منتدى العمق

الإعجاز العلمي في القرآن بين الوهم والحقيقة

عاد اللّغط مجدّدا حول موضوع “الاعجاز العلمي في القرآن الكريم” بعد استضافة المصري المسمّى “زغلول النجار” ليحاضر في مجموعة من المدن المغربية في الموضوع،الاعجاز العلمي في القرآن الكريم موضوع ذو شجون ، سال فيه الكثير من الحبر بين مؤيد ومعارضلوقوعه، غير أن هناك من أراد ان يجعل من التنزيل العزيز كتابا في الجيولوجيا، أو سِفرا في البيولوجيا والفلكيات وفيزياء الكم على نحو ما يفعل الأستاذ علي الكيلاني مثلا في تفسيراته وتأويلاته “الرقمية الفيزيائية ” التي فيها الكثير من الايغال ، وهناك من حاول تقويض آيات كثيرة لاستخراج النظمات والاحتمالات الرياضية والقانون الثاني من التيرموديناميك وغيره ..

صحيح أن القرآن الكريم اشتمل على إشارات علمية، اقول اشارات وتلميحات وفق أسلوب إشاري معروف، لكن ذلك لا يخول لأحد جعل القرآن ” أطروحة ” في تخصصات وتفرعات علمية نسقية بعينها .. إنّ الذي هوّل الموضوع وأعطاهُ هذا الزخم وهذه التحليلات الكثيفة – بيت القصيد – هو “عقدة النقص” عند المسلمين في تقديرنا، كمحاولة بئيسة منهم لتغطية كسلهم الفكري، وفشلهم في العلوم الدنيوية (التبرير بمنطق فرويد)، وتأخرهم في الحضارة الانسانية الذكية بعبارة المصري محمد الغزالي ( المتوفى 96 وليس ابي حامد الغزالي الفيلسوف ) ، ولاسيما التخلف التقني المخبري الامبريقي ، إن المعروف أن القرآن كتاب هداية ، انزله الله لاشفاء أمراض الصدور وعللها وهداية الناس إلى سواء السبيل ، وهذا بتنصيص القرآن نفسه، وليس كتابا في النظريات العلمية أو تنظيرا في السياسة والابستمولوجيا وعلم الذرة ، إن هذه العقدة هي التي جعلتنا نجد “انتاجات فكرية” غاية في التهافت والارتباك ، تحمل عناوين سخيفة لا تكرس إلا هذه العقدة وهذه الأزمة ” القران الكريم يسبق الى اختراع الهاتف ” ( كذا ) ! تصوروا هذا كتاب يباع في الاسواق ويشترى ..

إذا كان أهل الاسلام يؤمنون أن القرآن فيه اعجاز علمي فلماذا لم يهتد عالم مسلم واحد منذ14 قرنا الى اكتشاف علمي واحد انطلاقا من التنزيل ؟.. ماذا عن المسلمين في القرون الاولى الذين آمنوا دون ان يدخلوا في هذا الجدل العقيم ؟ هل ايمانهم ناقص بالمقارنة مع من عاصر النظريات العلمية الحديثة ،وحاول تفسير التنزيل على ضوء العلم ومستجدات الفلكيات الحديثة ؟ لماذا يتهافت المسلون دائما حول الآخر ، وما يقول هذا الآخر وما ينتج حتى في نظرتهم الى ذاتهم وأناهم الحضارية، هل هو تقليد المغلوب للغالب الذي تحدث عنه فيلسوف التاريخ ابن خلدون ؟، ما معنى أن تكفر هذا الآخر و”تشيطنه” وتعاديه وتزندقه ، بل تعتبره عدوك ونقيضك الابدي، ومع ذلك لا تتوانى في الاقتباس منه للتدليل على ماذا ؟ على صحة عقيدتك، يا للهول ..!

ثم اليس من سمات العلم النسبية ، اذ لا حقيقة مطلقة ثابتة في العلم، فحقيقة اليوم قد “يضحك” عليها العلم غدا ، فالعلم سيرورة وخطأ مصحح كما عرفه غاستونباشلار ، في المقابل أليس الخطاب القرآني كما يرى اصحابه خطاب مطلق لا يتطرق اليه نقص ولا يعتري تشريعاته خلل، فكيف تستدل بماهو نسبي متحرك متغير لتدلل على صحة المطلق والثابت ؟