وجهة نظر

زواج القاصر.. قد يكون جريمة معلقة على شرط

يعتبر الزواج أو الميثاق الغليظ من سنن الأنبياء والمرسلين، لقوله تعالى ” ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بأية إلى بإذن الله لكل أجل كتاب ” (سورة الرعد الأية 38)، وهو أية من آيات الله لقواه عزوجل ” ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم المودة والرحمة إن في ذلك لأية لقوم يتفكرون ” (سورة الروم الآية 21). كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الزواج لمن له القدرة على ذلك ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”.

وقد نص الفصل 32 من الدستور المغربي على أنه ” الأسرة القائمة على الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع…” والبين من النص الدستوري أن الزواج الشرعي، والمقصود به الذي جاء وفق قواعد الشريعة الإسلامية هو المعترف به، وهو الخلية الأساس لبناء الأسرة في المجتمع المغربي وبمفهوم المخالفة فإن أي علاقة غير شرعية لا يمكن أن تكون خلية لبناء المجتمع المغربي.

ولئن كان المشرع المغربي اعتبر أن كمال أهلية الزواج تكون باتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية طبقا للمادة 19 من مدونة الأسرة، فإنه إسثتناء من هذا الأصل أباح الزواج دون سن الأهلية المنصوص عليه أعلاه، ونظمه في المواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة.

حيث أنه لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 المذكور، بمعلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية، أو إجراء بحث اجتماعي.

وإذا كان الزواج في الشريعة الإسلامية تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة ” الواجب، المستحب، المباح، المكروه، الحرام” فإنه في القانون المغربي قد يكون زواج القاصر جريمة إذا اقترن بظروف معينة، حيث نص الفصل 1-2-503 من القانون محاربة العنف ضد النساء رقم 13-103 على أنه ” تضاعف العقوبة إذا ارتكب الإكراه على الزواج باستعمال العنف أو التهديد ضد المرأة بسبب جنسها أو قاصر أو في وضعية إعاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية.

لا تجوز المتابعة إلا بناء على شكاية الشخص المتضرر من الجريمة.

يضع التنازل عن الشكاية حدا للمتابعة ولآثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره”.

ويمكن إبداء الملاحظات التالية على المادة المذكورة أعلاه:

1-أن المشرع المغربي جرم الإكراه على الزواج باستعمال العنف أو التهديد وبمفهوم المخالفة فالإكراه القاصر على الزواج المجرد من العنف والتهديد غير مجرم، والسؤال المطروح هل يمكن تصور إكراه دون استعمال العنف أو التهديد؟و ماهي الحدود الفاصلة بين اكراه القاصر على الزواج المجرم وإكراه القاصر على الزواج غير مجرم، خصوصا وأن المشرع أخد بالمفهوم الواسع جدا في تعريف العنف ضد المرأة في المادة الأولى من القانون رقم 13-103 المذكور؟

2-أنه سيصعب إثبات إكراه القاصر على الزواج المقرون بالعنف والتهديد، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالعنف النفسي.

3-أن المشرع المغربي فعل حسنا عندما جعل جريمة إكراه القاصر على الزواج باستعمال العنف والتهديد من جرائم الشكوى، التي لا يمكن للنيابة العامة تحريك المتابعة فيها إلا بناء على شكوى من المتضرر، وهو من خلال هذا القيد حاول الحفاظ على الأسرة من الانهيار لأن تحريك المتابعة سيترتب عليه انهيار بنيان الأسرة، وضياع الأولاد إذا وجدو، فيكون المشرع أفسد من حيث يريد الإصلاح.

4-أن استعمال عبارة المتضرر في المادة المذكورة، تفيد أن لكل شخص تضرر من هذا الزواج تقديم شكاية وليس بضرورة أن يكون الزوج أو الزوجة.

ــــــــ

* باحث في العلوم القانونية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *