مجتمع

مدياني: عشت الجوع لشهرين .. وحلمي كان امتهان المحاماة

نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم. يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون “في عمق” المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولا وعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان.

التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح.

في الحلقة الـ 18 ضمن هذه السلسلة، نستضيف الصحفي أحمد مدياني سكرتير التحرير بموقع “اليوم 24”.

ما الذي تتذكره من طفولتك؟

من بين أهم اللحظات التي أتذكرها في طفولتي وطبعت ذكرى وشمت بل وأثرت بشكل كبير على حياتي منذ مدة وإلى اليوم، شهران من الجوع عشناها داخل المنزل بسبب إضراب عمال شركة السكر “كوسومار” التي كان يعمل بها الوالد وكان نقابياً حينها، وكان كل ما طال اعتصام العمال داخل المعمل طالت معاناة أسرهم وكنا منهم، وعندما أقول الجوع فأنا أعنيه بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حتى أني أتذكر يوماً خالي إدريس وهو يحمل إلينا علبة كارتون صغيرة، حصيلة مساهمات العائلة لضمان تزويد البيت بالمؤونة، وكنا حينها 5 إخوة، أنا وأربع أخوات.

خلال هذا الاعتصام، سمعنا يوما ونحن صغار أن الشركة قررت إعادة العمل بتشغيل عمال مؤقتين وسوف يلتحقون غدا بالمصنع، وكانت هذه الأحاديث تدور داخل البيوت، وكنا في حي التشارك بالدار البيضاء في مكان معروف بأن أغلب قاطنيه من عمال “كوسومار”، لذلك كانت أي معلومة تنتشر بسرعة، المهم بعد سمعنا الخبر، اختارت أمهاتنا الانتقال صباح اليوم الموالي إلى باب المعمل ومنع العمال المؤقتين من دخول المعمل، وفي غفلة منهم، اجتمعنا نحن عدد من الأطفال واحد منهم وهو يوسف زوج أختي اليوم، وقررنا أن تكون مهمتنا من بعيد استهداف هؤلاء العمال المؤقتين بـ”الجباد” الملقب “بـ”البي” والحجارة.

ومن بين المشاهد التي كانت تؤلم كان معنا في نفس العمارة نقابي آخر شقيقه ممثل مغربي مشهور لكنه كان مواليا للإدارة، طيلة فترة الاعتصام كانت تصل بيته كل ثلاثة أيام سيارة رباعية الدفع محملة بالمؤن والهدايا ونحن نتابع المشهد الذي كان يبدو فعلا مستفزا لعائلات العمال المعتصمين، لكن ما إن نجح اضراب هؤلاء، أول ما قام به النقابي المذكور بعد ذلك، هو بيع شقته في العمارة والانتقال للعيش في مكان آخر.

أتذكر كذلك من الصغر قصص جدي عن سنوات المقاومة وحكايته مع قريبه الشهيد محمد الزرقطوني. جدي من أمي كان شديد اللهجة في حديثه. وكانت تربيته وكأنك داخل ثكنة عسكرية وقصصه عن المقاومة ونضال المغاربة وما عانوه بعد خروج المستعمر الفرنسي شكلت جزء من شخصية أحمد مدياني اليوم.

كيف جاء التحاقك بالصحافة؟

الالتحاق بالصحافة جاء بداية عبر العمل مع موقع “كود.ما” ومن منحني الفرصة الأولى هو الزميل أحمد نجيم، الذي لن أنسى فضله ولطفه وعدد من الأشياء الرائعة فيه والتي لا يمكن لمسها إلا بالعيش بالقرب منه يومياً. كانت بداية التجربة متواضعة جدا، لكن عقدت العزم على اقتحام المهنة وتعلمها وإن لم أدرسها، ثم انتقلت للعمل في موقع “فبراير.كوم” لفترة قصيرة، ثم بعدها جاء التحول الكبير في المسار، بعد اتصال من الزميل والصديق مصطفى ابن الراضي، الذي كان حينها مدير نشر مجلة “مغرب اليوم”، والتحقت أول الأمر متعاوناً معهم، لكن بعد تحقيق كتبته عن المناجم السرية في المغرب أقنع صاحب المؤسسة بأن ألتحق بهيئة التحرير، ومع المجلة فزت بالجائزة الوطنية لصحافة التحقيق ثم جائزة الصحافة العربية، لأنتقل بعد ذلك للعمل مع يومية “أخبار اليوم” التي كنت بالفعل خائفاً من خوض هذه التجربة وسط هيئة تحريرها نظراً لما يصل عن رئيسها المختار العماري المتشدد في المعايير المهنية وفي عدم تمرير أي شيء.

التجربة كانت امتحانا حقيقياً، وبعد أسبوع كنت فرحاً بأول مقال ينشر لي في الصفحة الأولى بل وكمادة رئيسية، ومع رئيس تحرير “أخبار اليوم” تعلمت أشياء كثيرة وصقلت كما يقال، خاصة في ما يتعلق بالتحرير وضبط معاييره، لأنتقل بعد فترة قصيرة وتجربة دامت 6 أشهر ونيف للعمل في الصحافة الدولية، مسار دام قرابة ثلاث سنوات، بدأته مع جريدة موقع “العربي الجديد” مراسلاً ثم محررا ثم نائبا لرئيسة قسم ثم محررا شاملا ثم كلفت في نهاية العام 2015 برئاسة القسم المغاربي.

