وجهة نظر

ما السبيل إلى حملة “أسرتي جنتي”؟

نعود للتعريف البسيط الأول للأسرة، فنجدها تتكون أول الأمر من زوج وزوجة. على إيمانهما وتعلقهما بالله عزوجل بمنطق الحركة الإسلامية أول الأمر، يكون الأساس. وإلا فاقرأ ما شئت وتوسع واطلع، مغلوب أنتَ وأنتِ إن وكلتما إلى حظكما ونفسكما ومقدراتكما مهما علت وتغالت ولو بعد حين، إن لم تحطكما عناية الله عزوجل تنتشلكما من السفساف توفق وتعين وتستر وتقرب وتحبب وتيسر.

المشترك مع بقية الناس، بمنطق غير الإسلاميين، يكون رهينا بشخصية الزوجين ونضجهما، ومعرفتهما بنفسهما بداية الأمر، وكذا بواقعهما المغربي الفاسد الكاسد المفقر المجهل، وبما هما مقدمان عليه، وبمعطيات بعضهما وضوحا وصدقا كاملا لا التواء فيه “لا نخبئ الذئب في القفة كما يقال”، بإشراك كل الأطراف وبرضاها وبالتزام واضح ناضح ناصح. حري أن يكون ناجح! 

يجب التأكد من صدق مشاعرهما وإمكانيتهما بمختلف جوانبها النفسية والقلبية والعقلية، ومدى استعدادهما للبذل والعطاء، لا استجابة لمجرد ارتباط “وسترة” كما يقول العامة اليوم، أو تحت إكراه و ضغط أو توريطا في الخير مع الغير على حين غرة ثم نختفي ونتركهما غارقين. نتحدث بشكل عام ونسرد المبادئ الكبرى وإلا فالشاذ والاستثناء لا يقاس عليه. وكم من تجارب لم يتوفر فيه شرط أو شروط ونجحت، والعكس، كم واحدة توفرت فيها صفات الكمال ولم تلبث شهورا أو حتى سنوات مهما تعددت التضحيات.

كل منهما أتى من بيئة معينة، يتحركان فيها، وقدما منها، ليس مفصولين عنها، ومخطئ من يفعل، وتقتصر أو تقصر نظرته للأمور بسطحيتها وبمواعيد والتزامات أسبوعية جمعوية كانت أو خيرية تطوعية أو حزبية، فيشهد لطف ساعة، أو معاملة، ولله در عمر حين قال : “هل سافرت معه، وهل تعاملت معه بالدرهم الدينار ؟”. كناية عن معالم ومؤشرات تحدد الشخصيات التي أمامنا، وليس هناك كمال. والأصل أن العبد معدن النقص والعجز. فقط يميزه عن غيره استعداده للتغيير والتنوير والتفكير للتحسين والتطوير وصدق في طلب ذلك، فهذا يرجى له الشفاء. أو أن يزكي بحسن نية أحد الناس، أحدهما للآخر انطلاقا مما ذكرناه، أو رآها ورأته في رحلة أو سفر أو عند عائلته، وأعجبا في غياب العقل، ولسنا ضد العاطفة والإعجاب إن زكاهما وأسس لهما وبنيا على أسباب موضوعية وذاتية.

الزواج والحب القلبي الروحي المتقرب إلى الله غير هذا تماما، لأنه عشرة وعمر و صبر و صبر و صبر وصحبة ومحبة، وحنو وحدب وحرص وهدوء وسكينة وعشرة بالمعروف واحترام وتقدير إن وجدوا، فيه تتكشف جوانب شخصية كانت خفية، وتظهر السوءات وما أكثرها، وإلا فلا عصمة إلا للأنبياء في زمنهم، فيكون الزواج ساترا وافرا غافرا، أو ظهرا عارية مكشوفة تتسرب من ثقوبها ومن عرين مهماتها الجسام بالصف الأسرار والأشياء والأشلاء وتحكي عن خواء وهواء. ذلك الواقع الذي تشرب كل منهما بعضا من أمراضه، وأسقامه وثقافته، و”مخزنيته”، و”أعرابيته”، وأتى كل منهما للصف “النضالي”، بكل حمولتهما، بمعادن مختلفة، معاش بمعطياته وبمؤثراته ومجرياته ومدخلاته ونفسياته وعقلياته والعوامل المتدخلة فيه، محتاج لمن يأسو ويحنو ويجلو ومن يوجه ويعقل فلانا وفلانة، يأخذ بيدهما بمنطق المحبة والستر والجمع والنفع والرفع.

إن الزواج كعملية التربية يعالج مادة “النفس” ومنطق الروايات لكل طرف، بكل الأطراف المتدخلة في العملية. زوجان أتيا من بيت ومن حي، ومن مدرسة، من والديهما سواء أكانوا من نفس الصف “النضالي” أو من خارجه، ثم ما يليهما من القرابة بحسب العلاقة بكل واحد منهما، إلى الأصدقاء والصديقات، وكم من فلان و فلانة كانت الصداقة مدخله أو مخرجه في أموره وقراراته الحاسمة سلبا أو إيجابا.

أهمية إدراك كل ما يحيط ويسيج، يحكم أو يهش العلاقة الزوجية أو ما يهددها من كل متدخل أو مكون ومراحلها، والاختيار قبله وبعده، تهون معه كثير من الأشياء. ثم ليبحث المتهمم بإصلاح نفسه وآخرته وأمته عن ما يقوي العلاقة الإنسانية بشكل عام وما يؤثر فيها، من قريب أو بعيد. مما يجعلنا ملمين، ومستعدين لكل الإكراهات والتحديات، وحسن تشخيص الحالات والتوفق في أخذ ونسج التقديرات.

وأعود وأسطر جيدا على الواقعية والنسبية والبشرية جيدا، فلسنا ملائكة أو طهرانيين، كما أننا لا يجب أن نشبه الناس بل يجب أن نتميز، فنتطلع ونسأل الله أن يرفعنا إلى هناك، ذاك النموذج النبوي الكامل الشامل. ومن هذا الميزان الإنساني الطبيعي الصادق المعترف ببشريته وبتقصيره الطامح الواضح الصادق العاشق العفوي، على سجيته حري أن يسعى ويفتش ويتحرق، حري ربما ، إن شاء الله بعد توفيقه، أن يحفظ من الصدمات ومن المفاجآت ويفتح باب التوقعات، ويضع الأشياء في نصابها ومكانها لا تزعج ولا تحرج، وما دون المصيبة في الدين كما كان يدعو سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام “اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا”، فكل أمر يهون، وكل أمرنا تربية !

إننا نعالج مادة متقلبة وأمزجة ونفسية. نرتفع من كل هذا بعناية الملك الواهب، سبحانه من كريم رحيم يزكي ويطهر وعليه المعول سبحانه. يعلم منا عيوبنا فيغفر ويستر ويجبر، ويأسر العبد يدعوه لحضرته ورضوانه وجناته ونعيمه ويخوفه من عذابه على علمه بتقصيره، ويجعل سره في أضعف خلقه، ويكون عند المنكسرة قلوبهم سبحانه.

فكيف السبيل إلى علاج ما نحن بصدده؟ 

أكان حبا وُجد، لنقويه، أو فُقِدَ لنبعثه، أو بَعْدُ لم يغرس، فنعتني به ونختار له تربته، ونعدد الاختيار والاختبار ونيسر سبل اللقاء والتعارف، أو لا أساس، فنجني عليه ونغامر ونقامر بمستقبل مؤشراته غير واضحة وغامضة، ولا نتأكد من استعداد الأطراف وصدقها في التحمل والصبر، فتكون الكارثة لا قدر الله.

إن العودة لتكوين الشخصية، وعدم التسرع، ونضج الأطراف المتدخلة ولاشك أساسي جدا. فليس الزواج اليوم ارتباطا بين شخصين وواهم من يعتقد ذلك.

فلان وفلانة حديثا عهد بالعمل الإسلامي، يتصارعان ويقاتلان نفسيهما على الخير مع الغير، حُسْن الاختيار واللقاء. وبعده لابد يحتاجان بشكل آكد إلى أيادي بيضاء تحتضن وتجبر وتوجه، فلاشك أن يلتئم البناء وينجمع من خواء وهواء، وهو المهدد اليوم في سياق معطوب مغربي واضح فاضح، نخشى فيه أن يهد، بكلمة أب أو أم أو صديقة أو صديق أو فلتة بسيطة أو مناوشة مقارنة بما يغرق فيه عوام الناس.
بعد أن تم اللقاء على أحسن النيات، يجب أن يسعى أن يبث عمرو و”سعاد” الصفاء والعطاء، فمن لم يجد فليدعو لأخيه. أو تنكسر قلوب، ويخبو نجم فلان وفلانة من الناس، كان نموذجين في السير والعطاء والبناء. ولاحول ولا قوة إلا بالله.

إن منطق الآخرة والتربية والمدرسة التي تستقبل الطفل والطفلة، بالأفق البعيد والاستراتيجي، يختلف كثيرا عن منطق الصراع الطبقي، والمنطق المجتمعي السائب العائب الخائب المتردي المتفسخ، وما تعاف الأنفس ذكره، مجتمع يحمل القيم سيفا ومقصلة ومقمعة في وجه بعضه البعض ويفرق بين المرء وزوجه وأولاده بمنطق شيطاني، مختلف عن عقلية الصحبة والمحبة والحاضنة والملاذ الأخلاقي والأخذ باليد والتدارس والتدارك بالدعاء، وقليل من الخبرة والحنكة والاحترافية والحكمة والرحمة والدهاء والذكاء للم الصفوف والتحبيب والتقريب، والوقاية من الصدمات والمفاجآت وتوسيع حجم التوقعات بضبط المؤشرات والمعطيات والمعلومات، وعثرة الاختيارات إن وجدت.

و أنعم بيد بمجتمعنا اليوم ! أكرمها الله بالصدق والحق والعقل تبني وتطفي نيران الضغينة والكراهية تحولها إلى حب بين الناس.

إن العلاقة الزوجية الناجحة الرابحة الكادحة اليوم في واقع مغاير بكل متغيراته وتحدياته ومشاكله المعاصرة، هي المحضن والسكن لتساهم في تخفيف ضغوط الحياة وتحمل الصعاب، يستريح فيها الناس من وعثاء “السفر”. والمعول دائما بعد توفيق الله عزوجل على الصبر والنفس الطويل حتى يثبت بناء وتترسخ أخلاق، وتلين طباع. والله أعلم.

– صحفي بأسبوعية عدالة مغربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *