مغاربة العالم

كاتب مغربي يشرح في إيديولوجيا الخلافة وتاريخ المملكات العربية

بقدر ما استهواه النبش في التاريخ، اسقطبته السياسة عبر علومها، ولعله وجد ضالته لفهم ما يجري الآن من حولنا، في تخصصيين أكاديميين، حاز فيهما على دكتوراه في التاريخ المعاصر، والعلوم السياسية من جامعة السوربون في عاصمة الأنوار باريس.

سطع نجم ملين عاليا هذه الأيام، عبر وسائل الإعلام المتعددة من مرئية ومسموعة ومكتوبة، وهي تتعقب أثره لإجراء حوار، في محاولة القبض على بعض مفاتيح فهم ما يجري الآن، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في زمن هيمنت عليه “داعش” والإرهاب والقتل الغارق في الوحشية باسم الدين وادعاء الخلافة.

تعددت اهتمامات ملين في مجال التأليف، عبر إصداراته المتعددة، وهي مجموعة أبحاث تتعلق بدراسة طبيعة السلطة في الملكيات العربية، وتتراوح ما بين أسئلة وقضايا البناء المجتمعي ونسيج السلطة الدينية، إلى أجهزة التشريع داخل الملكيات العربية، ورمزية السلطة، ثم سوسيولوجيا النخبة، وأيضا السينما والتعبئة السياسية، عبر مؤلفاته: تاريخ العربية السعودية، الصادر بفرنسا في العام 2012، و”رجال الدين في الإسلام، السلطة الدينية والسلطة السياسية في العربية السعودية، سنة 2011، وكتابه “الخليفة المتخيل لأحمد المنصور، الشرعية، السلطة والدبلوماسية في مغرب القرن الرابع عشر، 2009.

في كتابه حول أحمد المنصور، يرجع ملين بعيدا إلى تاريخ المغرب الوسيط، والخصوصيات التي طبعت ملكيته على عهد هذا الملك المغربي(1578-1603)، في محاولة لتسليط الضوء على الإرادة الحقيقية التي كانت للملك المنصور نحو إرساء امبراطورية قوية، ذات بنيات إيديولوجية ومؤسسات قارة، مشيرا إلى أبعاد ثلاثة اتخذها مشروعه في الملك، وهي: شرعنة سلطته داخل المغرب، اجتناب التأثر الخارجي، ومنه أساسا العثماني، ووضع يد امبراطوريته على الصحراء والسودان الغربي.

ويوضح في كتابه، بأنه لأجل تنفيذ هذا المشروع الشامل، اعتمد المنصور إيديولوجية الخلافة، نوع من الملكية الشاملة على الأرض، ولجأ إلى إصلاح المؤسسات الإدارية، والمالية والعسكرية الموجودة، وعلى تثوير الجهاز عبر خلق مؤسسات جديدة مستوحاة من النموذجين الإيبيري والعثماني. بشكل نفعي، توصل أخيرا إلى سياسة خارجية نشيطة، استباقية وخلاقة تبحث دائما عن التكيف واللعب على تحالفاته لخدمة سياسته بشكل أحسن.

وفي كتابه “الخلافة: التاريخ السياسي للإسلام”، الصادر في 13 يناير الماضي، من قبل دار النشر الفرنسية “فلاماريون”، ينطلق المؤرخ والباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، (CNRS) محمد نبيل ملين، من تشكل مجموعة الدول الإسلامية التي جعلت من الخلافة وسيلة لإضفاء الشرعية على سلطتها منذ القرن السابع الميلادي إلى اليوم، في مثل حالة المملكة العربية السعودية.

قبل أن يعرج على تنظيم “داعش”، بالإشارة إلى كيف أن زعيم هذه الجماعة أبو بكر البغدادي، يتبع نفس المسار، بادعائه الخلافة، دون أن يغفل استراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب توظيفها إضفاء الشرعية على مشروعها السياسي-الديني، يشير أيضا أن الجهاديين يغرفون من معينين إيديولوجيين متكاملين: من جهة، يحاولون ملاءمة مخططات التبشير التي عرفها تاريخ العالم الإسلامي، منذ العصور الوسطى، بدعوى توحيد الأمة وإحياء الخلافة، ثم التنفيذ الصارم للشريعة، وقهر العالم أخيرا تحقيق الخلاص.

من وجهات النظر التي عبر عنها مؤخرا الباحث ملين، قوله خلال حوار تلفزي أجرته معه القناة الفرنسية “فرانس 24” بأن الحل العسكري لا يكفي للقضاء على “داعش” مؤكدا على أن هذا التنظيم ومعتقدات الجهاديين عموما تجب مواجهتها بالأفكار.