حاليا أعمل سكرتير تحرير بموقع “اليوم 24″، ومازالت الأهداف التي سطرتها أقاتل لتحقيقها وإثبات الذات بخوض الامتحانات واقتحامها دون خوف، وأخيراً توجت بجائزة أحسن تحقيق صحافي للعام 2017 من معهد التنوع الإعلامي البريطاني، كما وصلت من بين آلاف الترشيحات إلى القائمة النهائية التي ضمت 72 صحافي من جميع دول العالم لنيل جائزة التميز الصحافي في قضايا الهجرة. التجربة بدأت متواضعة وهي كذلك إلى اليوم، لأن مهنة الصحافة درس يوم يجب أن تحضره للتعلم وتتطور أكبر.

بعيدا عن الصحافة، ما هي اهتماماتك في السياسة والثقافة والرياضة؟

سياسيا كنت أنتمي لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وقدت قطاعه الطلابي لسنتين لكن منذ مدة لم أعد ناشطاً فاعلا سياسياً. في المجتمع أنشط وأساهم من حين إلى آخر مع الرفاق في جمعية التنمية للطفولة والشباب (ADEJ) التي تربيت داخلها ولها فضل كثير على ما أنا عليه اليوم من تكوين. الرياضة مع مهنة الصحافة ترف صراحة لا أجد لوقت لمزاولتها ومن حين لآخر أمارس رياضة العقل بلعب الشطرنج مع أصدقاء أو ألعبه عبر تطبيقات خاصة به. في الثقافة أنا قارئ نهم للرواية.

ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟

أقرب مدينة إلى قلبي لا بل أصفها بـ”المدينة المقدسة” هي إيموزار لكندر نواحي فاس، بوابة الأطلس المتوسط، هناك حيث قضيت صيف طفولتي منذ العام 1995 داخل مخيم شركة الوالد، وعدت إلى زيارتها عام 2010 لكن من موقع مؤطر للأطفال داخل المخيم، عندي ارتباط لا يمكن وصفه بهذه المدينة.

ألا تشعر بالندم أنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟

كنت أتوقع أن أكون محامياً ولكن لظرف خاص جداً لم أكمل الدراسة الجامعية وأنتظر أن يزول الظرف الخاص إلى اليوم لأكملها لكن في اتجاه متابعتها في مجال الصحافة، قد تغضب أحيانا من هذه المهنة ولكن من يمارسها ويعشقها، ويتعامل مع يوميتها كدرس مفتوح كما قلت سابقا ولا يتخذها لكسب قوت اليوم من هوامشها بالعيش على الفتات، أكيد سوف تمنحه أكثر من ما يمنحها.

ألا تظن أن دور الصحفي ليس هو دور الكاتب؟

الصحافي دوره نقل الخبر أو المعلومة دوره أن يكون حارس تطبيق القانون واحترامه، دوره المراقبة مع نشر ما يحصل عليه من معلومات تهم التجاوزات كيف ما كان شكلها ولونها وكيف ما كانت رائحتها. دوره أخذ مسافة من الجميع لكن هذا لا يمنعه من أن يكون له رأي سياسي في حياته الخاصة بعيداً عن إسقاطها حين يكون يحرر الخبر ويحقق في ملف أو يصيغ تقريراً. ما من مرة واجهتني ظروف وحوادث يحاول فيها البعض استغلال الشخصي أو الانتماء معهم إلى نفس دائرة القناعات السياسية أو حتى الشخصية لكن أضع مسافة كبيرة مع كل هذا وهناك عدد من الأصدقاء سوف يقرؤون ما ورد هنا ويعرفون أنه يعنيهم لأنه وقعت لي قصة معهم بخصوصه يوما.

هل تفضل أن يصفك الناس صحافيا أم كاتبا؟

أنا صحافي نقطة إلى السطر، لأمارس المهنة بمهنية.

هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟

حاولت أن أكتب ما أسميه “محاولة” كل يوم ثلاثاء، لكن مسؤولية النشر خاصة في الإلكتروني والتتبع والإشراف على أشياء كثيرة 6 أيام في الأسبوع وأحيانا حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي واقع مرهق ويفقدك في أحيان كثيرة الرغبة في الكتابة. لكن هذا لا يعني أنه لا أكتب أصلا مهمتي قد تصل إلى إعادة تحرير مقال من ألفه إلى يائه وفي أحيان كثيرة أكتب مقالات دون أن أوقعها الأكيد أنها إخبارية فقط.

كيف عشت أجواء رمضان خلال الطفولة وبعدها؟

أجواء رمضان عندي عادية كما هي باقي شهور السنة الميلادية منها والهجرية. خلال الطفول اختلفت نعم عن اليوم، لكن منذ سنوات رمضان مثل أبريل مثل ربيع الأول.

رأيك في هؤلاء؟

المساري: رجل رفض تمثيل دور الوزير وخرج بشرف

اليوسفي: قائد محاولة الانتقال وعلبة الأسرار الصامت

الجابري: هرم فكري مغربي كسر سطوة الشرق على تثقيف المغاربة