منتدى العمق

عرض وتقديم لكتاب “اتحادية أيت عطا من النشأة إلى معركة بوغافر”

في طبعته الأولى، صدر للكاتب المغربي زايد ابليهي ، كتاب تحت عنوان ” اتحادية أيت عطا من النشأة إلى معركة بوغافر” ، كتاب تاريخي ثري جميل الإخراج والتركيب، يتناول بعمق وتحليل اتحادية أيت عطا في علاقتها بالتاريخ العام للمغرf.

ويتوزع مضمونه عبر ثلاثة فصول، الأول عن أصول قبائل أيت عطا، وأسباب قيام اتحاديتها، وفيه نقف على معطيات تتعلق بتعريف قبائل أيت عطا ـ الدوافع الكامنة وراء قيام اتحادية أيت عطا ـ مظاهر القوة والنفوذ لدى هذه القبائل.

ونقرأ في الفصل الثاني عن أهم مقومات وخصوصيات مجتمع أيت عطا ، وفيه إيضاحات عن الموقع الجغرافي العام لهاته القبائل ، والتضاريس،والمناخ والأنشطة الاقتصادية والحياة الاجتماعية .

أما الفصل الثالث فقد خصص لمواقف الحماية للفرنسية إزاء تصلب مواقف أيت عطا و ردود فعل هذه القبائل أمام الخطط السياسية الفرنسية، إضافة إلى دواعي الهجمة العسكرية الفرنسية على مقاوميها.

فصول الكتاب ثرية بالمعلومات والتحليلات اعتمادا على البحث والمقارنة والتدقيق واعتمادا على مصادر قيمة بالعربية والفرنسية ،علاوة على رواة عاشوا أحداثا لها علاقة بموضوع الكتاب.

وقد تصدر هذه الفصول مدخل عام ورَد فيه كون الرغبة في استنتاج خلاصات وحقائق تاريخية ذات الصلة باتحادية قبائل أيت عطا دفع بالكاتب لتسليط الضوء على تاريخ هذه الاتحادية في علاقته بالأحداث التاريخية الكبرى التي عرفها المغرب منذ نشأة نواتها الأولى في خضم الاضطرابات الكبرى التي عصفت بأواخر الوطاسيين عند مطلع القرن 16 ، وتمخض عنها عودة الأسر العربية الشريفة إلى حكم بلاد المغرب الأقصى ، وغاية الكاتب في ذلك محاولة إبراز دور قبائل أيت عطا في تلك الأحداث التي شكلت مَواطِن ساحة ظهور تلك الأسر على مسرح الأحداث السياسية بالبلاد ، كما حاول مقاربة إشكالية الصراع الذي ميز علاقة هذه القبائل بالمخزن منذ ذلك التاريخ الى غاية تولي سلطات الحماية الفرنسية ـ الاسبانية حكم البلاد في مطلع القرن20م.

وقد حاول الكاتب الكشف عن ماهية هذه القبائل بالرجوع إلى أصل تكوين النواة الأولى لاتحاديتها والدوافع التي كانت وراء ذلك الوقوف على أهم العوامل التي ساعدت نفوذها المادي والمعنوي عبر مراحل من تاريخها. وبموازاة مع ذلك عمل الكاتب على ابراز مدى مساهمة قبائل أيت عطا في صنع عدد من الأحداث التاريخية التي عرفها المغرب منذ المراحل الأولى لتجمعها وظهورها على مسرح الأحداث بالبلاد.

وانطلاقا من ذلك حاول الكاتب الإحاطة بقسط هام من الأحداث التاريخية والتحولات السياسية المواكبة للسياقات الزمكانية لماضي هذه القبائل وذلك بالاعتماد ليس فقط على المصادر المكتوبة الاجنبية والوطنية منها بل وعلى ذخيرة هامة من الروايات والأشعار التي حظيت بتسجيلها في عين المكان من أفواه عدد من المسنين والعارفين بشؤون أيت عطا عموما وكل ذلك بهدف إحقاق الموضوع وإثرائه باعتبار ايت عطا عموما شديدي الحرص على حفظ موروثهم الثقافي والتاريخي في شكل ذاكرة جماعية غنية خلفا عن سلف.

وقد حاول الكاتب توجيه بحثه للإجابة عن أسئلة تستحق الطرح والبحث عن الإجابة عنها ، وهي :
ما أهم الدوافع والأســــــــــــــــــــــــــــــباب التي أدت الى قيام اتحادية أيت عطا؟
كيف استطاعت هذه الاتحادية أن تكسب قوة ونفوذا جعلاها طرفا في اللعبة السياسية خلال مدة هامة من ماضي بلادها؟
الى أي حد استطاعت سلطات الحماية الفرنسية النيل من قوة اتحادية أيت عطا أثناء مواجهتها خلال مطلع القرن العشرين الميلادي؟
في خاتمة الكتاب وانطلاقا من حيثيات كثيرة ، يرى الكاتب وجوب إعادة النظر “في العديد من النعوت المجحفة في حق هذه القبائل التي لم تقترف سوى تمسكها بخصوصياتها المتمثلة في أعرافها وتنظيماتها الخاصة التي ما هي في واقع الأمر إلا جزءا لا يتجزأ من تراثنا الوطني المجسد لهويتنا المتميزة، مبرهنة بذلك عن رفضها القاطع لأي مسعى أو تدخل أجنبي قديمه وحديثه في شؤون بلادها .تلك مواقف والتضحيات التي جعلتها أمام تحديات عديدة عبر تاريخها هي ما جعل منها طرفا بارزا ومساهما كبيرا في صنع أحداث هامة من تاريخ المغرب منذ نهاية العصر الوسيط إلى مطلع القرن العشرين ميلادية ، أي على امتداد عصرنا الحديث المليء بالأحداث التاريخية والتحولات السياسية الكبرى . ويكفي أن نأخذ بعين الاعتبار إسهام هذه القبائل في مقاومة وتأخير امتداد الاحتلال الفرنسي على المغرب لأكثر من عقدين من الزمن و ما أبانت عنه من استماتة وتضحيات في ذلك ، لجعلها تتبوأ صدارة المقاومة الوطنية …ومن شأن هذا الاعتبار إنصاف هذا المكون القبلي المغربي الكبير، وفي ذلك إسهام هام في إحقاق تاريخنا الوطني وإثرائه بمقاربة عدد من إشكالات حاضره بنظرة جديدة وجدية منصفة والتي بدونها نسيء من حيث ندري أو لا ندري إلى التلاحم الوطني ومقوماته”.

في الغلاف الأخير للكتاب نقرأ:
” فلا شك إذن في أن الأحداث التي ميزت تلك الحقبة الزمنية المضطربة تحمل دلالات عن أسباب العداء المتواصل الذي طبع علاقة قبائل أيت عطا بكيان سياسي ولد ونشأ في أحضانها طيلة قرون من الزمن إلى أن خضعت البلاد للحماية في مطلع القرن الــ 20 م.

ولهذا فلا يمكن بأي حال من الأحوال أو تحت أي اعتبار تغييب أو إنكار مواقف قبائل كانت متحكمة في المنطقة مسرح أحداث ذلك الميلاد إزاء التحول السياسي الكبير الذي ميز تاريخ المغرب الحديث والمتمثل في عودة أسرة الشرفاء للتربع على عرش البلاد عند مطلع القرن 16م.”

إن من يتفحص صفحات هذا الكتاب سيقف على جوانب هامة من تاريخ هذه القبائل المرتبط ارتباطا عضيا بالتاريخ العام لبلادها المغرب ، وسيتبين أهم الأسباب والعوامل التي كانت وراء قيام وتقوية اتحاديتها ، واساسا بذور الصراع الذي ميز علاقة ايت عطا عموما بالسلطة المركزية أو المخزن منذ عهد أوائل السعديين غلى أن خضعت البلاد للحماية الفرنسية ـ الإسبانية خلال النصف الاول من القرن 20م.”[انتهى]

الكتاب غني ، وبلغة سلسة في متناول القراء بمختلف مستوياتهم ، وقراءتنا التقديمية لا تغني عن قراءته قراءة متفحصة قصد الوقوف على معلومات نادرة وهامة تتعلق باتحادية قبائل أيت عطا التي كان لها وزن في تاريخ المغرب لما أسدته من جهود وتضحيات من أجل الحرية والاستقلال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
° اتحادية أيت عطا من النشأة إلى معركة بوغافر ـ زايد أبليهي ـ فالية للطباعة والنشر والتوزيع ـ الطبعة الأولى ، أكتوبر 2016م.( التصميم والإخراج الفني عبد الله لعزاز).[تألف الكتاب من 126صفحة من الحجم المتوسط].
°° زايد أبليهي ، من مواليد بومالن دادس ، خريج المعهد العالي للأساتذة بالرباط، باحث في التاريخ.