مجتمع

في مبادرة غير مألوفة.. “الكرابة” يوزعون الكتب بدل المياه في رمضان بمراكش (صور)

للمرة الرابعة على التوالي، يعيش المراكشيون، خاصة منهم سكان المدينة القديمة، مع ظاهرة غير مألوفة في يوم استثنائي أصبح يميز المدينة خلال شهر رمضان من كل عام، حيث يتحول الكراب (بائع مياه الشرب في الشوارع والأزقة)، إلى رجل ثقافي يوزع العلم المعرفة على الساكنة بدل المياه، في بادرة تلقى تفاعلا واهتماما متزايدا من طرف الشباب.

ففي أزقة المدينة القديمة لمراكش، يستعد عدد من مزاولي مهنة الكراب المهددة بالاندثار، بعد غد  السبت، إلى الخروج بين الناس وتوزيع حوالي ألف كتاب في مبادرة تحت اسم “كتاب الكراب” تشجيعا للقراءة، على أمل استرجاع الكتب يوم 17 أكتوبر المقبل بساحة الحارثي بالمدينة، في موعد سُمي بيوم الوفاء من أجل اختبار وفاء المراكشيين لوعودهم.

المبادرة تشرف عليها جمعية “شربة ماء” منذ 4 سنوات، حيث انطلقت المبادرة لأول مرة خلال رمضان 2015 (27 يونيو)، حيث لقي المشروع استحسان وتفاعل المراكشيين المستهدفين به، واستمر في نسخ متتالية كل عام، ليتوج هاته السنة يوم 26 ماي 2018 بنسخة رابعة، الجديد فيها تنظيم أنشطة ثقافية أخرى موازية، بشراكة مع مؤسسة “دار بلارج” الثقافية.

ياسمين فتاح، إحدى أبرز الناشطات في هذه المبادرة ومسؤولة التواصل بجمعية “شربة ماء”، قالت إن فكرة المبادرة تقوم على تحبيب الكتب إلى الناس عبر توزيعها عليهم وعلى المنازل بشكل جديد، وذلك من خلال الكراب الذي لا يشتغل خلال نهار رمضان بسبب صيام المغاربة، لافتة إلى أن المبادرة تلقى استحسانا كبيرا من طرف المراكشيين.

وأشارت في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن سكان المدينة القديمة وزوارها يتفاجؤون بمرور الكراب بلباسه الأحمر المميز، وهو يحمل “الكربة” المصنوعة من جلد الماعز، ويدق جرسه النحاسي خلال نهار رمضان، ليقوم بتوزيع الكتب بدل المياه، وهو ما يخلق حالة دهشة إيجابية بين الناس.

وأوضحت أن التحضير لهذا النشاط يستمر طيلة شهرين من الزمن، عبر دعاية إعلامية لتجميع 1000 كتاب بغية إعادة توزيعها، بتفاعل مقدر من طرف الإعلاميين والمسرحيين والمتتبعين، قبل أن يتم اختبار وفاء المراكشيين لتحديد موعد لإرجاع الكتب بساحة الحارثي.

وكشف المتحدثة أن “كتاب الكراب فكرة ولدت من رحم الحلم على أن يكون السقاء معرفة، وهو ما جعل الجمعية تجمع بين التراث والكتاب، في مبادرة أدهشت المتتبعين وكل من سمع بها، حيث الكراب يتجول في يوم رمضاني بأزقة المدينة العتيقة، والسقاء عبارة عن كتاب”

جديد النسخة الرابعة للمبادرة هو تنظيم ثلاث محطات ثقافية في نفس اليوم، وهي مكتبة قارة طيلة فترة الحدث بقلب ساحة جامع الفنا، وتضم مؤلفات وكتب مختلفة، لتنطلق بعدها على الساعة الرابعة مساء نفس اليوم، عملية التوزيع الكتب رفقة الكرابة، ثم الختم بإفطار جماعي وأمسية بـ”دار بلارج”، بهدف إعادة إحياء الإرث الثقافي المراكشي، وتسليط الضوء على العلاقة بين الكتاب وشباب اليوم، رفقة شخصيات في عالم الأدب.

ياسمين فتاح، اعتبرت في تصريحها لـ”العمق”، أن مبادرة “كتاب الكراب” تبتغي جعل مراكش مدينة ثقافية كما كانت في عهود سابقة وليس فقط مدينة البهجة والضحك والسياحة، لافتة إلى أن النشاط يرمي إلى تشجيع الشباب على القراءة والاهتمام بالكتب، ومحاربة العنف والشغب داخل المدارس، مع تسليط الضوء على مهنة الكراب وإعادة الاعتبار لها، وفق تعبيرها.

يُشار إلى أن مهنة الكراب أصبحت من المهن المهددة بالاندثار في المغرب، بعدما كانت مصدر شرب الناس خارج منازلهم في السابق، غير أنها تحولت اليوم إلى مهنة تعتمد على التسول أكثر منها تقديم خدمة شرب المياه الباردة، وهي تمثل جزءا من التراث المغربي، خاصة في ظل الزي التقليدي الذي يميز الكراب من خلال اللباس الأحمر المزين بأحزمة مصنوعة من الجلد، والأواني النحاسية من جرس وصنبور وكؤوس، إضافة إلى قبعة كبيرة من الصوف المزركش، وهو ما يجذب السياح المغاربة والأجانب لأخذ الصور ومنح الكراب بعض الدريهمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *