وجهة نظر

الأستاذ علال الفاسي والمسألة التربوية

1- مواد التعليم

في سياق الحديث عن ضرورة النهوض و تطوير التعليم بالمغرب وكذا في ظل تنزيل مقتضيات التدابير ذات الأولوية  و الرؤية الاستراتجية  للإصلاح 2015-2030 ينبغي نفض الغبار عن تراثنا المحلي و لفت الانتباه لمرجع قوي وهو كتاب “النقد الذاتي”  للكبير علال الفاس  فقد شكل الكتاب  مشروعا إصلاحيا بمرجعية سلفية وخلفية فكرية فقهية، ومن ثمة، فقد شكل رؤية جيل تشبع بذات النفَس السلفي وهو نفَس شكل بالإضافة إلى وضعية الاستعمار ومرحلة النضال من أجل الاستقلال رافدا مكونا من مكونات رؤية في التفكير وزاوية في النظر امتدت لتشمل جميع ميادين الحياة.

ومن بين الانشغالات التي كان لها نصيب وافر في مؤلف النقد الذاتي، المسألة التربوية، فقد بذل الراحل علال الفاسي مجهودا واضحا لمقاربة المسألة التربوية بالمغرب في تلك الفترة، من جوانب متنوعة جدا، منها حديثه عن مواد التعليم.

إن تدريس المواد الدراسية بالمدرسة يجب أن يخضع لأهداف عامة وخاصة. ومن ثمة، يجب أن تكون لكل مادة مدرسة قسط من النفع. ويتمثل مقياس النفع عند علال الفاسي في قوله “ويمكننا أن نعتبر مقياس النفع في منهج ما باعتبار الهدف الذي يرمي إليه من دراسة مادة من المواد، فإذا وجدنا الأسلوب يحقق ذلك الهدف فهو الأسلوب الصحيح النافع، وإلا فيجب البحث عن تعويضه بغيره من الأساليب تبعا لتجاربنا أو تجارب غيرنا”، وهنا الأسلوب يكون بمعنى البيداغوجيا.

ولعل ما يتضح من هذا القول هو تأكيد علال الفاسي على منهجية وطريقة تدريس هذه المواد والأهداف المتوخاة منها؛ حيث يجب أن تنعكس نتائجها على سلوكات الأفراد وأفكارهم. ويضرب علال الفاسي في كتابه “النقد الذاتي” مثالا، يقول: ” فإذا نظرنا لمادة اللغة العربية مثلا، وجدنا الهدف الذي يجب أن ترمي إليه هو ما وضعه رجال الاختصاص العرب والمتمثلة في النقط الآتية:

1ـ أن نجعل الطلاب قادرين على القراءة الصحيحة في سهولة ويسر، وأن يفهموا ما اشتملت عليه الكتب من معان وأفكار.

2ـ وتمكينهم من التعبير عما يجول في نفوسهم ويقع تحت حواسهم بعبارة عربية صحيحة من الدقة وطلاقة اللسان وقوة البيان.

3ـ وأن تكون دراسة العربية وسيلة صحيحة للثقافـة، وتوسيع المدارك وتنمية الذوق السليـم، وتزويد الطالب بكثير من المعلومات القيمة، لا أن تكون محـض دراسـة لألفاظ وتراكيب ومفردات عمادها الزينة والزخـرف الشكلي، وهي في الحقيقـة فارغة لا روح فيها ولا حياة.

4ـ وأن يتصل الطلاب اتصالا وثيقا بالحياة الأدبية والعلمية المحيطة بهم، وأن يسايروا النهوض الأدبي الحديث، لا أن يكونوا بمعزل عما حولهم، فتكون المدرسة في ناحية والحياة الأدبية الواقعية في ناحية أخرى.

5ـ وأن تكون المدرسة مثيرة روح الشوق إلى القراءة والاستزادة من الثقافة والوقوف على ما جاء به الكتاب والمفكرون في العصور المختلفة.                                                      

جلي أن الأهداف المرسومة متداخلة فيما بينها، وأن بعضها يكمل الآخر، كما تتميز بنظرتها الشمولية، لكن التساؤل الذي يبقى مطروحا، هو ما مدى ترجمة هذه الأهداف على الواقع؟             

نجد علال الفاسي في نظرته الإصلاحية الخاصة بالتعليم يؤكد على ضرورة تذوق الآداب العربية، ويؤكد حقيقة مفادها أن الطلبة يتخرجون من المعاهد العليا فضلا عن كونهم معوجي اللسان، لا ينطقون بعربية فصيحة. إذن، إذا كان من أوكلت إليه مهمة تدريس اللغة العربية معوج اللسان، فكيف  سيكون حال تلامذته؟ وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة التكوين المستمر معرفيا و بيداغوجيا و كذا إيلاء مرحلة التكوين ما تستحقه، فإني أرى أن ثلاث سنوات جامعية وسنة للتكوين غير كافية لإنتاج مدرس متقن للغة العربية و أدبها. 

وباعتبار المدرس طرفا فاعلا في العملية التعليمية التعلمية، فإن الإستراتيجية المعتمدة من قبل المدرسين في تعليم المعارف وبناء المفاهيـم، تظل محكومة بتأثرها المباشر بعدد من المتغيرات التي تفصلها جزئيا، أو كليا عن التصورات التي حددت لها، ومن بين أهم هذه المتغيرات نذكر تكوين المدرسين ومستوى تأهيلهم ـ اكتظاظ الفصول الدراسية ـ كثافة البرامج التعليمية” .

