منوعات

حزب داعش في المغرب

خارج الإنطباعات العامة التي تَتْركها الأرقام المُنتشرة حول الحُضور المغربي في تنظيم داعش، نستطيع اليوم، فقط، أن نحمل فكرةً تقريبيةً حول ما أسمته الصحافة “حزب داعش في المغرب”، إنطلاقاً من استطلاع المؤشر العربي، الذي يعده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي إشتغل على عينة ضمّت 1500 مواطن مغربي.

قبل أكثر من عام، في صيف 2014، كنت قد كتبت عن المغاربة الدواعش. كانت الأرقام حينها قد أصبحت فعلاً صادمة: العدد الإجمالي للمقاتلين المغاربة في الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” كان يصل إلى 1122 من الذين توجهوا، أساساً، عبر تركيا إلى سوريا والعراق. فيما يبلغ العدد الكلي للمغاربة، حاملي الجنسيات الأخرى، الأوروبية خصوصاً، بين 1500 و2000. وكان قد لقي أكثر من 200 مغربي في “داعش” حتفهم، أقدم عشرون منهم، منذ إعلان “الدولة الإسلامية” عن نفسها، على عمليات انتحارية.

وبموازاة هذا الوجود الكمي كان قد لوحظ حضور نوعي لافت، فالمغاربة ممثلون داخل قيادات هذا الكيان المُلْغز، في قائمة طويلة من “أمراء التنظيم”، تضم “أمير عسكري”، “قاضي شرعي”، “أمير على اللجنة المالية”، “أمير منطقة جبل التركمان”، و”أمير الحدود الترابية”.

ولعل هذا الواقع المُثير للمخاوف، هو ما كان قد دفع السلطات المغربية، في الشهور الأخيرة إلى إعداد مشروع قانون مُعدّلٍ لقانون الإرهاب الصادر العام 2003، حرصاً على تطوير بنية النص الأصلي، بهدف سد الفراغ التشريعي الذي أبانت عنه التوترات الإقليمية، وما أفرزته من حركات تجنيد وتنقل ودعاية للتنظيمات الإرهابية، حيثُ أصبحت تعتبر جرائم إرهابية، أفعال الالتحاق أو محاولة الالتحاق بشكل فردي أو جماعي، في إطار منظم أو غير منظم، بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية أيا كان مكان وجودها.

حيث نصّ هذا المشروع على اعتبار تلقي التداريب داخل أو خارج أرض الوطن، أو محاولة ذلك، بقصد ارتكاب أفعال إرهابية داخل أو خارج المملكة، يصنف ضمن خانة الجرائم الإرهابية، ومثل ذلك تجنيد أو تدريب أو تكوين شخص أو أكثر، من أجل الالتحاق بكيانات أو جماعات إرهابية داخل الأراضي المغربية أو خارجها. وتشمل الأفعال الإرهابية، كذلك، وفقا لهذا النّص الدعاية أو الإشادة أو الترويج لكيانات إرهابية، أو بإقناع الغير بارتكاب جريمة إرهابي.

إستطلاع المؤشر العربي جاء إذن ليُعزّز، في السياق المغربي، من حالة الخوف الطبيعي من الأثر السياسي والأمني لتمدّد تنظيم داعش. ذلك أن إحدى أقوى نتائجه توضح أن %8 من المغاربة أكدوا أن لديهم نظرة إيجابية أو إيجابية جداً تجاه داعش!.

وإذا كان %68 من المُستجوبين يحملون نظرةً سلبيةً ضد “داعش”، فإنه في المقابل لم يُعبر %7 عن أي موقف إيجابي وسلبي تجاه التنظيم، وهو ما يُعمق منسوب القلق من إتجاهات الرأي العام المغربي نحو الظاهرة الدّاعشية.

قلقٌ مشروعٌ، عندما نُصادف في نتائج الإستطلاع، أن ما يُقارب الثلثين هم فقط من يؤيدون مقولة ” ليس من حق أي جهة تكفير الذين ينتمون إلى أديان أخرى “، وهو ما يجعل ثلث المُستجوبين يعتبرون التكفير حقاً دينياً مشروعاً !.

من جانبٍ آخر، تُقدم القراءة المُتقاطعة لمُجمل النتائج موزعةً على المتغيرات المُختلفة للإستطلاع، إمكانياتٌ لتنسيب حقيقة هذا التأييد المغربي للتنظيم، من ذلك مثلاً أن جزءا مُعتبرا من مؤيدي داعش( %10) يوافقون على فصل الممارسات الدينية كمُمارساتٍ خاصةٍ عن الحياةِ العامة، كما أن ما يُماثل ذلك الجزء لا يعترض بتاتاً على المعاملات البنكية الحديثة، بما فيها نظام الفوائد.

المفارقة تصل الى قمتها هنا، عندما نكتشف أن (%8) من الذين قدموا أنفسهم للإستطلاع كغير متدينين، يحملون في الآن نفسه نظرةً إيجابية لتنظيم داعش.

قراءة هذه النتائج، تتقاطع مع المحاولات التفسيرية التي إشتغلت على الحالة الجهادية لدى هذا التنظيم، حيث يعتبر عدد من الباحثين أن التعاطف مع داعش يعود بالأساس لعوامل سياسية مُختلفة ليس الدين مُحدداً حاسماً لها، إذ تبدو كعنوانٍ جذبٍ جديد يضم خليطاً غير مُتجانس توحده مشاعر الرفض والإحتجاج تجاه سياسات الغرب غير العادلة.
على أن هذه القراءات، و مُفارقات التحليل المُتقاطع للنتائج، لا تغير في النهاية من حقيقة القلق الطبيعي تجاه خطر مُتربصٍ، اسمه “حزب داعش في المغرب”.