وجهة نظر

حول حوار عباس الجراري

فوجئت بالردود والانتقادات التي ووجهت بها تصريحات الدكتور عباس الجراري، والتي توقفت بالخصوص عند رؤيته للأحزاب وعلاقتها بحراك الريف، دون باقي النقط التي تناوله حواره مع منبر إعلامي وطني.
فالدكتور عباس الجراري، إحدى العلامات المضيئة المتبقية في المحيط الملكي، وصاحب الرؤى الثاقبة في قراءة الثقافة المغربية، وأحد أساطين الفكر الإسلامي المعاصر، يجب قراءة حواره في شموليته بدل التوقف عند جزئياته، كأكاديمي وباحث وعالم وليس كناطق باسم الديوان الملكي.
وأهم عناصر الحوار في اعتقادي دق ناقوس الخطر بخصوص “استقالة المثقف” التي بدأنا نعيش مخرجاتها. فغياب أو تغييب المثقف، إلى حد أن وزيرا في الحكومة يحتقر العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتغليب الطابع التقني في تدبير الشأن العام، يؤكد أننا نعيش أزمة عميقة كان لأحداث الريف فضل إبراز عورها. السؤال الذي غلب على قارئي الحوار هو من المسؤول؟ الأحزاب أو الدولة أو المجتمع؟.
وكعادة كل تجاذب سياسي تغلب النظرة الأحادية التي تنتصر لموقف دون آخر. وإذا كان الدكتور الجراري ينسب الخلل إلى الفعاليات السياسية، فهو رأي يحتمل درجة كبيرة من الصواب. خاصة حين تتخلى هذه الأحزاب عن أدوارها وتسقط في امتحانات التأهيل السياسي وتتخلى عن مبادئها باسم الواقعية السياسية.
فهل سنظل نعتبر النظام شماعة لأخطاء المسار السياسي؟ أليست “قابلية السقوط” هي المفسرة لتخلي الكثير من القيادات السياسية عن منطلقاتها الفكرية والمعرفية من أجل موقع أو منصب، وتجند للتبرير كل أدبيات الدين والفلسفة والتاريخ؟ أعتقد أن ما قاله السيد الجيراري يحتاج إلى تأمل بدل استعمال العنف اللفظي في الرد.
هناك أزمة حقيقية في فهم الواقع السياسي وفي سبل التعامل معه. وتظهر هذه الأزمة في لحظات التجاذب والتدافع. لذا فبدل أن تكون النخب الحزبية جزء من الحل تغدو جزء من الأزمة. ويكفي مثالا على ذلك البيان الأخير لفيدرالية اليسار في العلاقة مع التيارات الأخرى. وإن عرجنا على المحلي سنجد أنفسنا أمام نخب مترهلة وضعيفة مكنت للوبيات الفساد من فرض أجندتها. فلو أن الأحزاب راهنت على نخب محلية قوية ومثقفة وذات إشعاع مجتمعي فهل سنعيش الإشكالات الحالية؟
ويكفي أن نذكر بما تعيشه هذه الأحزاب، بدون استثناء، إبان الترشيح للانتخابات. وكما قال أحدهم: “لن تتحول الأفكار مهما كانت صحيحة إلى قوة واقعية، إن لم يمتلكها الناس، بالتالي جميع الاقتراحات والمبادرات المقدمة لخروج الأحزاب السياسية من أزماتها، تحتاج إلى اقتناع أعضاء الأحزاب، وقياداتها بها وإلى إرادة صادقة لتطبيقها”. هذا دون أن نعفي أجهزة الدولة من المساهمة في صناعة الوضع الكارثي، لكن تبقى القابلية للسقوط هي المحور الأساسي لفهم الحالة. ولذا فقراءة حوار الدكتور عباس الجراري تحتاج إلى كثير من المعقولية.