مجتمع

رضوان: الصحافة أوقعتني في شباك عشقها .. ولن أنصح أبنائي باقترافها

نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم. يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون “في عمق” المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولا وعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان.

التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح.

الحلقة الثانية مع صحافي شاب، هو ابن مدينة خريبكة أنس رضوان مراسل قناة “فرانس 24” عربية بالمغرب.

ما الذي تتذكره عن طفولتك؟

أتذكر طفلا شب بين أحضان أسرة بسيطة جدا.. أتذكر والدا صلب البنية، صبور الفؤاد، أفنى شبابه في الأقاليم الجنوبية مُدافعا عن وحدة هذا الوطن، ومُعرضا حياته للخطر، حتى يُوفر للجميع الأمن والاستقرار، ويعود لأطفاله بلقمة تسد رمقهم وتُغطي تكاليف حياتهم..

أتذكر أيضا، ولن تنمحي من ذاكرتي صورة أم أطفأت نور عينيها بين خُيوط وأثواب، تُجاهد رفقة السيد الوالد لرعايتي وإخوتي، وأيضا السهر على تنشئتهم على أسس القناعة والأخلاق الحسنة..

خُلاصة القول هي دين كبير على عاتقي أدين به لوالداي، لما تكبداه طيلة سنوات من عناء وشقاء لتدريسي وتربيتي إلى جانب إخوتي الثمانية.

كيف جاء التحاقك بالصحافة؟

إلتحاقي بالصحافة لم يكن سهلا، خُصوصا أنني كُنت أقيم بواحدة من المُدن “الهامشية”، وهي مدينة خريبكة، مما اضطرني للانتقال إلى العاصمة الرباط، وهُنا بدأ نوع جديد من المُعاناة.

في البداية التحقت بصديقين لي كانا يتقاسمان غرفة هامشية بالحي الجامعي السويسي، مع القطط، وهي الفترة التي ولجت فيها جريدة التجديد، وكانت البداية من هُناك، قبل أن أخوض مجموعة من التجارب الأخرى مثل الموقع الإخباري “صوت بلادي”، الذي لم يُكتب له الاستمرار، وهو المشروع الذي كُنت وأحد الزملاء نعيش في مقره، إذ نشتغل طيلة اليوم، وفي الليل نفرش ما تيسر من الجرائد وبعض البطانيات بالقرب من مكاتبنا، ثم بعدها تنقلت بين منازل بعض الأصدقاء الذين أخصهم بشكر كبير، وعلى رأسهم الصديق العزيز محمد الغيساني الذي قدم لي الكثير..

استمرت هذه المعاناة إلى أن أُطلقت جريدة “الأخبار”، فالتحقت بطاقمها، وحينها بدأت الأمور تتحسن شيئا فشيئا، ثم تعددت التجارب إلى أن التحقت بجريدة “أخبار اليوم” وبعدها قناة “فرانس24” عربية، وها نحن نتعلم يوما عن أخيه من الزملاء ونستفيد من تجاربهم.

هل كنت تتوقع يوما أن تصير صحافيا؟

أتذكر حينما نُشرت لي أول قصاصة موقعة باسمي لم تكد الأرض تسع فرحتي، فلم أكن يوما أظن أنني سأكون صحافيا ويقرأ الناس لي ما أكتب أو ما أعده من ريبورتاجات، ولم أكن أظن يوما أن ما أشتغل عليه قد يحدث تأثيرا أو تغييرا.

طيلة طفولتي كُنت طفلا بسيطا في أسرة شديدة البساطة، وكانت أحلامي أقل بكثير من مجرد الحُصول على بعض الأساسيات، أو على الأقل أن أحصل على دروس خُصوصية مثل أقراني، وهو الأمر الذي كان حينها ترفا لا يتمتع به إلا أبناء الأغنياء.

حينما كُنت في سنوات الابتدائي، تزامن ذلك مع صدور جريدة الأحداث المغربية، كُنت أطلع عليها بين الفينة والأخرى، أكيد أطالع أعدادا قديمة (ضاحكا) لأن شراء جريدة لمن هو في وضعيتي يعد ترفا ما بعده ترف، لأنه هُناك مصاريف أهم.

على أي، كُنت مبهورا بما يكتبه الزملاء الذين سبقوني في التجارب الإعلامية أخص بالذكر جريدة “المساء”، كما كُنت مولعا بتقارير الصديقين محمد البقالي وعبد الحق السحاسح على قناة الجزيرة..

لم أكن أتصور يوما أنني سأصبح واحدا من أبناء صاحبة الجلالة، لكنها جلبتني جلبا إلى محرابها، وأوقعتني في شباك عشقها..

ألا تشعر بالندم أنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟

أحيانا نعم، فأنت تعلم الوضع الذي تعيشه المهنة في بلادنا، لكن ما باليد حيلة “البلية وما دير”، وبكل صراحة سأنصح أبنائي بسلك طريق غير طريقي.

ألا تظن أن دور الصحفي ليس هو دور الكاتب؟

من رأيي أن لكُل مكانه ولكل دوره، فالصحافي دوره نقل الخبر وكشف الحقائق وتعرية الاختلالات ومُتابعة ما يقوم به السياسي من إدارة للشأن العام، في حين أن الكاتب يؤطر الأفكار وينُاقشها.

من جهة ثانية يجب على الصحافي والكاتب، يجب أن يتخندقا جميعا في صف الدفاع عن المواطن المقهور المكلوم الذي يئن في صمت.

هل تفضل أن يصفك الناس صحافيا أم كاتبا؟

مهنتي صحافي، لكن أفضل أن أكون إنسانا يتقاسم مع معهم نفس الهموم والمشاكل، وأدافع معهم عن قيم الحرية المسؤولة والحُقوق المشتركة.

هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟

في إطار اشتغالي أكتب بشكل مُستمر، لكن بالموازاة هُناك الكثير من الأمور أكتبها وأحتفظ بها لنفسي أو لزمن قد يأتي، وربما قد تظل حبيسة الرفوف..

ماذا تكتب بالضبط؟

هي خربشات لا هوامش لنشرها اليوم، رؤية للأحداث من زاوية أخرى، رُبما لازالت نظرة أنس الطفل الذي يرى العالم من القاع المُزدحم جدا مُسيطرة علي..

بعيدا عن الصحافة، ما هي اهتماماتك في السياسة والثقافة والرياضة والمجتمع؟

بعيدا عن هذه المهنة العجيبة التي تتملك كُل أوقاتنا، أعشق الموسيقى بشكل كبير، خُصوصا الموسيقى الكلاسيكية سواء العربية أو الغربية، وأهيم في حب الأغاني المغربية القديمة، كما أن للموسيقى والشعر الصوفي مكانة خاصة لدي، بالإضافة إلى اهتمامي بالرواية والأدب.

ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟

أميل بشكل كبير إلى مدينة إفران لهدوئها وقلة الحركة فيها، لكن أتمنى أن أقضي أرذل العُمر وعُتيه بين الأرياف بعيدا عن المدن وضوضائها.

كيف عشت أجواء رمضان خلال الطفولة وبعدها؟

كان لرمضان طعم خاص في الطفولة، في حضن السيدة الوالدة حفظها الله، وفي ظل الوالد رزقه الله شفاءً عاجلا، وبين إخوة وأخوات اشتعلت رؤوس أغلبهم شيبا..

تغيرت الأمور كثيرا، ولم يعد لأجواء هذا الشهر نفس الطعم، خُصوصا حينما تقضيه لسنوات مُتتالية وحيدا بين أربعة جُدران بعيدا عن الأهل والأحباب، لكن على الأقل هُناك نسائم من الماضي تطوف بيننا.

ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟

الحرية: حُلم بَحت حناجرنا طلبا له، وحبيب غاب ولم يرجع إلينا سوى ريحه.

الوطن: حُب من طرف واحد.

الحب: الأمان الذي تُحس به بين أحضان والدتك.

ما رأيك في هؤلاء؟

المهدي المنجرة: موسوعة معرفية خسرها الوطن.

عبد الله العروي: مفكر صامت، أتمنى أن أتعلم بين يديه.

الزفزافي: شخصية قيادية، لكن مُندفعة كثيرا.

تعليقات الزوار

  • كريم الرويضي
    منذ 7 سنوات

    صحافي أشهد له بالنزاهة والاستقلالية