رمضانيات

“من الوهابية إلى الإسلام” .. لشهب: لما ساءت أخلاق الوهابية؟ (الحلقة 25)

ضمن هذا الشهر الكريم، نعرض عليكم متابعي جريدة “العمق” سلسلة جديدة مع الكاتب خالد لشهب يروي فيها تجربته من “اعتناق” مذهب بن عبد الوهاب إلى مخاض الخروج إلى رحابة الإسلام، بما يبشر به من قيم الجمال والتسامح والرحمة …

السلسلة هي في الأصل مشروع كتاب عنونه مؤلفه بـ «من الوهابية إلى الإسلام»، حيث يُحاول من خلال عرض تجربته بأسلوب يزاوج بين السرد والاسترجاع والنقد.

جريدة “العمق” ستعرض طيلة هذا الشهر الفضيل، الكتاب منجما في حلقات، يحاول من خلالها الكاتب نثر الإشارات التي قد تكون دافعا ووازعا لكثير من الشباب للخروج من ظلمة الوهابية إلى رحابة الإسلام عملا وظنا.

الحلقة 25: لما ساءت أخلاق الوهابية؟

لو أنك نظرت في أي دين لألفيت أن عصبه هو العرفان والتصوف، بل لا يمكن بالمطلق الحديث عن مسمى الدين خارج مفاهيم العرفان والتربية التي تزكي الفرد ليكون نافعا في محيطه قادرا على استحضار الله عز وجل في حركاته وسكناته حتى يستقيم حاله وخلقه بما يجعل المجتمع المتدين أقدر على صناعة الحياة. فالإسلام في جوهره كما في عشرات الأحاديث جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ولا يكفي لا الحيز ولا الزمن لسرد جملة من الأخبار التي يصل بعضها إلى حد التواتر يمدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم الرجل حسن الخلق؛ يقول صلى الله عليه وسلم : ” إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار “. ويقول أيضا مثالا لا حصرا: ” أثقل شيء في الميزان خلق حسن ” . ورغم هذا المدح العميم منه صلى الله عليه وسلم، ورغم تنبيهه صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى أنه إنما جاء لهذا الغرض، فقال صلى الله عليه وسلم:” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، بل وصل به الحد إلى نفي حقيقة الإيمان عن من أخل بهذا العنصر فقال عليه السلام: لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له”. ورغم هذا يتساءل الجميع لماذا المسلمون في مؤخرة الترتيب من الناحية الأخلاقية والمعاملات؛ حتى أصبح المسلم علامة على سوء الأخلاق والقيم، بدلا من صناعة الحياة والجمال هو أقدر اليوم على صناعة القبح والموت.

لقد فكرت وقدرت كثيرا في هذا الباب، وعدت إلى قراءة أديان العالم كما هي منشورة بصوتي على اليوتوب، فألفيت أن الشعوب كلها تقريبا تستطيع من خلال دينها أن تخلق الحياة والجمال والفضيلة حتى دون وعي منها، وألفيت أننا نحن في زمن ما كنا أيضا أقدر على صناعة الحياة والفضيلة والجمال؛ وهذا ظاهر في تراثنا المغاربي والأندلسي والشامي والفارسي وكل البقاع تقريبا التي خف فيها صوت العربية. ولما عدت إلى النظر في الشيء الجامع في هذا ألفيت أن عنصر التصوف والعرفان وثقافة الاختلاف حين كانت تسود الأمة الإسلامية كانت على الأقل تستطيع أن تصل إلى معدل محترم من الأخلاق والفضيلة والجمال في الكلام والشعر والموسيقى والنقوش واللباس والآفاق والحرية… لكن مع بروز التدين الجديد خاصة في شقه الوهابي لم تعد الأمة الإسلامية قادرة على إنشاء شيء وتلخص الدين في مظاهر وعقائد وأوامر ونواهي بلا أفق وبلا عنوان أفقدت التدين حلاوته والمجتمع تنوعه. ولهذا سيدرك أي ملاحظ أنك كلما اقتربت من أرض الحجاز إلا وغلظت الطبائع وضعف الوازع وقل التنوع في اللباس والكلام والجمال، والسبب في هذا هو الوهابية التي جنت على كل جميع وكل اختلاف حتى أعطتنا تلك المجتمعات الجافة والتي أصبحت مضرب المثل في سوء العمل والأخلاق. بل إن هذه النقطة بالذات عندي آية من آيات الله تعالى حيث يعطينا الله رسالة قوية بأنه ولي المؤمنين ولي الصالحين ولي المتقين ولي الصابرين ولا ولاية لأحد خارج هذا الوصف. في حين هناك من يريد أن يقنعنا بأن ساكني تلك البلاد أحق بولاية الله . قل فلم يعذبكم بذنوبكم.

وقد يسألني سائل عن علاقة الأخلاق بالتصوف والتشوف والعرفان، وأنه يكفي المسلم أن يطبق الأوامر والنواهي ليحقق مراد الله، فأقول وبالله التوفيق: إن الوهابية جنت على الإسلام يوم أعلت من شأن العقائد، وغالت فيها، وأنزلتها منزلة العصب في الدين، ووضعت التفريعات والتأصيلات التي ما أنزل الله بها من سلطان كما بينت في الحلقات السابقة، فادعت أن الناس يعبدون غير الله وكذبوا على الناس وعلى الله؛ حتى كفروا عموم المسلمين لظنون ظنوها ليس عليها اتفق المسلمون، ولكنهم بالمقابل أهملوا عنصر الأخلاق والمعاملات ولم ينتبهوا إليها، بل لم يؤلفوا فيها إلا ما جادت به أنامل العارف ابن القيم الجوزية. فجعلوا أن الأصل في الدين هو العقيدة وليست الأخلاق، ففضلوا المسلم سيئ الأخلاق على الكافر حسن الأخلاق تحت ذريعة الولاء والبراء التي ما رعوها حق رعايتها، فظن عوامهم أن صحة العقائد كافية للنجاة ففرطوا في المعاملات. كما أنهم رفعوا من شأن المظاهر حتى ما ينتبهون لعمل المرء وقلبه ولكنهم ينظرون لظاهره من لحية وقميص وتقصير ثياب ظنا منهم أن ذلك هو السنة، فالأخ عندهم هو الملتحي ولو ساءت أخلاقه، بينما ينظرون للحالق بريبة ولو حسنت أخلاقه؛ وما انتبهوا لما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم من العمل الحسن في الظواهر والبواطن؛ حتى ساءت أخلاق كثير من أصحاب اللحى واتهمهم عوام المسلمين. بل إنهم من سوء فهمهم للدين قالوا إن الإنسان يكفيه أن يخلص عقيدته لله ويؤدي الصلاة وليفعل بعد ذلك ما يشاء فهو أفضل حالا من الذي لا يصلي، حتى ركز العامة على ظواهر العبادات ولزوم المساجد ففسدت أخلاقهم ظنا منهم أن أداء الفرض وحده كاف.

إن فلسفة الأخلاق في الإسلام تقوم على نظرية معقدة سوف أوجزها هنا على أمل تفصيلها في مؤلف متفرد بهذا العنوان إن شاء الله تعالى. وتقوم هذه النظرية على جعل الإيمان به سبحانه هو الضامن لحسن أخلاق المؤمن، فالمؤمن وحده المقصود بخطاب الأخلاق في الإسلام وليس الإسلام كافيا؛ ذلك أن الإسلام إنما يقصد به في تفصيلات الكتاب والخبر ظاهر العبادات، والتي بها يحسب فقط الإنسان على جماعة المسلمين فيأمنونه ويأمنهم ويسلمون من يده ولسانه ويسلم هو من أيديهم ولسانهم، فالشهادة والصلاة والزكاة مثلا هي ظاهر العبادات، وأداؤها ضروري من جهة إعلان الإسلام. يقول الله تعالى: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم …” وضروري من جهة أعمق باعتبارها وسائل لتزكية النفس وتحقيق مسمى الإيمان. فالصلاة مثلا ليس أداؤها هو الفرض والغرض؛ فهذا قول الوهابية باطل وعليه روضوا العامة حتى أصبح العامي يؤديها وحسب كأنها ثقل عليه، والسبب هو تقديس الوسيلة حتى تفرغ من مقاصدها، فتجد الرجل يصلي وسيئة أخلاقه وأعماله لأن صلاته ما نفعته في شيء. فالصلاة لا تعدوا أن تكون وسيلة لتزكية النفس فيحصل الإيمان الذي يؤدي إلى تحقيق غاية التقوى، فتصبح التقوى هي الغرض الأساس لمراد الله عز وجل. يقول سبحانه: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين’ فالغاية ليس الدماء واللحوم ولكن الغاية أن تستحضر الله في حياتك. واستحضار الله هو غاية العبادات التي تتطلب نوعا من معرفة الله والتي طريقها التصوف والعرفان . فالذي يؤمن بالله سيعرف قدره فيتقيه ويستحضره في معاملاته وهذا هو للأسف ما نفتقده اليوم بين المسلمين.

إن الله تعالى عندما عرف التقوى قال: ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون” فخشية الله بالغيب واستحضار الآخرة إيمان به سبحانه به تتحقق التقوى التي سببها ظاهر العبادات والوسائل من صيام وصدقة وصلاة. فهلا أفهمنا الناس أن الذي يستحضر الله هو المحقق مقصد الله وليس الذي يؤدي ظاهر العبادات وحسب . فبسوء الفهم الأعوج هذا من تقديس الوسائل وإغفال الغايات أصبحنا نرى الكوارث من مساومات في الذكر والصلاة حتى يقول لك واحد منهم قل هذا ولك كذا وكذا من الحسنات افعل هذا ولك كذا وكذا في الجنة …وهذا من الجهل البئيس عافانا الله وإياكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *