وجهة نظر

المساواة بين الذكر و الأنثى في الإرث

هذا المطلب هو نتيجة حتمية لمطلب المساواة المطلقة، و بالتالي المطلوب هو المحاورة حول قضية المساواة بصفة عامة ثم نرجع إلى المساواة في الميراث باعتبارها فرعا عن هذا الأصل و مطلبا من مطالب المنظمات النسائية.

لا يمكن لأحد أن ينكر وجود ميز طبيعي فعلي بين الرجل و المرأة، يقول ابن حزم:” ولا شك في أن الذكر ليس كالأنثى والأنثى أيضاً ليست كالذكر؛ لأن هذه أنثى وهذا ذكر وليس هذا من الفضل في شيء البتة، وكذلك الحمرة غير الخضرة والخضرة ليست كالحمرة وليس هذا من باب الفضل”. الفصل في الملل 4/ 97.
فالذكر عموماً يمتاز بأمور وهبها له الله سبحانه لا ليكون أفضل من الأنثى؛ ولكن لأن الله قد هيأه لأمور فيها من المشقة ما لا يستطيعها إلا بهذه الامتيازات التي فاق بها شقه الآخر.

وقد أثبتت الدراسات العلمية اختلاف الرجل عن المرأة اختلافاً كبيراً ، يقول الدكتور الكسيس كاريل في كتابه الرائع )الإنسان ذلك المجهول( : “ولا ترجع الفوارق القائمة بين الرجل والمرأة إلى اختلاف شكل الأعضاء التناسلية عند كل منهما كشكل الرحم ونمو الثديين وغير ذلك فحسب، وإنما ترجع إلى سبب أعمق كثيراً وهو غمر الكيان العضوي كله بمواد كيمائية تنتجها الغدد التناسلية التي تختلف طبيعتها وتركيبها وخواصها في الذكر عن الأنثى. والواقع أن المرأة تختلف عن الرجل جد الاختلاف، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها وهذا أيضاً شأن أجهزتها العضوية وعلى الأخص جهازها العصبي… وإن دور الرجل في عملية التكاثر دور قصير الأجل ومحدود جداً، بينما دور المرأة يطول إلى تسعة أشهر تخضع فيها المرأة إلى هذا الكائن الجيني فتظل حالتها الفسيولوجية دائمة التأثر به والإناث لا تبلغ تمام نموها إلا بعد أن تحمل مرة أو أكثر فإذا لم تلد تصبح أقل اتزاناً وأكثر عصبية”. وذكر فوارق أخرى نحجم عنها خشية الإطالة.

بعد ذكر هذه الفوارق المختلفة بين الجنسين نستشف خطأ دعوى المساواة بين طرفين مختلفين من جميع النواحي، خاصة في الدول الغربية حيث تم تمييع هذه الفوارق وتجاهلها، فما هي النتيجة؟ هل ضمن المجتمع الغربي للنساء الحياة الكريمة و العدل والإنصاف؟ بل إن مساواة الذكر بالأنثى ونسيان أو تناسي الفوارق بينهما أحدث أمراضاً و اختلالات في المجتمعات يحتاج علاجها إلى كثير من الوقت قد تصل إلى أجيال وأجيال من ذلك: المرأة في الغرب أصبحت إما: شغيلة شقية أو مترفة وحيدة أو متزوجة منفصلة عن زوجها تقتلها الوحدة، أو متزوجة تعيش مع خليلها ولها زوج يعيش مع خليلته، أو مطلقة أو عانس أو عجوز وحيدة مهملة، أو فتاة منفصلة عن أبويها و إخوتها. و بالمناسبة فهذه المجتمعات لم تستطع تطبيق المساواة كاملة، وما زلت نسبة النساء في مواقع القرار ضئيلة جدا…
هذه هي الحقيقة وليست قدحا و لا شتما للمرأة، وإنما هو مجرد وصف لحالها في المجتمع الغربي، و لا شك أن التماهي من طرف المجتمعات الإسلامية مع الغرب يوصل إلى نفس النتيجة.

لقد جاء الإسلام بنظام فيه حقوق وواجبات، وقبول هذا النظام الإسلامي و الاقتناع به لا يتم عن طريق العقل وحده، و إنما يحتاج إلى القلب المطمئن بالإيمان.
هذا الإيمان هو الذي يجعلنا نؤمن بأن هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وأن نظامها لا يمكن أن يكون قد أغفل ما حصل للمرأة من تطور وتحول. وضعف الايمان هو ما جعل بعض الناس يتخيلون أن أحكام الشريعة لم تعد ملائمة لأحوال المرأة في هذا العصر.

ونضرب لذلك مثالا على هذه الأقوال ما كتبته سناء العاجي عن ضرورة تغيير أحكام الميراث لتلائم العصر حيث قالت:” هناك تحولات اجتماعية واقتصادية مهمة تعرفها مجتمعاتنا، وتجعل المرأة فاعلا حقيقيا في التنمية الاقتصادية، خلافا لواقع اقتصادي عرفته المنطقة منذ حوالي 15 قرنا، كانت المرأة فيه يعيلها زوجها أو والدها. في المغرب مثلا، خمسُ الأسر تقريبا (18 في المائة) تنفق عليها امرأة فقط، وأغلبها أسر فقيرة تحتاج لإعالة تلك الأمِّ أو الزوجةِ أو الأختِ؛ ناهيك عن الأسر التي ينفق عليها الرجل والمرأة معا. وبالتالي، فهذه التغيرات في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، تقتضي منا اجتهادات جديدة لملاءمة القانون وقراءة النص القرآني بشكل مختلف.” ثم تقول في نفس المقال:” هناك أيضا نصوص قرآنية حول العبيد، وحول قطع يد السارق، وحول رجم الزاني… لقد عطلنا العمل بهذه النصوص لأن المجتمع تغير. وعمر بن الخطاب في عهده عطل العمل بقطع يد السارق بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية آنذاك.”
نقول للكاتبة: ليلكم سيطول، و مراهنتكم على عامل الزمن لن يجدي شيئا، و الأمثلة المذكورة يدل على تسوركم لهذا المجال، ففرق كبير و بون شاسع بين التعطيل و التبديل.

نعود ونقول إن التسوية بين الرجال و النساء في الميراث بمنطق الانصاف و العدل هو مقصد إسلامي أصيل، فليس أعدل من الله تعالى ، حيث تكفل بقسمة تركات عباده، ولم يكل ذلك لأحد فقال: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 176.
ولن نحتاج أن نبرهن عن ذلك بحالات إرث الذكر والأنثى فقد زعم بعض العلماء المحدثين أن حظ المرأة في الإرث أوفر من حظ الرجل، ويكفي القوم النظر في كتب الفقه، والوقوف بعين الانصاف لعلهم يفقهون.
و ختاما فقد أجمع العلماء أنه لا محل للاجتهاد في المسائل القطعية، وآيات المواريث كلها قطعية،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • عُقيل
    منذ 6 سنوات

    الشريعة، بمعناها المتداول، لا يمكن أن تكون صالحة لكل زمان ومكان إلا في مقاصدها الداعية إلى احترام الإنسان والسعي إلى الارتقاء به. أما التفاصيل فهي ظرفية تتغير بتغير المكان والزمان. فقد تغيرت، على سبيل المثال، نظرتنا إلى الرق فتوقفنا عن ممارسته، وتغيرت نظرتنا إلى ملك اليمين فترفعنا عنه، واكتشفنا أن التعذيب والعقوبات الجسدية تحطّ من إنسانيتنا فلم نعد نقبل بها، وما إلى ذلك... الإسلام لم يخترع الرق، أو ملك اليمين، أو تعدد الزوجات، أو عدم المساواة في الإرث بين الجنسين، وغير ذلك من أشكال التفاوت بين المرأة والرجل. لقد كانت تلك ممارسات سائدة آنذاك، فهذّبها وشجّع على التخلي والترفع عنها. وفي المقال بعض الآراء الخاطئة تماما أرجو ممن يراها صحيحة أن يراجعها للتأكد بنفسه من خطئها، من نوع "حظ المرأة في الإرث أوفر من حظ الرجل"، أو التصور أن سعي بعض المسلمين للارتقاء بمجتمعاتهم هو نتيجة "للتماهي مع الغرب"، وأشير فيما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة أنه في أواسط القرن التاسع عشر وعندما كان الغرب غارقا في ممارسة الرق، نادى أحد شيوخنا المستنيرين، محمد بيرم الخامس التونسي، بإلغاء الرق في مؤلفه "التحقيق في مسألة الرقيق". ومن مقولاته الشهيرة في دفاعه عن تحرير العبيد "إن الأصل في الإنسان هو الحرية وأن الرقّ عارض". وواضح اليوم لعدد متزايد منّا أن الأصل في المعاملات الإنسانية هي المساواة وأن التفاوت عارض".