وجهة نظر

هل يمكن للمتصوف أن يكون إرهابيا؟

المتصوف رجل مسالم عموما، يميل إلى مهادنة المجتمع أو تجنب مخاضاته و طوارئه السلبية وحتى الإيجابية، يجعل جهاده لنفسه، فمحور عبادته تزكية النفس و تطهيرها، هذا ما يجعله درويشا في حالة غيبوبة سياسية، وحتى إن أراد الإصلاح المجتمعي فهو لا يتخذ المواجهة سبيلا أو العنف المفرط، تمنعه رقاقة الروح و طبيعة الاعتقاد الذي يحتكم إليه في صناعة شخصيته. 

قليلا ما عرف التاريخ الإسلامي ظهور الصوفية واحتكارهم للسلطة أو تدخلا في الصراعات السياسية أو المجتمعية التي عرفها العالم الإسلامي، رغم التطور الذي طرأ على التصوف وانتقاله من تصوف سني مقتصر على سير زهاد إلى علم مؤسس ومؤطر ومأثث بما هو فلسفي وعقائدي إلى انتقاله إلى مذهب شعبي عامي تداخلت فيه عوامل الإنحطاط السياسي والثقافي إبان العصر المملوكي و حتى العصر العثماني فصار على ما هو عليه اليوم. ورغم تحول المتصوفة من حالات فردية إلى جماعات منظمة تنضوي في ما يسمى بالطرق أو الزوايا كما في الغرب الإسلامي، والتي كانت في وقت من الأوقات مؤثرة في صناعة القرار السياسي وفي تحولها إلى عائلات مالكة وسلطانية انطلقت من مبدأ الجهاد إبان الغزو الصليبي والايبيري لشواطئ المغرب الإسلامي، فقد بقي المتصوفة في كثير من الأحيان خارج الصراعات السياسية والاجتماعية والمذهبية.

في الوقت الحاضر تمثل الطرقية الوجه البادي للتصوف، وفي مغلب البلاد العربية التي تنتشر فيها توالي الطرق الصوفية النظام الحاكم وتطيعه طاعة عمياء، فرجال الطرق الكبار على عكس مبدأ التصوف عبارة عن أعيان ورجال أعمال كبار يمارسون سلطتهم الدينية ويستثمرونها في علاقاتهم مع الأنظمة.

هذه الصورة المهادنة والموالية للطرقية شجعت دول عربية كثيرة على الترويج و تبني مذهب التصوف كمثال للإسلام المتسامح فعملت على إحياء الزوايا ودعم الطرق الصوفية كجماعات إسلامية مسالمة لا تتبنى العنف و تتميز بالتسامح و قبول الآخر.

كان لضربات داعش الأخيرة نتائج سلبية على الصورة العامة للإسلام و المهاجرين المسلمين في أوربا، لتعود إلى الواجهة مجددا الاتهامات الدفينة للسعودية مثلا ولدول أخرى برعايتها للإرهاب ودعمها للجمعيات الدعوية و الخيرية ذات الخلفية السلفية أو الإخوانية.

ليس اليمين الغربي فقط، فكثير من السياسيين العرب ممن لهم عداوة مباشرة مع التيار الإسلامي السياسي بشقيه الإخواني والسلفي، الفرصة لضرب هذا الأخير و اتهامه بأنه السبب في وجود داعش و قبلها الحركات الإسلامية المسلحة، التي شوهت وأثرت سلبا على الإسلام والمسلمين، وكبديل يروج هؤلاء لإسلام المتصوفة والطرقية رغم ما يشوبها من معتقدات جاهلة ومغيبة للعقل والفكر، لكن لهؤلاء وعلى مضض الغاية في تمرير نسخة بديلة للمذهب السلفي أو الإخواني المتشابهان عموما والمهددان لسلطة العلمانيين والليبراليين.

لا ينتج التصوف في صورته المثالية إرهابيا، لأن صميم الدعوة الإحسان، وقد لا تنتج الطرقية في زمننا الحالي، تلك النسخة الرديئة للتصوف إرهابيا لأن معتنقيها جلهم من العامة الدراويش و شيوخهم في الغالب من مريدي الحاكم الغالب.