سياسة

قصص من البرلمان -5-: الفايسبوك ونقط النظام كما يفهمها أفرياط

نبذة عن الكاتب

محمد مستعد، محلل سياسي. مقدم سابق لبرنامجي “مجلة البرلمان” و”فاعلون” في القناة الثانية، ولبرامج في إذاعة ميدي 1. عمل في عدة صحف وطنية، ومراسلا لوكالة الأنباء الأمريكية في المغرب “أسوشيتد بريس” AP.

مترجم كتب حول التاريخ السياسي المغربي وتاريخ الجمعيات مثل: سيرة “جمال .. من الهجرة إلى التنمية” لمؤلفه “إيف بورون” الصادر عن منشورات “جمعية الهجرة والتنمية” في 2017. و”حكاية آن ماه” (سيرة جنرال مغربي في حرب الفيتنام) لمؤلفه عبد الله ساعف عن منشورات “دفاتر سياسية” في 2007، عن مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية. وهو عضو مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية. جامعة محمد الخامس.

تقديم

هذه قصص وحكايات من يوميات عن البرلمان سجلتها على مدى سنوات في إطار مشروع للتأريخ لهاته المؤسسة الأساسية لأي بناء ديمقراطي وذلك من خلال متابعتي لها كمقدم لبرنامج “مجلة البرلمان” بالقناة الثانية وكمهتم ومولع بالشأن السياسي. سجلت، بأقصى ما يمكن من الدقة، في فترة كانت أبواب البرلمان ولجنه عموما، مفتوحة نسبيا أمام الصحافة، قبل أن تصبح مغلقة نسبيا في عصر التواصل والأنترنيت وذلك رغم الإرادات الحسنة لعدد من موظفيها وسياسييها.

القصص الواردة هنا جزء من كتاب عن البرلمان في طور النشر، وهي تحكي، أساسا، مشاهد ولحظات من الضحك والدعابة السياسية المعبرة التي شهدتها قاعات وردهات البرلمان.

الإنسان حيوان ضاحك مثلما هو حيوان سياسي، وإن كان الضحك يظل محاطا بعدة محرمات في السياق المغربي. ليست هناك دعابة مجانية وخاصة في السياسة. فالضحك، حسب رولان بارت، يخفي دائما رغبة في إقصاء الآخر، وهو أسلوب في الصراع السياسي، وإبراز الأنا.

الحلقة الخامسة: الفايسبوك ونقط النظام كما يفهمها البرلماني عبد المالك أفرياط

كان المستشار البرلماني عبد المالك أفرياط يمثل نقابة الفدرالية الديمقراطية للشغل المقربة من حزب الاتحاد الاشتراكي، وكان من أكثر البرلمانيين حبا للضحك وللنكت، بحيث تجده دائما يقف في جنبات وباحات مجلس المستشارين وسط البرلمانيين وحتى الموظفين يحكي لهم، بلهجته البيضاوية المميزة وصوته المرتفع، النكت والحكايات التي لا تنتهي عن السياسة والسياسيين وعن مواضيع أخرى. وكان لا يتردد من التهكم أحيانا من بعض البرلمانيين المقربين من السلطة بالتلميح وبدون تسميتهم فيقول عنهم: “مضروبة ليهم الشوكة”. (أي أنهم حصلوا على حقنة خاصة من السلطة).

كان أفرياط حاضرا في اجتماع للجنة العدل يوم 23 فبراير 2011. فرفع أصبعه طلبا للكلمة من رئيس الجلسة فسأله الرئيس: “هل تريد إلقاء كلمة أم لديك نقطة نظام؟”
فأجاب أفرياط، بجدية وبابتسامة، بالجواب التالي: “لقد أصبحت كلمة نقطة نظام متجاوزة. واليوم أصحاب الفايسبوك هم من صاروا يفرضون نقط النظام”. ومعروف أن نقطة النظام تعني الحديث حول موضوع يتعلق بسير الجلسة لكن ما قصده المستشار هو إشارة إلى المظاهرات التي كان يشهدها المغرب تزامنا مع مظاهرات الربيع العربي والتي لعب فيها الفايسبوك وغيره من وسائل التواصل الإجتماعي دورا كبيرا وحاسما.

خلفت قولته بعض الإبتسامات والهمهمات وسط المستشارين الحاضرين ثم تواصل النقاش في موضوع آخر. ولم يكن لجدول أعمال الجلسة أي علاقة بالفايسبوك أو بالربيع العربي، ولكنه كان يهم تعديل أحد مقتضيات النظام الداخلي للمجلس. قال أفرياط جملته تلك ثم دخل إلى صلب الموضوع.

هل كانت قولة أفرياط وخفة دمه ذات الدلالات عفوية أم كان مخططا لها في إطار خرجات لتخفيف الضغط على النظام واستمرار مجلس المستشارين في لعب دوره في التأطير السياسي خاصة وأنه واصل العمل ولم يتم حله عكس ما حصل مع مجلس النواب الذي تم حله وتم تنظيم انتخابات سابقة لأوانها في 2011؟ أم أنها كانت إحدى مظاهر تحرر الكلام واللسان لدى السياسيين عموما، وصورة للتفاعل مع ما كان يعرفه الشارع المغربي والعربي كثمرة من ثمار حركة 20 فبراير؟.