منوعات

الصحراء المغربية تاريخ من الصراع الدولي

تعود أصول قضية الصحراء للوضع التاريخي الذي عاشه المغرب الأقصى بوفاة السلطان الحسن سنة 1894م، وتولية عبد العزيز عن عمر لا يتجاوز أربعة عشر سنة. فقد استمرت الأزمة الداخلية التي عاشها البلد على كافة الأصعدة، كما تطور الصراع الخارجي الدولي على المغرب، بشكل يندر بفقدان المغرب الأقصى لسيادته على صحرائه الغربية، والشرقية على السواء.

وفي ظل هذا الوضع؛ احتلت فرنسا منطقة التوات، الواحة الكبيرة في شمال وسط الصحراء في دجنبر 1899م، وقد خلف هذا التدخل الاستعماري رجة كبيرة في المغرب كله، كما كشف من جديد، ضعف القوة العسكرية للمغرب. لكن الوضع الدولي أنذاك كان لصالح فرنسا التي تواطأت معها قوى أوروبية في هذه المسألة؛ كما تم غض الظرف على جريمة اسبانيا التي احتلت منطقة الداخلة وكامل منطقة واد الذهب سنة 1881م، وفرضت على الدول الموقعة على ميثاق برلين الأمر الواقع “بإعلان حمايتها لواد الذهب”، في نفس السنة رغم المقاومة المسلحة التي واجهتها في الصحراء المغربية.

لقد سعى المخزن، وسكان المنطقة تاريخيا إلى حماية الوحدة الترابية في الصحراء المغربية، لذلك تمكنت السلطة المركزية من استرجاع طرفاية سنة 1894م، من الاحتلال الانجليزي مقابل تعويضات مالية ضخمة عن المنشآت التجارية المقامة بهذا الجيب المغربي.
لكن فرنسا التي تراقب هذا الوضع، كانت تشتغل دبلوماسيا وعسكريا لتسريع خطتها الاستعمارية؛ فما أن استتب لها الأمر بالتوات، حتى سيطرت بالقوة على واحة بشار سنة1903م، وزاد توغلها بالجنوب الشرقي إلى حدود تافيلات.
أمام تعدد الأزمات والإضرابات والمؤامرات على المغرب، دخل الأخوين عبد العزيز وعبد الحفيظ في نزاع مسلح حول السلطة السياسية، سرعان ما حسمها عبد الحفيظ لمساندة العلماء وعموم الشعب له. ونظر للسلطان الجديد من طرف القبائل وعموم الشعب المغربي، باعتباره مخلصا من الاستعمار الزاحف نحو المغرب، خاصة بعد السيطرة الفرنسية على الدار البيضاء ونواحيها سنة 1908م.

من جهتها استندت اسبانيا على اتفاقية 1904م، التي تقسم النفوذ بينها وبين فرنسا، لتحتل منطقة الريف سنة 1909م، ومدينة العرائش والقصر الكبير في 8 و 10 يونيو 1911م، لتوسع منطقة نفوذها بعد ذلك باحتلالها لمدينة أصيلة في غشت 1912، رغم بسالة المقاومة في تلك المنطقة.

ويبدو أن حالة المخزن في عهد السلطان عبد الحفيظ ستسوء بعد الاتفاق السري الذي أبرم كل من فرنسا وألمانيا. فأمام عجز السلطان الجديد على الوفاء ببنود البيعة المشروطة التي تضمنت وقف الزحف الاستعماري، وقبول ألمانيا لبنود الاتفاق؛ تغيرت طبيعة التحرك الشعبي بالمغرب، وأصبحت معارضة السلطان جزء من مقاومة الوضع الراهن للمغرب. لقد كانت التدخلات الخارجية مؤطرة برؤية حضارية امبريالية ولم تكن تنظر إلى المغرب إلا كجزء من العالم الإسلامي الواجب السيطرة عليه آنذاك.

لذاك كان من الطبيعي أن تتحرك الدول الإمبريالية لإسقاط الإصلاحات الوليدة بالمغرب، خاصة وأنها ارتبطت بنظرة جديدة تتعلق بالحكم، ووصلت سنة 1908م لطرح أول دستور بتاريخ المغرب، من طرف نخبة من العلماء المغاربة، بعد بيعة مشروطة للسلطان عبد الحفيظ.
وإذا استحضرنا أن قضية الصحراء المغربية لم تكن كذلك بعيدة عن الدور التاريخي للكنيسة المسيحية الإسبانية التي اعتبرت السيطرة على المغرب واجب مقدس فرضه الرب. فإنه فيمكن القول أن الغرب الحضاري في تشكله الدولي القائم في منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان في عمومه يقف حائلا دون استرجاع المغرب لقوته العظمى التي تمتع بها لقرون طويلة، والتي أثرت على مسار العلاقات الدولية، الرابطة بين إفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا.

إن هذا الثابت التاريخي لم تسقطه بعد من حساباتها النخب السياسية الحالية في جنوب أوروبا، وخاصة الإسبانية، كما لم تسقطه كثير من القوى الدولية الكبرى المعاصرة، في اعتباراتها وبناء الأحلاف وتبادل المصالح في راهن العلاقات الدولية اليوم. ولذا تدخلت مجموع هذه القوى، ولا زالت تتدخل لتجميد المحاولات المتعددة للمغرب لاسترجاع دوره التاريخي في غرب المتوسط، خاصة وأن موقعه الجيوستراتيجي وإرثه الديني السني المالكي، كانا دوما سلاحه الفعال في لعب ذلك الدور في إفريقيا. وكانت وحدته الوطنية بتنوع مكوناتها العربية والأمازيغية، شرطا لازما لضمان استقلاله، عن الغرب، والمشرق الإسلامي؛ وكذلك شرطا في تحقيق التوسع الذي رسم يوما خريطة المغرب الممتدة من دولة السينيغال جنوبا، إلى مدينة طبرق الليبية غربا، واسبانيا شمالا.

تلك كانت الخريطة، والدور الحضاري للمغرب في غرب المتوسط، وذلك هو التاريخ الذي لا تريده القوى الدولية الكبرى أن يذكر أو أن يحتدا، أو يتمثل في القرن 21 الميلادي، باسم المغرب وصحرائه، أو باسم الإتحاد المغاربي الكبير المندمج مجتمعيا وسياسيا.

ــــ

خالد يايموت