وجهة نظر

الدرهم يسبح والشعب يغرق!

تحت تخدير نشوة الرجوع لحضن الأم الإفريقية، متأثرا بحفاوة استقبال الإخوة و جو الأدغال الإفريقية الخلابة انفتحت شهية المغرب على استثمارات بلون أسود لون إفريقيا، قبل أن يستيقظ من حلمه بعد أشهر “باكور” و يكتشف أنه التهم لقمة أكبر من حلقه. ما الحل أمام نفاذ مخزونات العملة الصعبة و عجز الميزان التجاري؟ تعويم الدرهم ( تحرير سعر صرفه) حتى و إن عنى ذلك إغراق القدرة الشرائية لفئة كبيرة من أولاد الشعب.

قبل الدخول في تفاصيل أم الكوارث التي تنتظر بلد الاستثناء، لا ضير في وضع تعريف بسيط لمفهوم تحرير الدرهم، الذي صبغته الدولة بتسمية ” اعتماد سعر مرن لصرف الدرهم”.

حين يُصدِّر المغرب سلعه تكون الشركات الأجنبية بحاجة للدرهم كي تدفع للشركات المغربية، و بالتالي يتم مبادلة العملات الأجنبية بالدرهم: العملة الأجنبية تدخل المغرب. خلال عملية الاستيراد تخرج العملة الأجنبية لكونها تغدو مطلوبة للدفع للشركات الأجنبية التي نشتري منها السلع. البلد يستورد مرتين أكثر مما يصدر، و بالتالي فالوضع الطبيعي أن العملات الأجنبية تكون مطلوبة مرتين أكثر من الدرهم. بنك المغرب فيما سبق تدخل لتغطية الصادرات و توفير العملة الصعبة، و بالتالي حافظ على قوة الدرهم.

الجديد أن بنك المغرب، و مع الاستثمارات الكبيرة التي دخلها أجمل بلد في العالم إفريقيا، لم يعد يمتلك من العملة الصعبة ما يبقي به الدرهم واقف على رجليه ( احتياطات العملة الصعبة لا تغطي أكثر من أربعة أشهر من الاستيراد: أربعة أشهر و يوم كافية ليصبح المغرب شبيها باليمن!). المهرب كان قرار البدء في تعويم العملة الوطنية و التحرر التدريجي من عبئ التدخل لإنقاذها.

بلادنا تستورد مرتين أكثر مما تصدر، و بترك الدرهم يعوم وحيدا أمام “أسياده” فإنه يخسر مرتين، فتتناقص قيمته مرتين على أقل تقدير، ما يعني ضرب القدرة الشرائية لمواطنين يكملون الشهر “بلكريدي”، و 80 في المائة منهم لا يستطيعون الادخار حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط.

أما إن حدثت المعجزة ، فإنه، و في دولة تنعدم فيها الرقابة على الأسواق و يتم فيها إرسال لجان التفتيش بعد الإعلان عن الموعد بشهرين، عند ارتفاع سعر الدرهم ستنخفض أسعار المواد المستورة، ما سيدفع تجارنا الحُجاج المؤمنون إلى رفع السعر للإبقاء على نفس هامش الربح، و سيحافظون على السعر المرتفع حتى لو انخفض الدرهم، تحسبا لأي ارتفاع مرتقب في المستقبل.

ولأن سكاكين العِجل تكثر عند سقوطه، فإن نسبة 30 في المائة من المغاربة التي تحتفظ بأموالها خارج البنوك (الاكتناز) ستسارع لشراء العملة الصعبة إلى جانب الكتلة التي ستحوِّل مدخراتها البنكية للدولار و اليورو هربا من الدرهم المريض. العملة الوطنية ستكون متوفر بكثرة و سينخفض سعرها أكثر فأكثر (دائرة مفرغة).

قد يطرح القارئ سؤال استغراب حول مدى غباء الدولة حتى تتخذ هذا الإجراء و له كل هاته التداعيات الخطيرة، كما قد يقول آخر أن الدولة درست كل الاحتمالات، و أن تصريح الخلفي عن إقلاع وشيك للاقتصاد بعد “دوش” الدرهم تصريح في محله. للمشككين نقول راجعوا تجربة المغرب الغبية مع صندوق النقد الدولي و مجزرة التقويم الهيكلي التي بسببها فقد سيادته على مؤسسات الوطنية، ثمانينيات القرن المنصرم حين كان الجواهري ( والي بنك المغرب الحالي) وزيرا للمالية. و لماذا الرجوع كثيرا للوراء، يكفي أن نجول ببصرنا سنوات الألفين لنرى كيف أنه وبعد 15 سنة من الأوراش الكبرى اكتشف الماسكون بأمور الحِل و العقد أن نموذج المغرب التنموي الذي ظلوا يدافعون عن جدواه، نموذج أعرج “كا يزيد” الشحمة فظهر المعلوف، داعيين لنظرة تأمل للإخراج نموذج أكثر رشادا!

الحل؟

كان حريا بالدولة قبل التوجه للحائط القصير ( جيب المواطن)، الالتفات إلى نفسها و سد الثقوب الكبيرة التي تُحلب من خلالها ليل نهار: اعتماد سياسة تقشف تحد من إهدار مليارات الدراهم في تنقلات المسئولين و الوزراء و تعويضاتهم و رواتبهم. فتح الصناديق السوداء لضوء الشمس ( المراقبة و الفحص) و توجيه أموالها لاستثمارات حقيقة تفيد الاقتصاد، ترشيد النفقات العمومية، و لك أن تلاحظ كيف أن ندوات تافهة بعناوين مثل “تحيين الحوار الاجتماعي” تستقطب مئات سيارات الدولة رباعية الدفع من كل فج عميق، و بيخير! توسيع الوعاء الضريبي ليشمل الحيتان التي تنهب البر و الجو والبحر، و تحريك القضاء ليضرب بيد من حديد على المسئولين الذين يفوتون صفقة المليون بمائة مليون.

تفعيل دور مختلف الصناديق المجمدة و تحويلها لمشاريع اجتماعية و اقتصاديو كبرى، و في مقدمتها الصناديق الاجتماعية الإسلامية: صندوق الزكاة و صندوق وزارة الأوقاف، أغنى وزارة في المغرب، التي لا يجب أن يقتصر دورها على توزيع الخطب الجاهزة على المساجد بالتنسيق مع وزارة الداخلية، و مراجعة مناهج التربية الإسلامية التي تنشر فقه الوضوء و الجنابة، و التسامح في وجه المعتدي و مواجهة المنكر و آكل الحق بالدعاء و الصبر!

تحوُّل البنوك إلى بنوك استثمارية حقيقية و ليست فقط تجارية تعتاش على الاقتطاعات من أجور الموظفين، و من شراء شقق و سيارات و بيعها بإضعاف مضاعفة.
إعطاء البنوك التشاركية وظيفتها الحقيقية كمساهم في الدفع بحركة الاستثمار بعد أن نجح اللوبي الفرنسي في إحباط كل محاولات إنشاء بنوك إسلامية حقيقة مستقلة، و أرغم المستثمرين الخليجيين على الدخول كمساهمين في فروع تشاركية تجارية للبنوك التقليدية. الدور الدور و ترجع لماكدور!
أنشاء مشاريع وطنية و فتح المساهمة فيها لأبناء الشعب حتى يعم الخير على الجميع، و عدم اختصار الاستثمار على نخبة تحتكر مصادر الثروة و القرار بمشاريع رأسمالية هدفها الربح السريع و امتصاص دماء العمال و تركيز الثروة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *