وجهة نظر

معركة الخدمة الإجبارية.. نموذج جديد لتمثيل الطالب

استطاع طلبة الطب وبعد أكثر من ستين يوما من الإضراب أن يحققوا ما كانوا يصبون إليه عبر وقفات ومقاطعات، أدت إلى التفات الرأي العام إليهم، البعض تعاطف معهم والآخر سخر منهم و آخرون شتموهم.

لكن ما يجب الالتفات إليه وهو هذه التجربة الجديدة من نوعها للدفاع عن مطالب وحقوق فئة كانت إلى وقت قريب تلقب ب”الكزارة” وينظر لها على أنها فئة البورجوازية وأصحاب المال مثلها مثل طلبة باقي المعاهد العليا، ولكن جاءت اللحظة التي كسر فيها أطباء المستقبل هذه النظرة و رفعوا فيها “لا” أمام الوزير الوردي و قاطعوا الدخول الجامعي بنسبة نجاح وصلت لمئة في المئة، وليس هذا فقط بل كونوا تنسيقيات محلية وأخرى وطنية مثلت جميع طلبة الطب في الكليات السبع بالمغرب، وأصبحت الممثل الشرعي لهم أمام السلطات والوزراء اختاروها وأعطوها الضوء الأخضر للتحاور مع الوزرة باسمهم.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة و يحتاج لإجابات، الزمن هو الكفيل بالإجابة عليها، هل هي بداية الطريق نحو بناء جسم طلابي قوي يدافع ويناضل على الطالب و يتكلم بإسمه؟ وهل نحن أمام مرحلة جديدة تفتح الطريق للطلبة أن ينتخبوا ويختاروا ممثليهم بأنفسهم بعدما افتقدنا منذ زمن طويل من يمثلنا و يحرص على مصالحنا.

إن الجامعة المغربية ومنذ عقود وهي تعاني من مشاكل عديدة لا يجد الطالب داخلها مكان ليسمع صوته وليتحدث عن مشاكله، إلا بعض المجموعات الفصائلية والتي لا تحمل أي مشروعية قانونية أو مشروعية ديمقراطية تمثل الطلبة وتعطيهم فرصتهم للتعبير عن حقوقهم. و كلها ( أي هذه الفصاءل ) تدعي نفسها ممثلة للطلبة تحت ما يسمى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، هذا الاتحاد الذي له تاريخ طويل لا يسع الوقت لتفصيله كيف أنشئ وكيف كان يعمل وما مصيره الآن.

لقد اعتاد الطالب البسيط في الجامعة أن يمر على الحلقيات التقريرية والمسيرات الاحتجاجية على أمر من أمور جامعته  دون أن تكون له الفرصة ليقول رأيه أو يعبر عن رفضه أو قبوله  بما يقع وهو ينظر لفصائل طلابية تتناحر فيما بينها أو تنفذ أجندة ايديولوجية دون أي اهتمام للمصالح الحقيقية للطالب وحقوقه الحقيقية وليست المزيفة وهاهو الآن في كلية الطب يفتخر أنه جزء من القرار وأن صوته مهم،  فالتعليم الجامعي يعاني ويلات و ويلات مما يقع داخل الحرم الجامعي يكون الطالب هو الضحية بين فصائل تفرض قوتها لنشر قناعات وايديولوجيات لن تنفع الطالب لا في تحسين شروط التعليم ولا في تحسين مستواه.

إن السر الذي مكن طلبة الطب من الانتصار في معركتهم  ومعهم تنسيقيتهم أنها ابتعدت ورمت بإيديولوجيات الكل في المزبلة واجتمعت على طاولة واحدة و بغاية واحدة رغم الضغوطات التي مورست عليها والاختراقات التي حاول البعض القيام بها ل”الركوب على المعركة”.

لقد أبان الطلبة الأطباء عن روح كبيرة في تنظيم أنفسهم وإعطاء المثل الأعلى في إيصال صوتهم بسلمية واستقلالية كبيرتين دون أي انقسامات أو تشققات داخلية رغم أن انتماءاتهم واهتماماتهم مختلفة لكن الدفاع عن الطالب همهم الواحد.

فهل يبدأ الطلبة تكوين مجالس في كلياتهم ومعاهدهم ينتخبونهم ليكونوا لهم ممثلين بعيدا عن هذه الفصائل الإيديولوجية وبعيدا عن السياسة وتياراتها؟ رغم أنني أعلم الفرق الشاسع بين الجامعات و المعاهد العليا وأنه من الصعب تنزيل مثل هذه النماذج داخلها.

إن هذا النموذج في فتح المعارك وإغلاقها أعطى ثمار لم يكن ليعطيها لو نحى منحى آخر في الاحتجاجات العشوائية أو القرارات الفردية من طرف الطلبة، أو النزاعات السياسية ولكنه أخذ على عاتقه دمقرطة العملية النضالية من جموع عامة واتخاذ القرارات بالتصويت عليها ناهيك عن التضامن منقطع النظير من أولياء وآباء الطلبة واللقاءات التلفزيونية وتسليط الضوء علي القضية من طرف الإعلام واستقلالية التنسيقية الوطنية عن أي طرف سياسي … ما جعل الديمقراطية الطلابية تتغلب على الإرادة السياسية.