وجهة نظر

الهيلالي يكتب: فصل المقال في ما بين مناهضة التحكم ورفض التمديد من اتصال أو انفصال

النقاش الدائر بين أبناء العدالة والتنمية عامة وعقلائهم خاصة حول التمديد للأمين العام لولاية ثالثة ضدا على قوانين الحزب ومبادئ الاختيار الديمقراطي ومكاسب الديمقراطية الداخلية، يريد البعض أن يختزله في مبرر أساسي وهو أن أي رفض للتمديد هو بمثابة التقاء موضوعي مع 8 أكتوبر، ثم بأفاعيل البلوكاج الحكومي ثم السياسي وأخيرا بالإعفاء غير الدستوري للأستاذ بنكيران ولواحقه.

في ما بين مناهضة التحكم ورفض التمديد من انفصال:

هذه الحجج والتعليلات المشار إليها أعلاه لا يخفي اتصالها الظاهري بغايات التحكم وأهداف دهاقنته القدامى والجدد، غير أن اتصال ذلك بمقاصد أبناء حزب العدالة والتنمية وبرموزه وقادته ومؤسساته ممن يتشبثون بقدسية المبادئ ومكانة الأشخاص يحتاج لإثباته إلى مهارة سحرة فرعون لكي يسحروا أعين الناس فيتراءى لهم من سحرهم أنها حجج تسعى.

في هذا المقال أحاول أن أبسط وجهة نظري في بيان ضعف هذه الحجة وإثبات انتمائها إلى المماحكات السياسية التي تستخدم بين خصوم سياسيين واندراجها ضمن أواليات السجال الإديولوجي الذي يدور بين فرقاء اديولوجيين أكثر من انتمائها الى الحوار الفكري والخلاف السياسي المشروع المؤسس للإبداع والتجديد في نطاق الرأي حر وللقرار ملزم .

خلفية تاريخية من الاستئصال إلى التحكم المعركة واحدة والصف موحد :

من الناحية التاريخية تم انتخاب السيد عبد الإله بنكيران سنة 2008 في عز انتقال خصومنا من مرحلة الاستئصال انطلاقا من مواقع رسمية ودوائر سلطوية مباشرة إلى مرحلة التحكم والمواجهة المباشرة من مواقع القرب وبواسطة اللجوء إلى تأسيس أجنحة حزبية ونقابية وجمعوية ومنصات قصف إعلامية للتحكم، وذلك منذ الاستقالة المشهورة والخرجات الإعلامية المنسقة لرعاة المشروع وعرابيه.

وفي هذه المرحلة خرج الحزب منتصرا من محاولات استئصاله وتخطى محنة إجراءات حله التي كانت موضوع مداولات في مجلس الحكومة وقضية رأي عام إعلاميا وحزبيا تورط فيها أشخاص لا يشك في نزعتهم الديموقراطية لكن حمى التنافس الحزبي والحقد الاديلوجي ورطهم في ذلك .

الحزب الذي لم يدخر جهدا في مناهضة مشروع الاستئصال باستماتته بقيادة أمينه العام الأسبق الدكتور العثماني أغاض خصومه بتبوئه موقع الصدارة في الانتخابات البرلمانية لسنة 2007 رغم كل أشكال الإفساد السياسي وسطوة المال الحرام وكرس نفس النتيجة آي الصدارة في الانتخابات الجماعية على اقل في المدن حيث السياسة والتنافس وضعف سطوة التحكم على الناخبين في ظل قيادته الجديدة .

في هذه المرحلة سوف تتكاثف عناصر متنوعة مؤذنة ببدء مرحلة جديدة كنا هيئنا لها أطروحة بعنوان النضال الديمقراطي .

انتخاب الأمين العام الجديد وقتئذ تزامن مع انطلاق مساعي تأسيس الجناح الحزبي للدولة والمجاهرة بأطروحة مواجهة الإسلاميين وإعادة هيكلة قسرية وفوقية للمشهد السياسي بدعوى استنفاذ الأحزاب الوطنية لأغراضها وعجزها عن منافسة الإسلامية، فساهم كل ذلك في حشرنا في زاوية وحيدة وهي مواجهة التحكم ليس على أساس تقدير سياسي ناجم عن قراءة هادئة للوضع السياسي في تقاطعه مع موازين القوى إقليميا ودوليا ولكن لكونه الخيار الأوحد المتبقي أمامنا .

مواجهة التحكم إذن لم تكن تنزيلا للأطروحة السياسية للحزب بل موقفا فرضه التحكم خاصة عند انتقاله الأرعن إلى الاعتقالات بالزج بنائب عمدة سلا بداعي الفساد بوشاية من إلياس العماري وتسريب أنباء عن لوائح بعشرات المئات على قوائم التوقيف حسب ما تم تداوله وقتئذ.

هذه المعركة التي انطلقت وأبلى فيها الأمين العام بمعية جميع إخوانه بلاء مقدرا لم يختلف عنه احد وانخرطنا فيها ملتحمين ولم يكن يخطر ببالنا سوى آن نلتحق بالمعتقل الأول؛ لكن التحاقنا سيكون وقوفا وليس انحناءة. إلى أن جاء الربيع العربي على قدر ليضعنا أمام أول امتحان لوحدة الحزب ولمنهجه.

هنا من كان يعتبر ان التحكم هو نهج طارئ على الدولة ويستهدف وضعها المتفرد سوف ينحاز الى الدولة في مواجهة مستبديها ويتموقف في الوقت ذاته مع الشعب ضد مغامريه وهو ما تبلور لاحقا وبعد اطلاق نداء الإصلاح الديمقراطي في مقولة “الإصلاح في ظل لاستقرار”. أما من كان لا يتقاسم هذه القراءة فقد تجاوب مع الاحتكام إلى الشارع لفرض الإصلاح بالمغالبة الميدانية تحت تأثير ما جرى في كل من مصر وتونس.

هذه المرحلة يمكن أن نسميها بموجة التحكم الأرعن أو بالبنعلة والتونسة نسبة إلى نهج بنعلي تونس والتي انتهت أحلامها بهدير الشوارع.

وعلى إثرها انطلقت إصلاحات غير مسبوقة دستوريا وسياسيا لعب فيها حزبنا وحركتنا بالأساس دورا وطنيا وإصلاحيا وديمقراطيا وصف بالتاريخي من الخصوم قبل الأصدقاء، وذلك بانطلاق ما سمي بالملكية الثانية التي تقاسمت السلطة مع الشعب بدستور غير مسبوق أعاد هيكلة الدولة وكرس الاختيار الديمقراطي بوصفه ثابتا جامعا لا يقبل المراجعة وذلك رغم كل الملاحظات التي سجلت على الوثيقة الدستورية . ثم تلا ذلك تنظيم انتخابات سابقة لأوانها بوأت الإسلاميين صدارة غير مسبوقة.

لكن بوادر التراجع انطلقت عندما استعادت الثورة المضادة زمام المبادرة من جديد واستهوى البعض ببعض مظاهرها المشرقية فأعلن عن تمرد نسخة المغرب وتكونت جبهة انقاذ نسخة المغرب على غرار ما حصل بمصر وتونس وغيرهما وانتخب شباط وخرج من الحكومة وبقية القصة معرفة .

وهنا بدأت المتاعب فزاوجنا بين الصمود وتفويت الفرص وعدم الاستدراج وبلاغة الصمت في موجهة تهم الموساد وداعش وأخواتها. وعشنا أول بلوكاج مع وصفة الشعبوية بإحياء رميم بعض الأحزاب وإسلام قيادتها إلى شعبويين يمكن أن يفرملوا تقدم الحزب والأداء التواصلي والشعبي المميز لقيادته فعشنا ولاية حكومية بأداء استفادت من مجمله الدولة وتحمله الشعب بطواعية تجاوبا مع خطابنا الذي تمحور حول “الى عاش بلارج يعيشوا اولادو”.

خلال هذه المدة سينتقل التحكم إلى مرحلة أخرى من التقهقر في محاولة ليس لإغلاق قوس الربيع العربي ولكن لإحياء مرحلة الجمر والرصاص بقيادة بعض ضحاياه المدركين لأهوالها.

وهنا ايضا لم يتأخر احد في الاصطفاف وراء مناهضة التحكم رغم الملاحظات النقدية لبعضنا والتي لم يكن لصوتهم أن يسمع أمام ارتفاع صوت معركة مواجهة التحكم فأنصفنا شعبنا من جديد لكن مع دخولنا في مرحلة مغالبة سياسية وشعبية مع الدولة نفسها بمؤشرات عديدة ليس اقلها عودة طرق التزوير الممنهج وتصويت الأموات وملأ الصناديق في المناطق النائية والأخطر من ذلك كله هو استعمال مقاربة أمنية لأول مرة و دخولها على خط اتهام رموز وقيادات وشباب وإعداد ملفات جنسية أو إشادة بجرائم إرهابية أو تكييف وقائع عادية على أساس ملفات أخلاقية وغير ذلك .

وأمام كل هذا انخرطنا جميعا قيادات وقواعد ومؤسسات في معركة الوقت بل أكثر من ذلك قبلنا مضطرين التمديد الأول للامين العام ولمختلف الهيئات سنة كاملة بحجة عدم التشويش على الاستحقاقات السياسية باستحقاقات حزبية لكن تحت قناعة جماعية تقضي بصعوبة أن يكون الأمين العام للحزب رئيسا للسلطة التنظيمية في الدولة ومرؤوسا تنظيميا في الحزب ورفضا للسيناريو الذي كان يعد لقبول الحزب بدون زعيمه..

كل هذه الوقائع تاريخا وحاضرا تؤكد أن معركة مناهضة التحكم كانت معركة جماعيا وكسبناها جماعيا بادوار مختلفة تتحكم فيها ليس مفاعيل للقدرات والإمكانات الذاتية وحدها ولكن بشكل أساسي المواقع والإمكانات لتي تتيحها المسؤوليات والمواقع المتباينة .

اليوم نستطيع أن نقول أننا كسبنا معركة التحكم وانهينا جولاتها بالضربة القاضية وعلينا أن نضعها وراء ظهورنا إذا أردنا أن لا تسكن في بيتنا وتستوطن عقولنا إلى الأبد.

اليوم حسم الشعب معنا المعركة وان الأوان للانجاز وتقديم الأجوبة على المعضلات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة وهي مرحلة ينبغي أن نوفر لها الأجواء والمناخات أي أجواء مد الجسور وأجواء التعاون ومناخات الإبداع والعمل من ارفع الفيتو السلطوي على الطاقات والكفاءات الراغبة في الالتحاق بنا لبناء المغرب في تنوعه وتلاحم مكوناته.

إذن لا أحد يمكن أن يقول إن الحزب أو قياداته أسلمت الأمين العام إلى التحكم أو خذلاه بمن فيهم من كانت له ملاحظات نقدية أو أراء بشان احترام الأطروحة التي على أساسها تم انتخاب الأمين العام في مؤتمر 2008 .

بل عندما كانت المبررات معقولة وقوية تم القبول بالتمديد الاستثنائي للامين العام وقرر في ذلك المؤتمر الاستثنائي لكن بمنهج توافقي وليس تنازعي أو تصادمي بين تياران احدهما بطل بأمجاد مواجهة التحكم وأخر متخاذل ومستوزر وترتعد فرائسه من التحكم ومؤثر للسلامة الشخصية.

فهل بقي بعد هذه الحجج من فرص لاتصال مناهضة التحكم برفض التمديد التغالبي ؟ لا أظن ذلك .