إضافة إلى كل ما سبق، فإننا نجد المؤتمر الثقافي الأول للجامعة العربية يؤكد أن أساليب تعليم اللغة العربية محتاجة في الجملة إلى كثير من الإصلاح، مهما كان البرنامج صالحا، لأن قواعد النحو تعلم مجردة من غير عرض أمثلة كثيرة ودون مرانة طويلة، مما يجعل القواعد  في  جانب والحياة اللغوية العملية في جانب” . وهنا تطرح إشكالية كبرى تتعلق بتدريس علوم اللغة.

وفي نظر علال الفاسي، فتدريس اللغة العربية يزداد صعوبة عند تدريس الإنشاء،   فهو_ أي الانشاء_ مثال الأسلوب الضعيف، “لأن موضوعاته في المدارس الثانوية لا تستمد عناصرها من الاقتصاد والاجتماع والأخلاق والثقافة العامة؛ بل هي موضوعات لا عناصر لها إلا الألفاظ، ولا فكرة لها إلا الخيال، كأن المقصود من الإنشاء هو مجرد رصف الألفاظ وتركيب جمل، ولو كانت خوراء لا مدلول لمجموعها ولا غاية لموضوعها”.

يتضح من هذا القول سمو مطامح علال الفاسي، وأنه في حقيقة الأمر يقدم مشروعا في حاجة إلى تحليل. وفي كل ما سبق يؤكد حقيقة مفادها أن مأساة تدريس اللغة العربية تتحدد في “النقص الموجود في الكتب، والضعف الغالب على المعلم من جهة، وفي طبيعة اللغة العربية من جهة أخرى”.   ومثال آخر لمدرسي الرياضيات، حيث نجد أن الأهداف المتوخاة منها مثلا:

1 ـ إتاحة الفرصة للتلاميذ لممارسة طرق التفكير السليمة كالتفكير الاستقرائي والاستنباطي والتأملي.                                                            

2 ـ إكساب التلاميذ مهارات في استخدام أسلوب حل المشكلات.                     

3 ـ تعرف التلميذ على أثر الرياضيات في التطور الحضاري.               

4 ـ إكساب التلاميذ المهارات اللازمة لاستيعاب ما يدرسه، والكشف عن علاقات جديدة.

5 ـ مساعدة التلميذ على تكوين ميول واتجاهات سليمة نحو الرياضيات وعلى تذوقها.   

6 ـ تنمية المهارات الذهنية والابتكارات العلمية. 

نتيجة لأهمية الرياضيات حظيت بقدر من الاهتمام في شتى دول العالم، فنجد الحرص الدؤوب على تطويرها من خلال تصاعد وثيرة الأبحاث والدراسات حول أنسب السبل والطرق لتعليمها، فبعد أن ركزت كتابات القرن الماضي  بشكل أساسي على طريقتي الاستقراء والاستيضاح، نجد أن الحديث قد بدأ في مطلع هذا القرن عن البنائية. وما كل هذا السباق المحموم إلا لكون الرياضيات ـ منذ القدم ـ تسهم بشكل أساسي في التقدم الحضاري للأمم؛ فدراسة الرياضيات تكسب التلميذ مرونة في التفكير لا تعادلها في ذلك مادة أخرى.

إن اختلاف المعارف والعلوم وتعددها هو الذي يعطي الطابع الفكري والعقلي للفرد. أما الهدف من تدريس اللغات الأجنبية فيمكن القول أنها تتمثل في تأهيل المتعلم للتمكن من وسائل التعبير الكتابي والشفهي، ومعرفة الأدب والثقافة وتنمية التفاهم الدولي واكتساب المصطلحات الفنية والعلمية والمهنية، وتنمية القدرة على التحليل والتركيب من خلال الاتصال.

كما تساعد اللغات الأجنبية على فهم المحيط الاجتماعي والثقافي، وتكوين فكر متفتح على الثقافات الأخرى باختلاف تقاليدها وعاداتها، كما تسهم في حب الاطلاع وتيسير التواصل مع الغير، ولا سيما تنمية فكرة التسامح والتقارب بين الشعوب.

ولذلك نجد مجموعة من الدارسين يؤكدون على ضرورة تعليم اللغة الأجنبية في سن مبكرة؛ نظرا لكون الطفل في هذه المرحلة من العمر، أقدر على اكتساب أكثر من لغة دون أن يؤثر ذلك على لغته الأصلية، مع الإشارة إلى وجود معارضي فكرة تعلم الطفل لغة أجنبية في سن مبكرة.

وإذا اعتبرنا المدرسة هي المسؤولة عن هذه الأهداف، بوصفها مجتمعا صغيرا أو مؤسسة اجتماعية تربوية، فنحن نتحدث عن المدرسة بصورة عامة؛ ولا نعني بها أية مدرسة ولا أي مجتمع، فإضافة إلى الأهداف السابقة ذكرها يمكن تلخيص وظائف المدرسة في الحفاظية والإعلام والتكوين والتطبيع الاجتماعي.

وهكذا يتجلى بوضوح ضرورة تسطير الأهداف الخاصة بكل مادة على حدة، مع ضرورة وجود زاوية نظر تجمع مختلف هذه المواد. لكن الشيء الذي يبقى ضروريا كذلك، هو ضرورة إيجاد استراتيجية كفيلة لتحقيق هذه الأهداف.