وجهة نظر

ثنائية إسرائيل العنصرية/انتخابات الكنيست: إلى متى؟!

(1)

مما رصدته وعلى مدار سنوات طويلة، انه ومع كل زوبعة صهيونية جديدة والتي كان آخرها قانون القومية غير المسبوق عنصرية وفاشية وفجورا، ترتفع اصوات البعض من جماهيرنا العربية مطالبة بشكل خاص باستقالة النواب العرب، وموجهين اللوم لهم، وكأنهم الذين يتحملون المسؤولية الكاملة عن عنصرية اسرائيل منذ وُلدت سفاحا وحتى اليوم، بدل أن يوجهوا يهام غضبهم في اتجاه صناع العنصرية ودهاقنة الفاشية الصهاينة..

اقول سلفا أنني لا أقدس في هذه الحياة الا ما قدَّسه الله ورسولُه، كما لا أجهل الفرق بين الغاية والوسيلة.. الإجماع منعقدٌ في مجتمعنا العربي الفلسطيني أن العمل البرلماني في إسرائيل هو وسيلة لا غاية، فهو بهذا خاضع لمبضع التشريح والتحليل بدون أدني شك.. ولكن …

(2)

استغرب من بعضِ بني قومي في الداخل الفلسطيني من الذين تَحَوَّلَ مطلبهم لاستقالة نواب القائمة المشتركة في الكنيست، الى هوس قهري، أشبه بثأر يصرخ في داخلهم حتى جعل تعليقاتهم المتطاولة على هؤلاء النواب العرب من على صفحاتهم على الفيس بوك وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، نارا تلظى لا يحظى بمثلها نتنياهو وليبرمان في اكثر احلامهما كابوسية..

لست مع استقالة النواب العرب، بل أدعو الى تعزيز وجودهم في الكنيست ومضاعفة عددهم في الانتخابات القادمة إن أمكن، والرفع العميق لكفاءتهم، والتجديد الدائم في وسائلهم، والابداع المستمر في أنماط نضالهم، والشحذ القوي وغير المنقطع لهممهم، ولا بأس ايضا من الضخ الدوري للدماء في عروقهم، حتى يظلوا كابوس نتنياهو والصهاينة الذي ينغص عليهم حياتهم، فمن يتابع ما ينفثه نتيناهو وحلفاؤه من اليمين وبعضٌ من صهاينة المركز، من نار الحقد والبغضاء لنوابنا العرب، وما تغلي به صدورهم من احقاد وكراهية لهم، لا يمكن الا ان يرفض بكل قوة تطاول الاخوة في الدين والعروبة والفلسطينية على نوابنا الذين كانوا وما زالوا وسيظلون شوكة في حلق الكارهين لنا ولشعبنا وامتنا، كما وسيبقون المرابطين في خندق المواجهة الأول، والحراس على خطوط التماس المتقدمة مع صناع العنصرية والابرتهايد والدمار والموت..

لست مع استقالة رؤساء البلديات والمجالس، بل أدعو إلى تعزيز وجودهم ورفع مستوى أدائهم، ونقل مجتمعاتنا إلى عالمٍ مميز في الإدارة من حيث الكفاءات والمهارات، ومن حيث الالتزام بقواعد العمل البلدي المرتكز إلى ثقافة جديدة متحررة من كل المعوقات التي توارثناها في مجتمعاتنا كابرا عن كابر..

لست مع التشكيك الدائم بلجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، ولا في اللجنة القطرية للرؤساء، ولست مع ان نطالبهم بما نعلم مسبقا انه من المستحيل واللامعقول! أنا مع ان تظل هاتان المؤسستان الوطنيتان على اعلى درجات الجهوزية المهنية والمعنوية والمادية لمواجهة طوفان العنصرية الداهم، وأؤيد أن توقعا ميثاق شرف مع الجماهير العربية يحدد خريطة العلاقة بين الشركاء بما في ذلك برامج العمل وميادين النضال المختلفة ومجالاته.. كما أنني مع التفكير الجدي والمعمق في البدائل المطروحة لبناء هاتين المؤسستين وخصوصا لجنة المتابعة العليا على أسس جديدة تجعل من العلاقة مع الجماهير أكثر قوة ومتانة، والصلة بينهما أكثر التصاقا..

لست مع استقالة منظمات المجتمع الأهلي، بل أدعو إلى تعزيز عملها، وتنويع اختصاصاتها، وتعميق مهنيتها، ورفع كفاءتها..

لست مع استقالة الشعب من التاريخ، بل أدعو إلى تعزيز ثقته بالله، ثم ثقته في نفسه وقدرته على مواجهة التحديات والمخاطر مهما بلغت، وتنظيم صفوفه، وحشد قواه وكفاءاته، واستكشاف الكامن من إمكاناته وطاقاته مادية كانت او بشرية، من أجل تحقيق أهدافه العليا وغاياته العظمى..

(3)

لست مع (العدميين) الذين يُصِرُّون من خلال (زعيقهم!!) على وضع خيارات المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل واجتهاداته المختلفة، في حالة من الصراع التي لن تخدم الا المشروع الصهيوني، مهما ادعوا – واهمين – غير ذلك، والذين يحرصون على أن يدخلونا في نفقٍ مظلمٍ من التخوين والتخوين المضاد، والعمالة والعمالة المضادة، والاسرلة والاسرلة المضادة، والصهينة والصهينة المضادة، بدل الحرص على تعزيز الرأي والرأي الآخر، في إطارٍ من الثقة والاحترام المتبادَلَيْنِ!!

انا مع ان تتعانق كل هذه الخيارات والاجتهادات المختلفة مهما نأت عن بعضها أو اقتربت، وأن تتكامل وأن يخدم بعضها بعضا، وان تدفع في اتجاه واحد ووحيد هو محط اجماعنا كجماهير عربية فلسطينية فخورة بماضيها وحاضرها ومستقبلها، وهو أنه لا خيار امامنا إلا وحدتنا الوطنية، والتي تحت رايتها نخوض معركة الوجود والهوية والحقوق على كل مستوياتها التكتيكية والاستراتيجية، نثريها من خلال اختلاف الواننا واتجاهاتنا واطيافنا..

فهل يختلف على ذلك أحد؟!!

(4)

انا لا أقيم وزنا ولا كوزن ورقة البصل (مع الاعتذار للبصل طبعا) للخرافة التي تتردد على السنة البعض من ان الوجود العربي في الكنيست يساهم في تلميع الوجه المسخ للديموقراطية الإسرائيلية.. إن وجودنا كعرب فلسطينيين في إسرائيل، وكل ما نمارسه من أشكال النضال السلمي وعلى جميع المسارات المتاحة، والذي نشد فيه الحبل الى نهايته دون ان نقطعه، ونندفع فيه الى حافة الهاوية دون ان نسقط فيها، يستعمله الصهاينة أيضا للترويج لديموقراطيتهم (الفريدة!!) أمام دول العالم، فهل سنستقيل من وجودنا، ونوقف كل أشكال نضالنا، حتى نسحب الذريعة من يد إسرائيل؟!!!!!!!!

يبني هؤلاء المحترمون (أقولها صادقا، فليس بيني وبينهم خلاف شخصي أبدا)، نظريتهم على منطق غريب، فهم يَعزون (الجمود!!) في حراك جماهيرنا الفلسطينية في الداخل إلى وجود النواب في الكنيست، فيدَّعون (ويا لغرابة ما يدَّعون اليه) ان استقالة النواب العرب من الكنيست ستُفَرِّخُ فورا قيادة جديدة وبديلة (أنا لا أدري اين هي الآن، فلعلها من جنس محمد بن الحسن العسكري الغائب في السرداب!!)، تكون على مستوى التحديات، تنطلق فورَ الاستقالة ل – (تحررها من المية الى المية!)..

سؤالي البسيط هو: لماذا لا تَتَوَلَّدُ هذه القيادة فورا ولو قيصريا من خاصرة جماهيرنا العربية، ولماذا لا تخرج من مخبأها السري لتقود هذا الحراك وربما الثورة التي يتخيلون، وليحققوا المعجزة التي يتصورون، بدون أية علاقة باستقالة النواب العرب او عدمها؟!! لماذا ينتظرون الاستقالة حتى يبهجونا بظهورهم الميمون؟!!

إن نجحت هذه القيادة السرية فيما فشلت فيه القيادة الحالية وعلى كل مستوياتها، فسَتنفَضُّ الجماهير العريضة تلقائيا من حول هذه القيادة (المهترئة!!) كما يسميها بعضهم، وتخلو الساحة بذلك للقيادة الجديدة التي ستهرول الجماهير وراءها راضيةً غير مكرهة، مقبلةً غير مدبرة..

أما انا فسأكون أول المهرولين وراءها، مُسَلِّماً لها القياد، ومستسلما بين يديها كاستسلام الميت بين يدي مغسله.. (بسْ يتفضلوا وخلصونا!!)..

(5)

أما أن يشترط هذا الرهط من قومنا استقالة النواب العرب أولا من اجل ان يتحقق ذلك، فهم إن أصروا على هذا المطلب أحد ثلاثة فِرَق.

الأول، متحامل على النواب العرب إلى درجة الحقد (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، فهم بموقفهم هذا يعبرون عن أيديولوجية فشلوا في فرضها سلما، فهم يحاولون مستميتين فرضها (بطلجيةً) ولو شفويا في المرحلة الأولى، وهؤلاء لا يجدي الحديث معهم أو نقاشهم، ولن يكون ذلك الا كالنفخ في الرماد أو كالصراخ في واد..

الثاني، قوم صادقون في نواياهم، يُعَبِّرون عن قناعات نحترمها، ولا مناص من إجراء حوار هادئ معهم في إطار مؤسساتنا الوطنية، حتى نصل وإياهم الى تفاهمات يتعايش معها الجميع..

هؤلاء لا تنازل عنهم بحال، فهم مثلنا تماما يؤمنون بالحوار الصادق، ويقبلون بالحسم الديموقراطي، ولا يمكن ان يكونوا مع إلقاء (الطفل مع الحليب!!) جملة..

أما الثالث، ففريق شعاره: “لا يعنيني” أو “تخرب مالطة، وانا مالي” أو ” خلوني في حالي، اللي فيني مكفيني”!!! هؤلاء إخوة أعزاء لنا واجبنا تجاههم إجراء حوار مجتمعي معهم لعلنا ننجح في إخراجهم من حالة السلبية التي استسلموا لها، ليكونوا جزءا من الحراك البناء في المجتمع، منطلقين معهم من القاعدة أن الصراع مع عنصرية إسرائيل لا يحتمل الحياد او اللامبالاة، بل يفرض على الجميع القيام بدورهم في الدفاع المشترك عن حياضنا كل حسب قدرته وطاقته..

(6)

بقدر اصراري على ضرورة تعزيز الوجود العربي في الكنيست ومضاعفة عدد النواب في الانتخابات القادمة إن أمكن، فأنا أصر بدرجة اكبر على ما يلي:

اولا، عدم قصر النضال ضد العنصرية الصهيونية المتنامية والمتعاظمة باستمرار، على المسار البرلماني فقط، بل المضي بأقصى طاقة على كل المسارات المتاحة داخليا وخارجيا، جماهيريا وقانونيا وإعلاميا، جنبا الى جنب مع المسار البرلماني.. لا، لاختزال وسائل النضال وأدواته في العمل البرلماني فقط، فهو واحد من المسارات المهمة جدا، لكنه لا يُغني عن غيرها.. وهذا ما تبنته الحركة الإسلامية منذ نشأتها، فهي لم ولن تختزل نضالها وخدماتها التي تقدمها لشعبنا في كل أماكن تواجده، في مسار واحد، فهي تخدم على عشرات المسارات كما لو ان مسار النضال البرلماني غير قائم، لأنها تعلم ان المسارات وأشكالها من المتغيرات، بينما تظل الأهداف ثابتة لا تتغير.

ثانيا، التقييم الدائم والمستمر والمعمق والشجاع لمسيرة النضال العربي في الداخل على كل مساراته بما في ذلك المسار البرلماني، حرصا منا على ان تظل حيًّةً متجددة ومؤثرة وفعالة ما استطعنا الى ذلك سبيلا، على اعتبار أن هذه وسائل لتحقيق الغاية وليست الغاية نفسها، فالغاية ستبقى دائما (أن نكون، أو لا نكون)، بكل ما تعني الكلمة من معاني لا تخفي على كل نجيب، ولا تغيب عن ذكاء كل أريب..

ثالثا، المضي في الرفع العميق والدائم لكفاءة النواب العرب وطواقمهم وأحزابهم ومؤسساتهم، والتجديد الدائم في وسائلهم، والابداع المستمر في أنماط نضالهم، والشحذ القوي وغير المنقطع لهممهم، ولا بأس ايضا من الضخ الدوري للدماء في عروقهم، بهذا نكون قد وجهنا بوصلتنا في الاتجاه الصحيح، فلا تتيه سفننا المبحرة وسط امواج بحار التحديات المتلاطمة، ولا تنقصف راياتنا أمام رياح الاخطار العاصفة..

(7)

وصدق أحمد الشقيري – رحمه الله – حين قال:

“علمونا في المدارس بيت الشعر القائل:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ

لكن لم يعلمونا أبيات الشعر القائلة:

تجري الرياح كما تجري سفينتنا نحن الرياح ونحن البحر والسفن ُ

إن الذي يرتجي شيئاً بهمّتهِ يلقاهُ لو حاربَتْهُ الانسُ والجن

فاقصد الى قمم الاشياءِ تدركها تجري الرياح كما رادت لها السفنُ

الأول يدعو للرضا بالواقع، والأخريات تدعو لصناعة الواقع”…

وللحديث بقية..

* الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *