مجتمع

“العمق” تحاور سلفيا مصريا تحول من الإسلام إلى الإلحاد .. لماذا؟

يكشف الملحد المصري المثير للجدل، أحمد (حسين) حرقان، تفاصيل تحوله من الإسلام إلى لاديني، وكيف تغيرت قناعته من الدفاع عن الإسلام إلى رفضه والدعوة إلى الخروج منه.

حواره: الطيب اللعبي

وفي مايلي تفاصيل الحوار:

ولدت في الإسكندرية (مصر)، وترعرعت في عائلة “من مدرسة سلفية في غاية التشدد”، ما هو تأثير ذلك في علاقتك بالدين؟ وهل يمكنك أن تحدثنا قليلا عن هذه البيئة التي نشأت فيها؟

عندما كنت طفلا صغيرا كنت أحمل كل أفكار أبي وأمي كمسلمات لا نقاش فيها .. إيمانٌ أعمى بهذه الأفكار طول الوقت. البيئة التي نشأت فيها كان الدين محور حياتها، وكأنهم نذروا أنفسهم لخدمة فكرة الخلافة الإسلامية، أنا بالضرورة كنت في نفس درجة الحماس لهذه الفكرة بل أكثر تحمساً من أبي وأمي.

كانت الشكوك في الدين تروادني رغم ذلك وكنت أهرب منها دائماً بمزيد من العبادة وطلب (العلم).

أراد والديك أن تكون “عالما” (بالمنطق الديني) فسافرت، وأنت في عمر الزهور، بمعيتهما إلى المملكة العربية السعودية لدراسة “العلم الشرعي” في المسجد الحرام وبالضبط في معهد الحرم، أيمكنك أن تحكي لنا عن هذه الفترة؟ عن الشيوخ الذين درست على أيديهم وعن الدروس التي تلقيتها؟

من أبرز المشايخ الذين تربيت على أيديهم؛ الشيخ محمد صالح بن عثيمين، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ عبد الله بن غديان، والشيخ صالح اللحيدان، والشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، والشيخ عبد الرحمن بن عبد الله العجلان، وهذا الأخير لازمته فكنت أجلس في حلقته في الحرم المكي يومياً.

صرت سلفيا وتتلمذت على يد الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس جمعية “الدعوة السلفية”، لمدة تسع سنوات. ما هي طبيعة العلاقة التي ربطتك بهذا الشيخ؟ وما أبرز المواقف التي جمعتك به؟

كانت علاقتي به طيبة جداً تصل إلى درجة الصداقة، وكان يعرف عائلتي وكنت أتردد إليه كثيراً وعندما كنت في السعودية كنت ألتقيه عندما يعتمر أو يحج (وكثيراً ما كان يعتمر وكان يحج كل عام) حججنا سوياً وكنت أحبه وأحترمه كثيراً وما زلت.

أصبحت عضوا فعليا في جمعية “الدعوة السلفية”، ما كانت صفتك داخلها؟

كنت أحد كوادر هذه الدعوة السلفية وإمام في مسجد عبد العزيز البرماوي وهو أحد أهم مساجد الدعوة السلفية بالإسكندرية. كما كنت أحضر الجلسات الخاصة المتعلقة بالعمل المنظم داخل الدعوة السلفية من أجل نشر الدعوة والسعي إلى أسلمة مصر تمهيداً للخلافة الإسلامية المنتظرة والتي وعد الله بها المسلمين حين يتمسكون بدينهم.

بفعل عضويتك في الجمعية صرت إمام راتب في أحد المساجد التي كانت تحت رعايتها وهو “مسجد البرماوي” بالسيوف (الإسكندرية – مصر). أيمكنك أن تحكي لنا عن هذه التجربة؟

كانت بالنسبة لي تجربة لطيفة وكنت محبب (للإخوة) داخل المسجد وكنا نقضي أوقاتاً طيبة في المسجد خصوصاً في رمضان.

هل انضممت ذات فترة إلى جماعة الإخوان المسلمين؟

لم أنضم يوماً إلى جماعة الإخوان، كان لي أصدقاء من جماعة الإخوان وكنت أرى أن (الإخوة) في الدعوة السلفية متحاملون عليهم كثيراً، كنت أتمنى أن تكون العلاقة أفضل بين الجماعة والدعوة السلفية، كنت أنزعج جداً من الخلاف بينهم الذي وصلت في منطقتنا (السيوف) إلى التشاجر بالأيدي وتدخل أمن الدولة لفض الاشتباك.

أنت عايشت السلفيين والإخوان، فما هو في نظرك الإسلام الحقيقي؟

جماعات الإسلام السياسي كلها تحاول أن تصل إلى الإسلام الحقيقي، يحاولون تقليد الحياة التي عاشها محمد وأصحابه وتلاميذهم، ويؤدي هذا في نهاية المطاف إلى ممارسة العنف (كما كان يفعل محمد وأصحابه) وأنا أرى أنه من السهل جداً تورط أي من جماعات الإسلام السياسي في أعمال عنف عندما تكون الظروف مواتية، فالجهاد إحدى ركائز الإسلام (ذروة سنام الإسلام). جماعة الإخوان أيضاً كانت دائماً تسعى لإقامة جناح عسكري بموازاة جناحهم السياسي.

وأنا شاهد مثلاً على تورط السلفيين في إيذاء مسيحيين في الإسكندرية إيذاء بدني، كما أن كثير من أصدقائي السلفيين انضموا إلى داعش في سوريا وقد قتل منهم عدداً.

في 2010، وبعد 27 سنة من الإيمان، قررت أن تكون لادينيا. كيف بدأ الشك؟

الشك بدأ كما قلت لك في مرحلة مبكرة من عمري، ولكني كنت أحاول دحره وطمسه، كانت نوبات الشك تنتابني كل يوم، وكان هذا مصدر حزن وقلق لي طيلة حياتي مع الإسلام، وكنت ألجأ للأدعية التي كان محمد يرددها مثل (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك)، (يا ولي الإسلام وأهله مسكني الإسلام حتى ألقاك عليه). في منتصف عام 2010 كانت الصورة وضحت فجأة أمامي (استبصار) وبدأت لأول مرة أطلق العنان لعقلي في التفكير، قلت ما دام الله استخدم أسلوب الجدل في القرآن فإنه لن يعاقبني بكل تأكيد على أفكاري وفحصي للأدلة.

الأمر لم يستغرق سوى أسبوع. كانت الصورة باتت واضحة تماماً، ومع ذلك كنت أقاوم وأحافظ على الصلاة في المسجد والتي لم تنقطع مرة في حياتي، حتى كنت في المسجد في آخر صلاة لي فلم أستطع قراءة الفاتحة وتركت الصلاة في منتصفها وغادرت المسجد للأبد، أصبح كل شيء واضحا أمامي وصدمت وحزنت كثيراً على عمري الذي مضى وقررت مواجهة كل من حولي بالحقيقة وأولهم الشيخ ياسر برهامي.

مررت باللاأدرية قبل أن تعلن إلحادك. كم دامت هذه الفترة؟

أظن أنها استمرت شهراً.

ما هي الأسباب الرئيسية التي دفعتك لتغادر الإسلام؟

السبب الرئيسي فعلاً هو فكرة التصديق وتهديد المكذبين، كنت قد قرأت في علم النفس ووصلت إلى نتيجة مؤداها أنه لا يوجد إنسان يصلح للاعتماد عليه في قرار مصيري كالدين. طالما أنه من الممكن لأي إنسان أن يكذب فمن المستحيل أن يكون الله (على فرض وجوده) قد اختار هذه الطريقة (تصديق الأنبياء) في التواصل مع البشر. عرفت أن الأمر خدعة، ودهشت كيف لم أصل إلى هذه النتيجة مبكراً، وشعرت بغضب شديد.

هل علمت أسرتك بمسار إلحادك؟ و كيف كان رد فعلها؟ وماذا عن رد فعل أصدقائك؟

حزنت أسرتي وأصدقائي كثيراً، وعاشوا صدمة فادحة، وأطلقوا على ما حدث مصطلح (المحنة) وبكوا كثيراً ودعوا لي كثيراً فلقد كنت محبباً إليهم وكنت آخر إنسان يمكن أن يتوقعوا منه الإلحاد.

لم أحلق لحيتي ولا مرة في حياتي قبل أن ألحد، تغير مظهري بعدما ألحدت وأفكاري وطريقة نظرتي للحياة، عزز مظهري الجديد فكرة أني لست أحمد حرقان وعاشوا فترة إنكار في البداية، مع الوقت ألحد الكثير من عائلتي.

هل صحيح أن الشيخ ياسر برهامي، بعد أن علم بأنك أصبحت ملحد، أرسلك إلى طبيب نفسي والذي صرح أنك لست مجنون بل كل ما في الأمر أنك ملحدا؟

نعم أرسلني الشيخ للطبيب محمد شريف سالم والذي أكد له أني لست مريض عقلياً وإنما مصاب بالاكتئاب. وهو مرض نفسي لا علاقة له بالقناعات ولا يشكل عارض من عوارض الأهلية، التي تمنع من التكفير.

لكن الشيخ ياسر رفض هذا التشخيص وطلب منه إعادة النظر في الأمر، لكن محمد شريف سالم كان واثقاً جداً من تشخيصه، وظل الأمر هكذا حتى الآن. والتقيت الشيخ ياسر مراراً بعد ذلك وحاولت إقناعه كثيراً لكنه كان خائفاً جداً من تأثير كلامي عليه، وكان ينهي الحوار دائماً عندما يشعر أن هناك تهديد لإيمانه!

ما هو التعبير الذي تراه صحيحا، ملحدا أم لادينيا؟

مصطلح اللادينية أشمل من مصطلح الإلحاد، اللادينية تشمل الملحدين واللاأدريين والربوبيين، لذلك أفضل استخدامه عند الحديث عن رافضي الأديان الإبراهيمية إجمالاً وكذلك الأديان الوضعية.

صار لك في الآوانة الأخيرة صيت إعلامي وأصبحت ملحدا معروفا في مصر. وبسبب ذلك تعرضت للإعتداء أكثر مأكثرة. هل يمكن أن تحكي لنا عن ما حدث لك؟

تعرضت لمحاولة اغتيال فاشلة في أكتوبر 2014 وهربت أنا وزوجتي (سابقاً) إلى نقطة شرطة قريبة، قامت العناصر الأمنية وقتها بالاعتداء علي وعلى زوجتي بالضرب المبرح والإهانة، وكانت تجربة صعبة جداً.

بعد الدراسات الإسلامية التي تخرجت منها، قررت أن تعود إلى الدراسة الجامعية للحصول على شهادة أخرى، فما هو نوع هذه الدراسة؟

قررت أن أدرس علم النفس وما زلت في الدراسة حتى الآن وأواجه العديد من المعوقات.

بعد تخرجك من هذه الشعبة، انتقلت إلى ميدان العمل. هل تعرضت إلى ضغوطات بسبب إلحادك؟

نعم، كثيراً. إلى أن اتجهت إلى الغردقة (مصر) في بداية 2015 واشتغلت في مجال السياحة، التعامل مع الغربيين لا يعرضني للخطر.

صرحت في حوار سابق أن “كلما تعمقنا وتشبعنا بهذه الخرافة [الدين والإسلام في هذه الحالة] كلما زادت تعاستنا معها”. أيمكنك أن توضح لنا أكثر؟

يسرق الدين وقتنا، وتحاصرنا الشكوك من كل جانب ونهرع إلى العبادة فلا تزيدنا إلا شكاً. ثم نجلد أنفسنا ونشعر بالذنب ونكتئب. هذه قصة كل إنسان أحب الدين وقرر أن يعيش متديناً.

قلت في برنامج إعلامي أن “داعش وبوكو حرام تقوم بما قام به محمد وأصحابه”، على ماذا تستند لقولك هذا؟

أليس الجلد وقطع الأيادي والأرجل موجود في القرآن؟ ما الذي نستنكره من أفعال داعش يتجاوز هذا؟ ربما داعس أرحم… فلقد أعدم محمد عدد من الأشخاص عن طريق الصلب وهم أحياء في حر الظهر، وكانوا في منتهى العطش كانوا يصرخون طالبين قطرة ماء فما كان منه إلا أن ثمل أعينهم مستخدما شوكاً (حسكاً) إلى أن ماتوا عطشاً وألماً. (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف …).

ما هو الهدف من الفيديوهات التي تنشرها على اليوتوب و من المناظرات التي تجريها في التلفزة و في وسائل التواصل الإجتماعي؟ هل لكي يترك المسلمين دينهم أم لكي يصيروا أكثر تفتحا؟

نعم أريد أن يترك الناس جميعاً هذه الأديان التي فرقت البشر واستهلكتهم، سواء كانوا مسلمين أو مؤمنين بأي دين من الأديان. حققت تقدماً كبيراً منذ 2010. أنا فخور جداً بكل هؤلاء الأشخاص الذين ألحدوا (الناطقين بالعربية) بسببي.

تقوم بحملات على الفيسبوك ليجاهر الملحدين بإلحادهم في مواقع التواصل الاجتماعي. أليس خطرا عليهم في ظل قوانين تخنق الحريات وترفض حرية المعتقد؟

معظم الذين استجابوا لحملتي يعيشون في البلدان الغربية في أمن وأمان. وضعت الشرطة حراسة مشددة على بعضهم عند دورهم بعدما تعرضوا لتهديدات عبر رسائل بريد.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟

أود أن أتعلم أكثر، وأن أطور قناتي على يوتيوب بحيث تساهم بشكل أفضل في التنوير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *