منوعات

خالد يايموت يكتب.. الخلاف القطري الإماراتي بالمغرب

قبل أشهر قليلة، خاضت صحف ومواقع اليكترونية مغربية ، حملة شعواء على قطر واتهمتها بأنها تخوض حربا لزعزعة استقرار المغرب. ورغم أن الحملة آنذاك كانت مركزة، إلا أنها أدت إلى حد ما “المهمة الدبلوماسية”، التي من أجلها أطلقت. واليوم تعود جريدة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله اللبناني، لنشر وثائق معينة، تزعم أنها لسفارة الإمارة بالمغرب؛ تكشف الصراع بين أبوظبي والدوحة بالمغرب.

في الواقع، إن العلاقات المغربية الخليجية، تعيش منعطفا حقيقيا؛ ساهمت في خلقه مجموعة من العوامل الإقليمية والدولية والداخلية لدول الخليج والمغرب. ومن هنا فإن الخلاف الإماراتي القطري، هو “صراع” إستراتيجيتين مختلفتين من حيث منظورهما لدور المغرب، وموقع الرباط في الشراكة المزمع عقدها بين الطرفين؛ والتي ستسمح للمغرب والخليجيين، بتطوير مصالحهم، وكذلك مصالح شركاتهم ( خاصة شركات الأمراء) بكل من إفريقيا، وأوروبا. وعليه وجب فهم الصراع القائم ضمن معادلة “مناطق النفوذ”؛ حيث تعتبر الإمارات المغرب منطقة “محفوظة”، تعرضت لكثير من القضم من قطر منذ 2012.

أكثر من ذلك، تبين أن التحول في العلاقات المغربية القطرية ناتج عن رؤية استراتيجية مغربية ، تدور في إطار حرب الطاقة في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. وهنا كان المغرب في حاجة لقطر وراهن عليها، في خلق شراكات في هذا المجال؛ خاصة وأن الرباط بلورت رؤية مستقبلية في مجال الطاقة، ضمن استراتيجية 2021م. وهذه الحاجة المغربية ساعدت القطريين على ربح مساحة اقتصادية/ سياسية أكبر مع الرباط؛ كما ربطت السياسة المغربية، التحول الطارئ في العلاقات الخليجية الخليجية والمغرب، بإستراتيجيتها الجديدة بإفريقيا، ودورها الوسيط بين أوروبا وإفريقيا.

وفي الوقت الذي عمل فيه المغرب على خلق توازن خليجي خليجي، خصوصا بعد الأزمة المالية التي ضربت كلا من الإمارات والسعودية؛ وتأثر الأزمة، على  الرياض وأبو ظبي وجعلهما غير قادرتان على الوفاء ببعض الالتزامات المالية، والاستثمارية، التي قطعتها مع الرباط. ولأن الدوحة ظلت تتمتع بتوازن مالي، في وقت تراجعت فيه أسعار النفط، وارتفع فيه الطلب العالمي على الغاز القطري؛ فقد استطاعت قطر دخول مجال في غاية الأهمية بالمغرب، وهو مجال الطاقة -الريحية- 2015، مما شكل قفزة نوعية لشكل التعاون بين البلدين.

وفي هذا السياق، يأتي الدعم  القطري الكبير للمشروع المغربي النيجيري المتمثل في بناء أنبوب للغاز يصل أبوجا بالمغرب وأوروبا. و يأتي الانخراط  القطري ( يبدو أن الانخراط المطروح على المغرب، مالي ولوجيستيكي)، واهتمام الدوحة بالمشاركة في المشروع، لسببين: الأول، توسيع دائرة استثمارها وشراكاتها في مجال الغاز، وهو مشروع يمتد ليصل إفريقيا وآسيا وأوروبا. ثانيا تعتزم قطر ربط هذا المشروع بأهدافها من إقامة مصفاة للغاز قبالة السواحل الإيطالية، وهي بذلك تريد، قطع الطريق على الغاز الروسي بأوروبا، وفي الوقت نفسه، منافسة الجزائر. ومن هنا حاجة السياسة القطرية للتعاون وخلق نوع من الشراكة الطاقية مع المغرب. من جانب أخرى، يتمثل التقدم الحاصل بين البلدين في مجال التعاون الأمني والعسكري، جانبا نوعيا، يقوي العلاقات بين الطرفين. يبدو أن هذا التطور السريع والواسع،  أزعج بعض الأطراف الخليجية أي الإمارات والسعودية.

يمكن كذلك أن نقول، أن العلاقات المغربية القطرية، اتخذت في السنوات الأخيرة بعدا شموليا، حيث وقع الطرفين عدد مهم من الاتفاقيات، وخطاب نوايا، ومذكرات، وبروتوكولات تفاهم، في قضايا تهم التجارة، النقل والبحث العلمي، الجانب الضريبي، الفلاحي، البيئة، الثقافي، العلمي، القضائي، والطاقة…

وانطلاقا من وعي المغرب بالتناقضات الخليجية، وتأثرها بطبيعة التحولات الدولية والداخلية، حرصت الدبلوماسية الملكية، على تثبيت نهج التوازنات -وهو نهج جديد- من خلال قضايا مهمة، منها قضية حصار قطر، كما يبدو أن المغرب لعب دورا مهما في قضية رفيق الحريري؛ كما سعى المغرب على إعادة الدفئ للعلاقات مع السعودية، بعد أن عرفت في النصف الثاني من سنة 2017، توترا صامتا بين البلدين…

خلاصة

هذا التحول الذي حدث والذي مس النسق القائم في العلاقات الخليجية المغربية؛ هو وليد تطور، حتم خلق توازنات جديدة لم تكن في صالح الإمارات العربية المتحدة؛ فقد رغبت الإمارات طيلة 2015 و 2016 في إقامة أبناك إماراتية خالصة بالمغرب في إطار الأبناك التشاركية؛ غير أن هذه الرغبة لم تتحقق، مما أثر على مشروع الإمارات  الخاص ببناء شبكة أبناك بإفريقيا، انطلاقا من المغرب.

ويبدو أن مجموع هذه التحولات، دفع أبو ظبي لنهج سياسة تقوم على المنافسة عوض الشراكة مع المغرب بإفريقيا. بل وصل الصراع لمناطق النفوذ التاريخية للمغرب، أي غرب إفريقيا؛ حيث تشهد المنطقة حاليا تناقضات في المصالح، بين الإمارات والسعودية، وبين هاتين الدولتين وقطر.  وهذا بدوره يعني صعوبة تحقيق الشراكة الخليجية المغربية بإفريقيا والتي كانت موضوع تفاهمات منذ سنة 2014.

وأمام هذه التناقضات، يبقى المغرب ملزما بالاستمرار في سياسته الجديدة القائمة على التوازن بين مختلف الأطراف الخليجية؛ كما أنه ملزم ولظروف برغماتية، و موضوعية بتطوير علاقته بقطر، خاصة وأن الدوحة تؤيد وتدعم بشكل قوي، تحول المغرب لمنطقة عبور، وتخزين الغاز الطبيعي. مما يقوي من فرص تطبيق مذكرة تفاهم للتعاون في مجالات النفط والغاز والطاقة المتجددة والكهرباء وكفاءة استخدام الطاقة، الموقعة بين المغرب وقطر سنة 2016.

خالد

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *