مجتمع

“التعذيب” في السجون يثير جدلا بين مندوبية التامك والبيجيدي

أثار موضوع “التعذيب” داخل سجون المملكة، جدلا بين حزب العدالة والتنمية والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وذلك بعدما اعتبر البيجيدي أن معاناة العديد من السجناء ما تزال مستمرة مع مظاهر التعذيب المتواصلة في السجون، وهو ما جعل مندوبية التامك تصدر بلاغا شديد اللهجة هاجمت من خلاله أحد برلمانيي الحزب الحاكم.

ونفت المندوبية في بلاغ لها اليوم الثلاثاء، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، أن يكون التعذيب لا يزال مستمرا في السجون، مؤكدة أنها “ملتزمة كامل الالتزام بمواصلة العمل من أجل تنفيذ استراتيجيتها في تأهيل المؤسسات السجنية وأنسنة ظروف الاعتقال بها والحفاظ على أمنها وسلامة نزلائها”.

واعتبرت المندوبية أن ما أثير من وجود تعذيب بالسجون، هي “ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وفاقدة للمصداقية وغير مسؤولة”، موضحة أن هذا الموضوع ورد على لسان أحد النواب البرلمانيين المنتمي إلى حزب من الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، وهي “جهة من المفروض فيها أن تتحلى بالمسؤولية والنزاهة في ما تدلي به من تصريحات”، وفق البلاغ.

العصا والتعليق والغرز

يأتي ذلك بعدما قال محمد بنجلول البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، إن “مظاهر التعذيب في السجون متواصلة، ومنها الضرب بالعصا والأنابيب البلاستيكية والتعليق بواسطة الأصفاد لمدة طويلة وغرز الإبر والصفع، وذلك استنادا إلى تقرير للمجلس الوطني لحقوق الانسان”.

وأوضح بنجلول خلال جلسة الاسئلة الشفهية بمجلس النواب، أمس الاثنين، أن ناصر الزفزافي قائد حراك الريف المعتقل بسجن “عكاشة” بالدار البيضاء، ما يزال في سجن انفرادي بعد أكثر من سنة على اعتقاله، مشيرا إلى أن الرأي العام ينتظر التوضيحات اللازمة إزاء شكايات التعذيب داخل السجون.

وأشار المتحدث إلى أن المعتقل توفيق بوعشرين مدير نشر جريدة “أخبار اليوم”، يطالب منذ ثلاثة أشهر بطبيب لتلقي العلاج، دون جدوى مكتفيا ببعض المسكنات فقط، لافتا إلى أن الفسحة التي يستفيد منها تتم مع الحراس دون احترام المسافة القانونية المطلوبة، إلى جانب حرمان عدد من السجناء من إرسال رسائل إلى أسرهم، وفق تعبيره.

“انشغالات سياسوية ضيقة”

“السجون” اعتبرت أن هذه “الادعاءات توجه اتهامات بالغة الخطورة إلى قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج، بهدف المس بسمعته والتشويش على العمل الجبار الذي يقوم به من أجل أنسنة ظروف اعتقال النزلاء وتأهيلهم لإعادة الإدماج”، مشددة على أنها وضعت كل المعدات والمساطر الخاصة بتلقي الشكايات ومعالجتها بشكل يضمن للنزلاء حق التشكي.

وهاجمت المندوبية حزب رئيس الحكومة، معتبرة أن “هذه الجهة (البيجيدي) تبخس عملها كمؤسسات تضطلع بمهامها من أجل حماية الحقوق المضمونة قانونا لنزلاء المؤسسات السجنية، وذلك بتجاهلها لعمل كل هذه الآليات الرقابية المؤسساتية”، متهمة الحزب بأنه “أظهر أنه مدفوعة فقط بانشغالات سياسوية ضيقة جعلته يركز على حالتين فريدتين، غير عابئة بباقي النزلاء”.

وذكر البلاغ أن المندوبية سبق لها أن نبهت إلى خطورة هذا التمييز أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب بمناسبة تقديم الميزانية الفرعية للقطاع، وأن إدارتي السجنين المعنيين سبق لهما ان تفاعلتا مع الرأي العام بخصوص النزيلين المعنيين، وأوضحتا أنهما يستفيدان من كل الحقوق التي يضمنها القانون لهما، شأنهما في ذلك شأن جميع النزلاء بالمؤسسات السجنية.

المندوبية “قطرت الشمع” على العثماني، مشيرة إلى أنه “رغم عدم تلقيها الدعم الكافي من الحكومة سواء في ما يخص الوسائل المادية والبشرية لممارسة اختصاصاتها على الوجه الأمثل، أو في ما يتعلق بالرد على الادعاءات والاتهامات المجانية التي تستهدفها من جهات من المفروض منها على الأقل التحلي بروح المسؤولية وتوخي المصداقية في خطابها، فإنها ملتزمة بتنفيذ استراتيجيتها في تأهيل المؤسسات السجنية وأنسنة ظروف الاعتقال بها”.

مراقبة السجون

وقالت في بلاغها إنه “من المفروض في الجهة التي تروج لمثل هذه الادعاءات العلم بأن المؤسسات السجنية تخضع قانونا لمراقبة مجموعة من الآليات المؤسساتية الداخلية والخارجية، مشيرة إلى أنه على المستوى الداخلي تقوم المفتشية العامة التابعة للمندوبية العامة بأبحاث وتحريات في كل الشكايات الصادرة عن السجناء أو ذويهم أو عن مؤسسات أخرى أو جمعيات حقوقية، واتخاذ الإجراءات الضرورية بشأن نتائجها”.

فعلى مستوى المراقبة المؤسساتية الخارجية، يضيف البلاغ، تخضع المؤسسات السجنية لمراقبة السلطة القضائية ممثلة في النيابة العامة ووكيل الملك لدى المحكمة العسكرية وقاضي التحقيق وقاضي الأحداث والمستشار المكلف بالأحداث، ورئيس الغرفة الجنحية، بالإضافة إلى اللجنة الإقليمية لمراقبة السجون.

وأوضحت أن المجلس الوطني لحقوق الانسان ولجانه الجهوية، يقومون بزيارات مستمرة وتلقائية للمؤسسات السجنية، وتتفاعل المندوبية العامة مع ملاحظاته وتقاريره وتنظر بشكل فوري في كل الشكايات التي يحيلها عليها، مؤكدة انفتاح المندوبية على الجمعيات الحقوقية الجادة، وذلك بالترخيص لها بزيارة النزلاء بالمؤسسات السجنية ووضع مذكرات تفاهم تخص منحهم المساعدة القانونية وتنظيم ورشات تكوينية لفائدة موظفي القطاع من أجل الوقاية من التعذيب وسوء المعاملة بالمؤسسات السجنية.

وأشار البلاغ إلى أن لجنة استطلاعية برلمانية سبق أن زارت بعض المؤسسات السجنية ونوهت بالمجهودات المبذولة من طرف القطاع من أجل أنسنة ظروف اعتقال النزلاء، مبرزا أن المندوبية العامة “ترحب بكل الطلبات الواردة عليها من البرلمان بغرفتيه بخصوص تنظيم زيارات استطلاعية مماثلة”.

وترى مندوبية التامك، أن “المؤسسات السجنية تستقبل من حين لآخر منظمات دولية تربطها علاقات تعاون وشراكة مع المندوبية العامة في إطار زيارات تؤكد خلالها المجهودات المبذولة بها من أجل أنسنة ظروف اعتقال السجناء وتأهيلهم لإعادة الإدماج، وأن التقارير الأخيرة التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص وضعية حقوق الإنسان تشيد بالمجهودات التي تبذلها المندوبية العامة من أجل ضمان حقوق السجناء وتحسين ظروف اعتقالهم وتدبير المؤسسات السجنية”.

“تعذيب” الزفزافي

وأثارت تصريحات قائد حراك الريف، ناصر الزفزافي، التي كشف فيها تعرضه لـ”التعذيب والاغتصاب”، خلال إحدى جلسات محاكمته، مخاوف كثير من الفاعلين الحقوقيين والسياسيين من عودة ما يسمى في المغرب بـ”سنوات الرصاص”، حيث واتهم الزفزافي الذي يتابع ويحاكم رفقة أكثر من 50 من نشطاء “حراك الريف” الموقوفين بتهمة “المس بالسلامة الداخلية للمملكة”، وهي تهمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن مدى الحياة، أجهزة الأمن بتعذيبه واغتصابه، ما أثار جدلا واسعا.

واعتبر دفاع الزفزافي، أنها “ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها ناصر عن المعاملة العنيفة والقاسية والمهينة والماسة بالكرامة، التي كان ضحيتها أثناء إيقافه ونقله واحتجازه لدى الشرطة”، فيما أوضح أحد محاميه بالقول: “لقد سبق أن عرض على النيابة العامة خلال تقديمه أمامها آثار العنف الذي تعرض له خصوصا الجروح الظاهرة في رأسه وأسفل عينيه وظهره، وسبق كذلك أن بينت الخبرة الطبية التي أمر بها قاضي التحقيق، وكذلك الخبرة التي أجريت تحت إشراف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حقيقة تلك الآثار وخطورتها”.

وطالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بفتح تحقيق عاجل في شأن “كل الخروقات” التي صرح بها معتقلو حراك الريف أمام المحكمة، خاصة قائد الحراك ناصر الزفزافي، معتبرة أن ما كشفه المعتقلون عن تعرضهم لـ”انتهاكات” أثناء اعتقالهم والتحقيق معهم وفي داخل السجن، هي “أفعال يجرمها القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي المغربي”.

وكان قائد حراك الريف ناصر الزفزافي، قد أعلن خلال رمضان دخوله في إضراب عن الطعام تحت شعار “اللاعودة”، وذلك احتجاجا على التماطل في تنفيذ وعود قدمت له بإعادة وضعه مع أصدقائه المعتقلين، بعدما قضى قرابة سنة داخل زنزانة إنفرادية، قبل أن يوقف إضرابه بعد أيام إثر وعود بتحقيق مطالبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *