وجهة نظر

السوريون بالمغرب.. أزمة اندماج

على إثر الحرب التي تعيشها سوريا مذ أن هبت رياح الربيع على المنطقة العربية، تحولت سوريا (في ظرف وجيز) إلى مشتل للشتات، مما خلق أزمة متعددة الأبعاد ( سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ونفسية ) لدى الإنسان السوري.

هذا ما سرع من وتيرة الفرار لدى السوريين هربا من الحرب وتبعاته من الخوف والجوع، حيث بلغ عدد السوريين النازحين داخليا في نهاية العام 2013 قرابة 6.5 مليون نازح، وبلغ عدد النازحين خارج البلد قرابة 2.5 مليون نازح سوري، علما أن تقديرات مجمل عدد السوريين الذين فروا إلى خارج البلد هربا من الصراع، يشير إلى أن العدد من الممكن أن يكون أكبر من ذلك بكثير. كما أن معظم النازحين السوريين هم من الأطفال (المنظمة الدولية للهجرة،2013).

إن شتات السوريون وما يطرحه من تحديات الاستقرار والاندماج، سواء على النازحين أنفسهم، أو كذلك على المجتمعات المستقبلة لهم. ويعتبر المغرب أحد الوجهات الرئيسية في شمال إفريقيا للفارين من ويل الحرب، نظرا لما يعيشه من استقرار سياسي وأمني، ورخاء اقتصادي مقارنة مع دول الجوار من جهة، ومن جهة ثانية موقعه الاستراتجي لأوروبا، بكونه أحد أبرز جسور العبور نحوها. هذا المسار الطويل والشاق من أقصى الشرق العربي إلى أقصى غربه هو جزء لا يتجزأ من سيرورة (Processus) البحث عن الاندماج.

وقد شكلت سيرورة اندماج المهاجرين موضوعا سوسيولوجيا بامتياز، بحيث تأسس علم الاجتماع الأمريكي من عمل مدرسة شيكاغو على موضوع الهجرة والاندماج.

هكذا فرضت ظاهرة اللجوء السوري نفسها على الحقل السوسيولوجي، كظاهرة معاصرة مركبة ومتعددة الأبعاد، حيث تتقاطع فيها الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحقوقية والسياسية والأمنية. مما يستدعي الاستيعاب الكلي للظاهرة من لدن المفكر وعالم الاجتماع والأنثربولوجي والحقوقي والسياسي والإعلامي كل من زاوية اهتماماته.

نحن ووعيا منا بأهمية المقاربة السوسيولوجية للموضوع، تناولنا في الدراسة الميدانية التي أجريناها بمدينة أكادير المغربية بداية العام 2015، إشكالية الاندماج الاجتماعي لدى الأسر السورية اللاجئة بالمغرب.

تبين نتائج الدراسة الميدانية التي أجريناها حول سيرورة الاندماج لدى الأسرة السورية اللاجئة بالمغرب (مدينة أكادير نموذجا-2015)، أن اللاجئين السوريين بالمغرب يعانون من أزمة اندماج اجتماعي حقيقية. ويتحدد الاندماج الاجتماعي لدى الأسر السورية، بمجموعة من المقومات والعوامل المساعدة على الاندماج، وكذلك بجملة من المعوقات التي تحول دون ذلك. ونشير إلى أهم الخلاصات المفسرة لإشكالية اندماج هذه الأسر:

* العمل: من بين أكثر من سبعين فردا، لا يعمل سوى 4 أفراد، أي أربعة أسر فقط تملك دخلا قارا، بالتالي لا تلجأ إلى ممارسة التسول. نتائج الدراسة تبين أن العمل مقوم أساسي من مقومات اندماج الأسر اللاجئة، إذ نجد أن الأسر التي تتوفر على عمل يوفر لها مصاريف السكن والملبس والأكل، أقرب إلى الاندماج من غيرها.

* طول مدة الإقامة: الأسر التي لا تقل مدة إقامتها بالمغرب عن ثلاث سنوات، لها دخل قار (عمل)، ولديها رغبة في الاستقرار، وهي في وضع قانوني جيد. تؤكد نتائج البحث الميداني أن الأسر التي مكثت أطول مدة في مدينة أكادير، أقرب إلى الاندماج من غيرها.

* الوضع القانوني: خلصت الدراسة إلى أن الأسر التي في وضع قانوني جيد أكثر اندماجا من التي هي في وضعية غير نظامية. الدراسة الميدانية تؤكد بأن الوضع القانوني الجيد عامل أساس لتعزيز عملية الاندماج.

* حجم الأسرة: كلما كان حجم الأسرة أصغر، كلما زاد احتمال اندماجها. فالأسر التي لا يزيد عدد أفرادها عن 5 أفراد، أقرب إلى الاندماج من الأسر التي يزيد عدد أفرادها عن ذلك، ومن الأسرة الممتدة. وتجدر الإشارة إلى أن الأسر التي لديها نسب أو أقارب بالمغرب تميل إلى الاندماج أكثر من غيرها.

* التسول: تعتبر ممارسة التسول مؤشرا سلبيا يؤثر على اندماج الأفراد والأسر في المجتمع الجديد. تشير نتائج الدراسة إلى أن النساء يمارسن التسول أكثر من الرجال، والصغار أكثر من الكبار.

يشكل العمل، و طول الإقامة، و الوضع القانوني الجيد، العنوان العريض للاندماج الاجتماعي للأفراد والأسر اللاجئة. هذا الثلاثي يشكل جوازا (passeport) للمرور من مرحلة “اللااندماج” إلى مرحلة الاندماج الاجتماعي.

وفي المقابل، يعتبر التسول، وقصر مدة الإقامة، والوضع غير النظامي، معيقات لعملية الاندماج الاجتماعي، مما يؤدي إلى خلق حالة من التباعد الاجتماعي بين الأسر اللاجئة والمجتمع المستقبل.