وجهة نظر

ابن كيران في الميزان

قبل أن أقول كلمتي لا بد وأن أعلن تضامني الكامل مع الأساتذة المتدربين الذين تم تعنيفهم إجحافا في حقهم في الحياة الكريمة، لكن سأعود وأقول على أن ميكانيزمات التعامل مع هذه الوضعية وغيرها تنم عن درجة وعي أحفاد عبد الكريم الخطابي وطارق بن زياد، وعي إزاء مرحلة مهمة من تاريخ هذا الوطن الحبيب، وعي سيكتب في صفحات تاريخنا إما بمداد من نور وإما بسواد مظلم.

الوعي الذي أتحدث عنه هو أن تحميل ابن كيران وحكومته المسؤولية الكاملة في ما يقع هو ظلم مضاعف في حق هذه الفئة التي حملت شعلة الإصلاح ليحرقها لهيبها، وحتى أوضح تصوري من هذا الذي يقع لا سواء الذي حدث اليوم أو في الماضي أو حتى الذي سيحدث، كل هذه الأفعال هي من نسج جنود الخفاء ومكائدهم خاصة إذا ما لاحظنا أن حرب الشارع لم تنطفئ منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات الجماعية فما إن تنتهي واحدة حتى تبدأ أخرى ؟؟ وهو أمر يبعث على الشك، والشك المبرر بطبيعة الحال وليس التلقائي وسأقول لكم لماذا؟؟ لأن مختلف الميكانيزمات التي تم استعمالها قبل انتخابات شتنبر 2015 لم تجدي نفعا بعدما أكدت نتائج الإستحقاقات الانتخابية أن حزب العدالة والتنمية نال ثقة المغاربة وحاز على رضاهم وهو الأمر الذي لم يستسغه أعداء الإصلاح خاصة دولة التحكم التي لازلت تصارع خشية الهلاك بكل ما أوتيت من قوة وعلى جبهات متعددة.

ولأن الحملة الانتخابية التي قادها حزب العدالة والتنمية أبانت عن شعبيته المتطورة وعن انتصاره السياسي الجزئي، وهو ما تجلى بوضوح من خلال المهرجانات الخطابية التي أطرها أمينه العام والتي أبانت عن تعاطف شعبي كبير لم يسبق له مثيل في تاريخ المغرب وعن ثقة في فئة من النخب السياسية المخلصة، كل هذه الأمور أعطت مؤشرات واضحة على فعالية الإصلاح السياسي، وهو الأمر الذي لم يستسغه (المخرجون المسرحيون) ويسعون جاهدين إلى إفشاله من خلال مخططات جديدة في الساحة تبلورت بأساليب متعددة خاصة وأن المعطيات الدولية المتمثلة في النموذج التركي ونجاح أردوغان في إقناع الأغلبية الساحقة من الشعب التركي بمصداقية هذا الحزب وعمله الجاد لبناء دولة قائمة الثوابت والأركان تضمن لشعبها مفاتيح الحياة الكريمة والحسنة، ومن هنا كانت الاستفاقة بخطورة الوضع على حد التصور المعادي للإصلاح.

لكن قبل أن نغوص في سرد هذه الميكانيزمات المستعملة لإفشال هذه التجربة الإصلاحية بغض النظر عن أهدافها، لا بد وأن نعود خطوة إلى الوراء نسترجع من خلالها أهم الأحداث التي بصمت تاريخ مغرب ما بعد 20 فيراير فمنذ أن استحوذ حزب العدالة والتنمية على ثقة فئة مهمة من الناخبين بدأ العمل في ظل الدستور الجديد والحيوية التي أعطاها عاهل البلاد لمسار الإصلاح، والتي جعلت من المغرب تجربة فذة استطاعت أن تستأثر باهتمام النخب السياسية العالمية وأثنوا عليها، لكن هذا المسار تمت عرقلته في مراحل مختلفة إلى أن تم تشتيت الحكومة وتفتيت مكوناتها ليقف الحزب ومعه حلفاءه السياسيون على واقع جديد مرير فرض عزلة عليهم، وبدأت معه السيناريوهات تتبلور، ولعل أصعبها كان هو الاتجاه نحو انتخابات مبكرة، وهو ما لم يكن وتم تضميد الجرح بدخول أجندات جديدة في الساحة فرضت متغيرات جديدة من داخل الحكومة وهو ما عكسته مجموعة من المواقف المتنوعة من تاريخ المولد الثاني.

وفي ظل هذه التغيرات التكتيكية أصبح أعداء الإصلاح يبحثون عن مناطق ضعف جديدة يخترقون من خلالها الممر ويحطمون الجدار وأصبح الشارع في حراك دائم ولغته المستنكرة للحكومة في نكران تام لما أنجزته، أما مواقع التواصل الاجتماعي فقد استغلت أمكر استغلال من خلال توظيف فيديوهات وتصريحات أتقنت لغة البرمجة والمونتاج صياغتها ووضعتها في قالب جعل من مشاهدها ينفعل وينساق وراء الخبر متمردا على الوضع الذي بني من إشاعة تارة ومن بتر للكلام تارة أخرى وحينا آخر بني على تأويلات على عكس المصرح، وبالتالي أصبحت الكلمة واستعمالاتها الدنيئة السلاح الرئيسي لهذه الفئة الرافضة للإصلاح في إطار رؤية تعجيزية إفشالية منسجمة ومتناغمة ومدروسة بعناية فائقة.

وإذا ما تحدثنا عن الإصلاح فلا بد وأن نجد في الأمم السابقة من العبر ما يشفع لنا في فهم ميكانيزمات الصراع وأدواته، غير أني لم أجد في قاموس التاريخ أن إصلاحا يساوي 5 سنوات، وبهذا أعود وأكرر على أن الوعي خاصة ذاك الذي يخص الفئة المثقفة هو وعي مصيري، أما أن تسكن به قلوبنا أو سيشردنا من جديد، وهو وعي مبني على نقد بناء عميق ذكي ومتجدر في التاريخ وعادل في طرحه وليس كما قال نيتشه “بمجرد أن تشعر أنك ضدي سوف تتوقف عن فهم موقفي.”

وفي الأخير لا بد وأن أشير إلى أن الخطاب القرآني عندما تحدث عن الفساد أورده في صيغة الجمع (الظلمات)، وللجمع ما للجمع من قوة ومكر ودهاء وطرق وغيرها الكثير مما قد لا يسعني الوقت أن أذكره بل وحتى الذي لا أعلمه لأن ربط الفساد والضلال بالليل هو في حد ذاته رسالة على السرية والغموض التي تتعامل بها هذه الفئة.

يبقى هذا التحليل فهما بشريا لكن لا بد لأي تحليل من رؤية عامة وشاملة قد تشكل الصورة في كافة تجلياتها، وتجعلك تعرف عدوك من صديقك وكتبت هذا حبا لهذا الوطن وأملا في مستقبل مشرق يعيش فيه جميع المغاربة حياة كريمة نصنع فيها لأنفسنا مجدا جديدا تحفه عائلة شريفه.