مجتمع

تقرير: المغرب شهد في 2017 إنجازات وأسوأ الانتكاسات الحقوقية

رسم المركز المغربي لحقوق الإنسان صورة قاتمة عن الوضع الحقوقي في المغرب، حيث أكد في تقرير له توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، أن سنة 2017 شهدت أسوأ الانتكاسات الحقوقية المدنية والسياسية، والتي تذكر بأحداث ما يعرف بسنوات الرصاص، كما أوضح أن المغرب شهد في السنة ذاتها عددا من الانجازات الحقوقية.

وأبرز التقرير السنوي للمركز الحقوقي حول “وضعية حقوق الإنسان بالمغرب برسم سنة 2017″، أن السنة المذكورة شهدت اعتقال أكثر من 500 من النشطاء، على خلفية اتهامهم بالتحريض على المشاركة في احتجاجات وصفتها جهات قضائية بغير المرخصة، معتبرة أنها اتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة.

وأضاف التقرير أن السنة اتسمت فيها وضعية حقوق الإنسان بتراجعات كبيرة وانتكاسات، متمثلة أساسا في قمع الاحتجاجات واعتقال ناشطين وصحافيين ومتابعتهم بتهم ثقيلة، إضافة إلى السنة حساسية مفرطة إزاء تقارير صادرة عن بعض الهيئات الوطنية أو الدولية، مما أرخى بضلاله على المشهد العام لحقوق الإنسان بالمغرب، على حد وصفه.

وأوضح أنه الدولة المغربية إذا كانت “قد أبانت عن انخراط مبدئي في مسار التحول الديمقراطي وتكريس حقوق الإنسان، ومباشرة عملية تنزيل مقتضيات الدستور المغربي الجديد يوليو 2011، فإن مظاهر التذمر والإحباط من التجاوزات الحتمية والسلوكيات القمعية، المقترفة من قبل بعض ممثلي السلطات العمومية، إضافة إلى الخطاب التشنجي لوزارة الداخلية بوجه خاص، طبعت وبشكل جلي ارتسامات العديد من المتتبعين والمراقبين المستقلين للشأن الحقوقي ببلادنا”.

وأضاف “شهدت سنة 2017 ممارسات كرست الأسلوب القمعي في الكثير من الحالات، والتي يرقى بعضها إلى جريمة التعذيب، كما هو الشان بالنسبة لبعض معتقلي حراك الحسيمة، وتورط فيها عناصر إنفاذ القانون، وبوتيرة متصاعدة، إضافة إلى تضييق ممنهج، طال مدافعين عن حقوق الإنسان وناشطين إعلاميين، توج بمتابعات قضائية بتهم تدخل في نطاق الحق العام، وفي بعض الحالات، تعنيفهم خلال تواجدهم في بعض الوقفات أو المسيرات الاحتجاجية”.

وأكد المركز الحقوقي في تقريره أن السبب المباشر في التجاوزات والاعتداءات يمكن أساس في ظاهرة الافلات من العقاب، وهي الظاهرة التي تمس بمبدأ سيادة القانون، ومبدأ “القانون فوق الجميع”، مبرزا أن فراغات مؤسساتية وأخرى قانونية وفرت فرصة للاستمرار في ارتكاب جرائم تجاوز القانون، من قبيل “التعذيب والمعاملة المسيئة والقاسية، دون رادع فعال”.

واعتبر أن الدولة المغربية سعت خلال السنة ذاتها إلى”احتكار مسار تطوير حقوق الإنسان من منظورها ووفق حساباتها، بما يؤمن ويحصن مقومات وجودها ويحتفظ على وضعها، وما يناسب سياسة ووتيرة الإصلاحات الممكنة، دون أن يعكس هذا المنحى وهذه الوتيرة، ما يتطلع إليه نشطاء حقوق الإنسان المستقلين”.

إنجازات حقوقية

ووقف التقرير الحقوقي عند عدد من الإنجازات في حقوق الإنسان التي شهدها المغرب سنة 2017، مبرزا أنه سعى إلى تكريس مبادئ حقوق الإنسان تشريعيا ومؤسساتيا، وأكد أنه رصد مبادرات إيجابية وبناءة خلال سنة 2017، في مسار تعزيز منظومة حقوق الإنسان.

وأبرز أن هذه المبادرات همت تفعيل مقتضيات الدستور الخاصة بالاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية، عن طريق تعيين الملك لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية شهر أبريل من السنة ذاتها، ودخول استقلالية النيابة العامة حيز التنفيذ في أكتوبر، وزيارة اللجنة الأممية لمنع التعذيب للمغرب، وترحيبها بالإطار شريعي القائم بالمغرب، والإصلاحات الجارية لتعزيز مكافحة التعذيب، وسوء المعاملة وحماية الأشخاص المحرومين من حريتهم، خصوصا، الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب ومشروعي القانون الجنائي والمسطرة الجنائية.داعية إلى ترجمة هذه الغصلاحات على أرض الواقع.

كما سجل المركز المغربي لحقوق الإنسان إصدار قرارات ملكية مهمة في سياق تفعيل مبدأ ربط المسرولية بالمحاسبة، همت بالخصوص إعفاء ثلاث وزراء وكاتب دولة، بالإضافة إلى موظفين سامين آخرين، على خلفية تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، حدد الأسباب والمسؤولين وراء تعثر برنامج الحسيمة منارة المتوسط.

وتوقف على استمرار إحالة العشرات من مسؤولين وموفين في قطاعات مختلفة على القضاء،بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات أو انطلاقا من تقارير المفتشيات العامة في مختلف القطاعات الوزارية، أو عن طريق الرقم الأخضر الذي وضعته وزارة العدل رهن إشارة المواطنين، أو بسبب شكايات مباشرة من لدن مواطنين.

اختلالات كبرى

وسجل التقرير السنوي للمركز المغربي لحقوق الإنسان من الناحية الميدانية، أن “التلكؤ” في  في تحرير الحريات العامة وتخليق الحياة العامة هو “سيد الموقف”، موضحا أن الإرادة السياسية المغربية مازلت “مكبلة”، و”يطغى عليها هاجس الخوف من الغضب الشعبي، الذي شهد أقوى مظاهره لأول مرة منذ حركة 20 فبراير خلال حراك الحسيمة”.

وأكد أن هذا الهاجس انعكس في سلوكيات صدرت عن عدد من ممثلي السلطة، وما ترتب عن ذلك من انتهاكات مسترسلة لحقوق الإنسان بكافة أشكالها، مما نجم عنه تفاقما مضطردا للوضع الحقوقي المغربي”.

وأورد التقرير “إن المتتبع للأحداث، يدرك أن التجاوزات التي يقترفها مسؤولون فاسدون، من بطش وشطط وتعسف، لا تجد طريقا للمعالجة الإدارية والقضائية، على أساس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، مما يترتب عنه حالة من التذمر والسخط في صفوف المواطنون، وخاصة الشباب منهم، سرعان ما يتطور إلى شرارة تشعل لهيب احتجاجات، تحمل مطالب اقتصادية واجتماعية، لتتحول القضية من ملف اجتماعي إلى ملف أمني”.

وسجل عدم رؤية الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب للنور بعد، وهي الآلية التي يفترض أن يعهد إليها الرصد والتحقيق في مزاعم التعذيب وزيارة أماكن الاحتجاز، كما أنها آلية أقرتها المادة 17 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وسوء المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، حيث كان من المفروض إحداثها في أجل أقصاه سنة واحدة، ابتداء من تاريخ إنفاذ أو المصادقة أو الانضمام للمعاهدة، علما أن المغرب تقدم بأوراق انضمامه في نونبر 2014.

كما سجل حالات من “التضييق الممنهج” في حق جمعيات حقوقية وناشطين سياسيين وصحفيين مستقلين، من مؤسسات وطنية ودولية، ومنع للعديد من الأنشطة ومهمات التحقيق، واستمرار التضييق في حق بعض الأقلام الحرة، وتسجيل حالات اعتقال لصحفيين وممارسين في الصحافة الالكترونية، ومتابعة بعضهم وفق القانون الجنائي، خارج نطاق قانون الصحافة والنشر، على حد تعبير التقرير.

ووقف كذلك على “انتشار حالات الانفلات الأمني في عدد من المناطق، بسبب تصاعد نسبة البطالة وتفشي مظاهر التسيب والإدمان على المخدرات في صفوف الشباب، في ظل ضعف التغطية الأمنية، وانشغال الأجهزة الأمنية بقضايا أخرى”، ” تعرض العديد من المعتقلين على خلفية الاحتجاجات لاعتداءات جسدية ونفسية ترقى إلى التعذيب والإهانة والمعاملة القاسية”، وكذا “تفاقم مظاهر السطو على الممتلكات العقارية للمواطنين، خاصة الوعاء العقاري التابع لذوي الحقوق السلالية، وتدمير القدرة الشرائية للمواطن، في ظل غياب رقابة قانونية ومؤسساتية فعالة”.

وأكد التقرير استمرار تسجيل انتهاكات صارخة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لغالبية الشرائح المغربية، بسبب توالي ارتفاع الأسعار، خاصة المحروقات، في ظل سياسات عمومية تهدف إلى التخلص من الأعباء الاجتماعية، إرضاء للمؤسسات المالية الدولية، الضالعة في تفقير الشعوب واستعبادها من جهة أخرى، مما أدى ولا زال إلى ضيق أفق فرص العيش الكريم لدى المواطنين، وساهم بشكل كبير ومضطرد في انتشار مظاهر الاحتجاج والتظاهر.

واعتبر أن الاقتصاد الوطني يعاني من استحكام سياسة الريع، التي أضعفت بشكل كبير القوة الانتاجية للفئات النشيطة، فيما حققت فئات قليلة الثراء الفاحش دون تحقيق قيمة مضافة حقيقية على أرض الواقع، مما فاقم الطبقية الاجتماعية، وساهم في ازدياد الاحتقان الاجتماعي بشكل مضطرد.

وقال “إن استمرار احتكار الثروات الطبيعية الوطنية، بكل مكوناتها، البحرية والفلاحية والمنجمية، وغياب الشفافية في تدبيرها، قد أدى إلى افتقار المغرب إلى الرسمال الوطني اللازم لتحقيق نهضة تنموية قوية، والأدهى من ذلك، ساهم النمط الاستهلاكي السلبي للفئات المتنفعة، في مقابل استمرار النهب الممنهج للثروات الوطنية في إغراق المغرب في مديونية داخلية وخارجية، مما أدى إلىتقويض كل المبادرات الهادفة لى تحقيق تنمية شاملة وإقلاع اقتصادي حقيقي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *