وجهة نظر

الفضوليون : أوقفوهم فهم يتكاثرون

تعرف العلوم الاجتماعية “الفضول” كشكل من أشكال السلوك الاجتماعي الناتج عن التفاعل وبناء العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، ويعد قيمة إيجابية في حالة كان الدافع من وراءه تحصيل معلومة وخبر بهدف الاستفادة من نجاحات و تجارب الآخرين، لكن عندما يتحول لمجرد آلية لجمع تفاصيل عن الأشخاص بقصد التدخل في خصوصياتهم، فهنا سيصبح الحديث عن مرض /سلوك غير مقبول يدمر ذات “الفضولي” أولا لأن هذا الكائن الذي تقمص دور “المحقق” الذي لا يبحث عن الحقيقة والمتهم الحقيقي قط، بل اتخد من التجسس والتتبع مهمة رئيسية في حياته، فانطلق نحو الآخر منقبا وباحثا عن سلبياته ومشاكله و مركزا على مصدر كل نعمة وفرحة يعشيها، فهو كائن مغبون وغيور ويعلق فشله وعجزه على الآخرين، ويحاول المسكين أن يثبت من خلال سلوكه غير مقبول أنه ليس الوحيد السيئ ولا غير المحظوظ في العالم.

“الفضولي” كائن جريئ في الباطل، فقد يسمح لنفسه أن يوجه للآخر أسئلة قد تبدو غريبة “كم تتقاضى؟ ألا تفكر في مغادرة عملك؟ لماذا لم تنجبي بعد؟ ….. “، والمدهش في هذا السيل من الأسئلة، أن السائل لن يستفيد شيئ من معرفة جوابه(ها)، وحتى وإن طلبت منه المساعدة فهو عاجز أن يقدمها لك لأن وقته و مشاريعه كلها مسخرة لمراقبة وتصيد هفوات الآخرين.

“الفضولي” إنسان صورته الذاتية مهزوزة وهشة وضعيفة، يحاول المسكين الفرار من مواجهة صعوبات حياته ليعيش منفيا في جلابيب الآخرين، فنجد طاقته يكرسها في تتبع وانتقاد وتقييم الآخرين، مضيعا بذلك زمنه النفسي والبيولوجي.

هذا النوع من البشر أي “الفضوليين” يذكرونك بقولة سارتر “الآخرون هم الجحيم”، فعلا إذا لم تتصدى لهم حولوا حياتك إلى جحيم، فكل لقاء معهم تجد نفسك محاصرا ومسيج بفخاخ من النظرات والأسئلة الغبية والحشرية والمتكررة جدا، فتجد الأغلبية من كثرة الإصرار عليه مستسلما مقدما كل الأجوبة بشكل مفصل عساه ينال حريته بعد انتهاء هذا اللقاء المشحون بالتوثر، والبعض الآخر يضطر للكذب حتى لا يقدم نفسه على طبق من ذهب، بينما الفئة المحظوظة من استطاعت اختلاق أعذار للانسحاب من هذا التجمع غير المرغوب فيه مستخدما أساليب التمويه وتغير موضوع قناة التواصل مع الآخر الفضولي طبعا.

صديقي الإنسان أنت لن تستطيع تغير شكل ومضمون “الفضولي” لأنه كائن فارغ العقل والروح، كائن غير حر، استعبدته عادته السيئة وأدخلته خانة التوتر والتوجس والقلق من نفسه والآخرين، ولكنك تقدر على تعزيز تقديرك الذاتي ورفع منسوب ثقتك في نفسك ومجهوداتك، تحتاج أن تبذل مجهودا أكبر لتحيط حياتك بأناس إيجابيين يكونون إضافة جيدة لشخصك وقدراتك.

أنت تملك القدرة على أن تضع حدا للمتطفلين بتوضيح مساحتك الخاصة التي لا يسمح لأي كان بتجاوزها معك، فإذا كان “الفضولي” سلوكه طفولي وغير ناضج لابد أن تكون صارما وعازما على وضع كل “التكتيكات الدفاعية” لتحمي خصوصياتك من كل إختراق، فمتى تحولت لصفحة مكشوفة يسهل قراءة و تحليل أسطرها صرت حديث الألسن و”دواز أتاي”.

يلزمك فقط القليل من الاحتياطات الضرورية لتحافظ على سلامة بيتك الداخلي من كل المشوشين والمترقبين لأي هفوة ولكل سقطة، وحارب فراغك الروحي والعقل، فمتى فرغت من أشغال الدنيا اشتغلت بأمور الآخرة، وبذلك تشغل نفسك عن أراء الناس فيك، فرضاهم غاية لا تدرك.

و أنت أيها “الفضولي” الصديق غير المرغوب في تواجده بيننا، لن ننساك من النصح والتوجيه، فحقيقة أشفق على حالك وحالتك التي وصلت إليها، فمرضك مزمن شافاك رب العالمين، جرب يا سيدي عندما تلتقي أحد ضحاياك أن تحاول اكتشافه كإنسان يقاسمك هموم الحياة وصعابها وتأكد بأن سعادتك مهما طالت فهي نسبية وغير مطلقة.

فحاول قبل أن تبدأ في تطبيق مخططاتك التجسسية التدميرية، أن تبتسم في وجه من يقف أمامك، فالابتسامة تطفئ الكثير من المشاعر السلبية نحو الآخر، نظرات عينك انقص من حدتها، جرب أن تنظر للآخر “بعين الرحمة والمحبة”، وإياك أن تطلق العنان للسانك المعتوه ليبدأ شغله المعهود “يا إلاهي يبدو أنك تغيرت للأسوء”، “صحتك وشكلك في تدهور”، “لماذا تبدو حزينا”.

واسأل نفسك، فبالسؤال أنت إنسان، ما الذي ستستفيده من إشعال فتيلة الشك في نفوس الآخرين، هل فعلا ستشعر بسعادة ونشوة إذا حولت الآخر لإنسان حزين، متشكك، يحاول إخفاء عيوبه متى ظهرت أنت في الصورة.

سيدي أنت كائن سلبي لا تطاق، فهل يعجبك هذا التصنيف؟ إذا كان الجواب نعم؟ فأنت كائن قاصر لا يرى أبعد من أنفه، حولت حياتك لفيروس مدمر لكل جمال فيك و حولك، فأنت مأسوف عليك.

و إذا كنت غير راض على ما تفعله، فعليك بالتقليل من التواصل مع الآخرين، جرب العزلة عن الناس لفترة فالصمت يورث الحكمة والتعقل.