة وثنياته المعادية للرسالات؛ فلم يكن لمغرب الأرض عندنا ذلك الحضور الذي يجعلنا في صفوف المنافسة العالمية؛ رغم ما يحاول -تجار الدعاية الأمازيغية- اليوم من اختلاق لتاريخ ونسج لخيال ورسم لشخصيات…

لكن الحقيقة الواقعة باتفاق هو أن وجودنا الحقيقي وتأثيرنا البليغ في مجريات العالم؛ إنما حدث فعلاً لما هلّ علينا نور النبوة وحملنا رسالة القرآن وجعلنا من لسانها العربي المبين لسان دين وعصبية شريعة وقومية اتباع واعتصام بما اجْتَبَاه الله لنفسه ولرسالته العالمية المهيمنة الخاتمة؛ فكيف لنا أن نأباه أو نتردد في تقديمه على النفس وكل الدواعي؟!

لقد توحدنا تحت رايته في غير ضرار، و تقدمنا به في ركب العزة ومواكب الأحرار ..
لم يضرنا في معاش ولا معاد؛ بل نفعنا الله به وجعلنا به أمة قائدة رائدة بعد أن لم نكن ..

إن اللسان العربي ظل حامياً بسلطته القرآنية وبقدرته اللغوية لكل الألسن في غير صراع؛ فلم تكن “اللغة الأم” (العربية) في نَكدٍ مع “لغة الأم” (اللهجات الدارجة) التي يتوارثها الناس بعدد أنفاسهم في مختلف جهات الأوطان؛ ولو أردنا تصنيفهم بها لجعلناهم إثنياتٍ بعدد رؤوسهم؛ ولجعلنا من آية اختلاف ألسنتهم آفةً لتشتيتهم بعد أن جمع الله كلمتهم وحفظ بيضتهم بدين ولسان …

إن العالم الغربي في أوج حضارته ورقي مدنيته لم يعد يمارِ في وجوب الاقتصار الرسمي على لسان واحد رغم كثرة العروق واللهجات؛ وتجد عندهم من العصبية لللغة الجامعة ما يعكس حقيقة وعيهم بأنها الوعاء الضامن لقوتهم؛ فإذا انخرم اللسان انهزم السنان وانصهر ذلك الإنسان…

وهذه أمريكا العظمى لم تعد في شك من وجوب تعميم لسانها الإنجليزي في العالم؛ لأنه أهم مقوم لاستحواذها على خيرات الشعوب؛ ولم نسمعهم ينادون لسان الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين ولا للأبوريجين في استراليا..
وإن منهم لمسئولين ورؤساء وإعلاميين ورجال أعمال…

غير أن مسألة اللغة يتفطنون إلى خطورتها على وحدتهم وقوتهم؛ فلذلك تجاوزوها بوجوب الإهمال إلا على المستوى العرفي؛ فإن الناس أحرار في لهجاتهم وعاداتهم ..

بل إن إخواننا المصريين رغم هوس الدخلاء فيهم بالفرعونية والهيروغليفية ووجود الأهرامات والموميات؛ لم يبلغوا سفه العصيديين في الدعوة للغة المعابد وكتابتها وتداولها، بل ولا النوبية التي ما زال لها وجود وتوارث رغم أن دخلاء المصريين بارعون في الفتنة والتشتيت؛ غير أنهم تحاشوا الحرم اللغوي العربي لأنه حماية الله بعد شتات الدهور ..

إن بعض الأمازيغ منا لا يتكلمون بهمومنا ولا يسعون للتقدم والبناء؛ وإنما هم قلة لا علاقة لها بنفوس سلفنا ولا بهموم خلفنا؛
وإنهم لفي أمر مريج إذ هم في حقيقتهم قوم عزين لم يستطيعوا إيجاد الجامع الأمازيغي إلا العداء العربي الديني؛ وما عدا ذلك فهي أوهام لمزيد تفريق وتشتيت حتى للسان الأمازيغي الذي لم يعرف بعد من يمثله ولا من سيتكلم به ويكتبه ولا من سيفهمه ولماذا سيفرضه؛ وهو بحمد الله موجود وأهله هم أهل العربية وهم حملة الإسلام فيهم منذ فجر الإسلام من كل الشرائح القادة والعلماء والعوام ..

إن تجار القضية الأمازيغية المشبوهين يسبحون عكس التيار لتكرار المآسي التي وقعت في بلدان أخرى من عرقية وطائفية؛ وكأن الأعداء غاظهم استقرارنا فصدروا إلينا أسباب التنازع والفشل والاختلاف جرعة جرعة لنستفيق في يوم ما على حروب التقسيم كما نلحظ في مسألة الأكراد بالمشرق العربي أو بين الإسبان والكاتالونيين…

إننا في زمن ينبغي أن نحافظ فيه على الرصيد التاريخي ونبني عليه بمزاحمة الحضارات الحية وتعلم اللغات القاهرة بما فرضته من رسالة العلم وخطاب القوة كالإنجليزية مثلاً؛

لا أن نرجع إلى الوراء باختلاق متخلف وصراع مصطنع متكلف؛ ونرهق تلاميذنا منذ الحضانة بالتدريج والتمزيغ والتمسيخ والتمزيق!!

لنؤسس قواعد للغة لم تطلب منا ذلك ولا أهلها الأحرار راضون بِهِ؛ ويلعنون بلسان القرآن من يتكلم عنهم وهو غريب عنهم؛ لقد أضحكني هذا المدعي التائه عصيد وهو في كل شاشة وفي كل أثير يحاول أن يفرض خيالاته دون التطرق للجوهر وهو الكَيف والحاجة والثمرة واحتساب الآفات والخلفيات…

وهل إذا تابعناه في هواه هل سنسعى لاكتشاف سيبويه النحو الأمازيغي؟
وهل سنرحل في البوادي لحفظ الشواهد الشعرية والنثرية لتكون حجة عند خلافنا في التقعيد الأمازيغي؟؟
وما سينتهي عصر الاحتجاج على القاعدة الأمازيغية؟
وكم مدرسة سنعتمد بعد البصرة والكوفة؟

وكم خطًا جماليا سنعتمد لكتابتها وإملائها وتشكيلها مادام ما زال في جبال الأطلس التي تعاني الهشاشة والفقر من يحفظ حرف تيفيناغ ومن يكتبه بالحرف العربي فعلينا مقاتلته لأنه هو سبب الهشاشة؟؟؟

إنه لمشهد رائع كنت أتمناه حينما أقرأ في ترجمة أبي عمرو أو الشافعي وكيف طلبوا الفصحى في بوادي الأعراب قبل أن يفشو اللحن؛
فأقول يا ليتني كنت معهم فأنهل مما نهلوا..

إلى أن جاء عصيد فحقق لنا الأمنية في اللسان الأمازيغي لنجدد الآمال بالرحلة إلى البوادي والجبال قبل أن يفشو اللحن فتضيع الفصاحة الأمازيغية ويموت عنترها وخنساؤها وجريرها وفرزدقها؛ فلا نجد من النصوص الفصيحة ما يضبط القاعدة ويشرح البلاغة “لنفهم الخطاب الإلهي العصيدي ياكوش” …

إله الجهل والتخلف والظلام …!