وجهة نظر

قيمة نبذ الظلم أوثق من قيمة الإيمان

هذا كلام ، ليس بكُفر بَوَاح أو هَرطقة صُرَاح، و إنّما هو مُحاولة لِلتَفَكُّر إنطِلاقا من مُنطلقَات معرفية منطقية بدل التَّدَاعِي العَاطفي السّيكيولوجي للأفكَار.فعندما نعتبر أنَّ نبذ الظُّلم يرتقي كقيمة أصلَب و أوثَق من قيمة الإيمان ذالك أنه ببساطة تَمَثّلاثُنا عن مفهوم الظُّلم تَمَثّلات جامدة غير مرنة لا تَتَغَّيّر أو تَتَحّور، فلن يتَّفِقَ لك يوماً أن تُصَادِف مَن يمدَح الظّلم ويَذُمّ العدل، وحتّى من شَذَّ فَهمُه وأغتِيل عَقله و نَظَّر للعكس لن تَجِده في قَرَارِة نفسه يُخرِجُ الظّلم من خانة قيم الشَّر ويُدخِلُه لقِيم الخَير أبدا، بل حتّى الظّالم نَفسه حينما يَظلِم فإنه يَتَورَّع أن تَصِفه بالظَّالم و يَغضَب ويُرغِدُ و يَتَوعَّد وتَرمِي به التَّفسِيرَات في مَهَالِك التَّبرِيرَات..إنّ الظَّالم -المُمَارِس لقِيمَة الظُّلم- هنا يتَهَّربُ من وَصمَة الظُّلم لأنّه يَعِي بعَقلِه اللاُّوَاعِي أنّه يَرتَع في خَانة الشّر، فجَرّب أن تَنعَت أحدَهم بالظُّلم لتَتَأكَّد صِدق كَلامي وتَتَلمَّس..

هنا لا يملِك هو و لا نَملك نحن ولا يَملك من يَلِينا و من سَبقنا إلاّ أن نَعتَرِف باطلاَقِية قِيمة نَبذ الظُّلم..

أما الإيمان فنِسبيَتُه إغتَالَت إطلاَقِيته، ذالك أن تَمثُّلاتنا عن مفهوم الدّين تَختَلف باختلاف مَصادر التَّلَقّي و تَتَوزَّع بين الأبَائِية بمنطق هذا ما وجدنا عليه أبائنا،وبين حُظُوظ الجُغرافيا بالوُلود في بُقعة جُغرافية تَدِين بدِين مُعيّن، بل و حتى عند تَحكِيم القَناعة -العقلية أو الوجدانية-في إختيار دين معيّن هو تَحكِيم نِسبي، فهذا تُسلِمه قَناعته إلى الإعتقاد أن الإسلاَم هو الدّين المُطلق، وذاك يَموت مُدافعا عن قَناعة أن المسِيحية هي المُطلق والأصحّ ، و الأخر لن يرى للوجُود قَناعة أصحّ من البوذية…في حِين سَتُصَادِف مَن أَعرَضَ عَن هَؤلاء و سَفَّه أُولَئِك و أَعلَن مَوتَ الإلَه و سَلَّم فِي قَنَاعة أنّ أكبَر وَهم عاشه الإنسَان هُو الدّين و الإيمَان..

هنا المنطِق يَفرضُ عَلينَا أن لا نُكَابِر ونُعرِضَ أن التَّسلِيم بنِسبِيَة قِيمَة الإيمَان..

لكن إعِترافُنا باطلاَقِية قِيمة نَبذِ الظُّلم و نِسبية قيمة الإيمَان ليس مَعناه مَدحاً في الأولى و قَدحاً في الثَّانية فَمنطقياً ليست هذه هي الرّسَالة ، بل مُعالجتنا للموضوع كانت فقط من زَاوية إِطلاَقية القِيمتَين من نِسبِيتِهما، وكل ما فِي الأَمر أنّه يَتَوجَّب على الإنسان إنسَجاماً مع التّعَاريف الفَلسفِية لَه كَكائِن بَاحِث عن الله/الايمان أن يَبحث بِعُمق عن الدّين الذّي يُعَمّق قيمة نَبذ الظُّلم بَين أتبَاعه أكثر من غيره ، عن الدّين الذّي يُعلِي من شَأن قِيمة العَدل أكثر من غيره،عن الدّين الذي يُمعِن في تَوعُّد الظّالمِين الجَبَّارِين، عن الدّين الذّي إلَهُهُ يُحَرّم الظُّلم عن نَفسه قَبل أن يُحَرّمُه على غَيره..