ما بين رفض التمديد وقدسية المبادئ من اتصال

لنناقش الآن التمديد وأين يتصل بالمبادئ

الرافضون للتمديد يسوقون مبررات أهمها مبدئي وبعضها الأخر سياسي.

فأما المبررات المبدئية فيمكن اجمالها في ما يلي:
1- كون القانون يحدد ولاية الهيئات في ولايتين اثنتين وإننا أمام أول اختبار لهذا المبدأ الذي جرى تقريره في نفس المؤتمر الذي اختار الأمين العام المنتهية ولايتيه
2- كوننا استنفذنا الاستثناء بتمديد توافقي لأسباب كانت وجيهة أشرت لها بعدم التشويش إلى استحقاق سياسي باستحقاق تنظيمي وبعدم إمكانية جعل رئيس السلطة التنظيمية مرؤوسا بالسلطة الحزبية ولاعتبار ثالث هو أن مرشحنا الوحيد إلى رئاسة الحكومة هو الأمين العام.

من هنا فهمت تصريحات القيادات كلها على انها لن تكون بن عرفة العدالة والتنمية قطعا للطريق أمام السيناريوهات التي كانت تسرب .
3- كون تحديد الولايات من أهم مكتسبات الديمقراطية الداخلية التي كان الحزب يتباها بها قبل أن يفرضها القانون.
4- كون تغيير القانون على مقاس الأشخاص هو المقدمة الأولى لتقويض مشاريع المؤسسات وتعويضها بمشاريع الأشخاص والعودة إلى مفاهيم المشيخة والموريدية التي قطعنا معها منذ نهاية السبعينات .

4- كون هذا الفعل سوف يكرس سوابق عدم سمو القانون ويرتقي ببعض المشروعيات الأخرى من قبيل السابقة أو الابتلاء أو الشعبية فوق المبادئ والقيم فاليوم هناك الشعبية الجارفة والأداء التواصلي كمصدر لمشروعية يراد لها أن تكون فوق المبادئ وفوق القيم وفوق القانون وغدا لا سمح الله سيكون النفوذ المالي أو النفوذ المصلحي أو غيره مما نراه ونسمع به حتى لدى حركات إسلامية شقيقة .

5- كون هذا المسلك سوف يثبت تهمة التعامل الأداتي والاستعمالي مع الديموقراطية بصفتها سلما نرتقي به إلى السلطة (اليوم السلطة حزبية) ثم نلقي به خارجا آي أن نرفض التداول على للسلطة باعتباره جوهر الديموقراطية وجوهر الاختيار الديمقراطي

6- وأخيرا وليس أخير لأن التمديد هو في جوهره من أدوات التحكم التي استعملت عبر التاريخ للخلود في المناصب وان الطرق المؤدية إليه هو ما يسلكه المستبدون عبر التاريخ لاستمرارهم أو لتوريث أبنائهم أي أن التمديد هو عين التحكم

لكل هذه الاعتبارات فالتمديد يبقى مرفوض دون أن يعني ذلك أننا نسيء لزعيمنا الذي سيظل زعيما أيا كان الموقع الذي يتبوأه ودون أن نتهم من يدافع عن التمديد بأي اتهام أخر.

هذه قناعتنا وسوف نكون مع المؤسسة ايا كان اختيارها مع ملاحظة أن اختيارات المؤسسة بمنهج التوافق والتعاون يجعلها أقوى وأكثر جاهزية وان الاتجاه إلا أي اختيار بالمغالبة والمنازعة والمشاححة لا يتولد عن ذلك إلا مؤسسة ضعيفة وبجاهزية اقل أمام تحديات اكبر ومن يظن أن أداء شخص مهما كانت زعامته سوف يعوض تماسك المؤسسة وتلاحم المؤسسين وصفاء المبدأ ووضوح الرؤية فإنما ينظر لمرحلة الأفول والتراجع ولو بعد حين والله اعلم .

*عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *