حوارات

خبير: المقاربة القانونية لا تكفي للحد من ظاهرتي التحرش والاغتصاب (حوار)

اعتبر الأستاذ الجامعي عبد الجليل أميم، أن الاغتصاب لم يصل بعد إلى مستوى الظاهرة المنتشرة، عكس التحرش الذي تفشى داخل المجتمع بأنواع وأشكال مختلفة وفي أماكن متعددة، في حين أن عدد الحالات التي يمارس عليها الاغتصاب يعطي إنذار لنا للعمل على تطوير طرق بيداغوجية لتنشئة أطفالنا بطرق مغايرة، ذلك أن الأشخاص الذين يقدمون على فعل الاغتصاب هم بالأساس مصابون باضطرابات مرضية وجب مقاربتها بكيفية تركيبة قادرة على فهم النفس البشرية.

ما هو الاغتصاب الجنسي، وهل هو حالة مرضية أم جريمة عن سبق إصرار؟

الاغتصاب في الأصل اعتداء جنسي يمارسه شخص ما على شخص آخر بدون رغبة الشخص الذي يمارس عليه هذا الاغتصاب، وتكون له بطبيعة الحال مقدمات؛ تبدأ بتحرشات جنسية بسيطة من أقوال وأفعال إلى أن تصل في آخر المطاف إلى اعتداء مباشر على الشخص، وغالبا ما تكون حالات الاغتصاب اتجاه الفتيات أكثر مما يمارس على الذكور.

كل أشكال الاعتداءات بما فيها الاغتصاب والتحرش تنتمي بالأساس إلى ما يسمى بالأمراض النفسية أو بالشخصيات السيكوباتية/المرضية التي ربما عانت من مشكل الهوية الجنسية أو من اغتصابات وعنف أدى في نهاية المطاف إلى أن تُطور هذه الشخصيات الشعور بالعدوانية تجاه الآخرين.

ما الحدود بين التحرش والاغتصاب، وهل الأخير تحول لظاهرة؟

أولا يجب أن نفصل بين التحرش والاغتصاب، فالأول مقدمة وهو أخف ضررا وتأثير من الاغتصاب لأن هذا الأخير فيه ممارسة واعتداء مادي مباشر على الآخر، ويمكن القول إن التحرش ظاهرة متفشية بحكم طرقه الكثيرة والمتنوعة وموجودة في كل المؤسسات الاجتماعية المختلفة، وغالبا ما يأتي بها الرجال تجاه النساء وإن كانت فئة أخرى من النساء يتحرشن على الرجال بطرقهن الخاصة، لذلك سعى المغرب إلى إصدار قانون لمحاربة هذه الظاهرة والتي يقينا لن يستطيع أن يقضي عليه، ذلك أن مثل هذه الظواهر لا يمكن القضاء عليها بالقانون بل تحتاج إلى تربية وإلى تثقيف والاستمرار فيهم وتولية الاهتمام بالجانب الأخلاقي.

في حين أن الاغتصاب ليس ظاهرة متفشية، بل هناك حالات تم رصدها عن طريق وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والاشتغال عليها ونشرها مما قد يوهم لغير المتخصص بانتشارها. أما معدل 365 حالة في السنة إن كانت هل يمكن اعتبارها ظاهرة، وهذا بالنسبة إلى انذار لنا للعمل على تطوير طرق بيداغوجية لتنشئة أطفالنا بطرق مغايرة، لكن لا يجب أن نرفعها لدرجة الظاهرة المتفشية.

ما هي دوافع الإقدام على اللجوء للاغتصاب الجنسي؟

أعتقد أن أهم شيء إذا لم يكن هناك سبب مرضي أو اغتصاب بالخطأ، فأنا أعتقد أن هذا راجع لأمر لا نوليه كثيرا من الاهتمام وهو ما نسميه بالتربية الجنسية، وكذلك إلى الصعوبات التي يواجهها الشباب الذكور في وجود العمل والزوجة وتكوين أسرة وغيرها من الأمور التي تزيد من حدة هذه الاضطرابات النفسية.

لذلك وجب على وزارة الأسرة ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وغيرهم التفكير في بلورة برامج لمساعدة الشباب في تحصين نفسه. مثال ذلك خلال تجربتي الدراسية في ألمانيا كان عندنا حي جامعي خاص بالطلبة بالمتزوجين، وهنا نتحدث عن ألمانيا الدولة المتحررة من كل القيود، وبالتالي نحن الآن بالمغرب في الحاجة إلى إجراءات عملية وتوعوية وقانونية من أجل التغلب على هذه الإشكاليات المتعلقة بالاغتصاب والتحرش.

فنحن في الحاجة بالفعل إلى مراكز استماع يشتغل فيها اخصائيون الذين مع الأسف قليلون في المغرب، هذه المراكز تكون في المؤسسات التعليمية والجامعية داخل وزارات تهتم بهذه الحالات وتشتغل عليها، لأن الوعي النفسي أو النفس البشرية هو ضعيف جدا خاصة في المجتمعات المتخلفة، ذلك لأن كل الناس يحملون أمراض نفسية ولا وجود لإنسان سوي معافى من الاضطرابات النفسية، لكن درجاتها تختلف من شخص لآخر.

هل من مقاربة فعالة لمعالجة هذه الظواهر؟

أنا أنادي دائما بالمقاربة التركيبة في الدراسة والتحليل، لأنني أرى أنها فعالة لكل الظواهر الإنسانية أو الاجتماعية أو السياسية، وهو أن نعرف أولا أن الذي نتعامل معه إنسان، وعندما نتحدث على الإنسان فنحن بصدد دراسة كائن مركب في أبعاده الوجدانية العاطفية، وأبعاده المعرفية، كما أبعاد السلوكية، وهناك أخرى اجتماعية، تدرسه كذلك علوم انسانية متعدد. سلوكاته نتيجة تربية وتنشئة اجتماعية، وتثقيف واستدخال قيم وعادات مركبة كذلك، وبالتالي فنحن في الحاجة إلى التعامل مع السلوكات البشرية السلبية إلى نظر مركب؛ بمعنى استحضار جميع العلوم الاجتماعية والإنسانية التي درست هذه الظواهر ووصلت إلى نتائج معينة والاستئناس بها لنطور بيداغوجيات خاصة للتعامل مع هذه الظواهر، لأن كل معالجة أحادية اختزالية هي معالجة قاصرة للظواهر الإنسانية.

قلت فيما سبق أن دوافع الاغتصاب قد تكون مرتبطة بتعرض المُغتصَب لاغتصاب في صغره، ألا ترى أن هذا سيزيد من حالات الاغتصاب إن لم يتم كبحها؟

نعم هذا ممكن، فالإنسان الذي اغتصب وهو في حالة ضعف، أن يفكر في اغتصاب من هم أضعف منه معيدا بذلك نفس السلوك الذي تعرض إليه، وذلك إما انتقاما أو تلذذا أو حتى اضطرابا. أما الكبح المطلق لمثل هذه الظواهر الجنسية فأنا أعتقد أنه مستحيل لأن هذه الظواهر متجدد والمثيرات التي تفعِّلها في المجتمع متعددة؛ من وسائل التواصل الاجتماعي والإيحاءات الجنسية المختلفة، واللباس المختلف، كما الأفلام الجنسية وأشكال أخرى تجعل هذا الإنسان عرضة إلى هجوم إعلامي جنسي يحرك فيه نزوات المفروض أن تبقى في إطارها الطبيعي، لذلك وجب علينا أن نعلم أبناءنا كيف يتعاملون مع هذا الهجوم الإعلامي على خصوصية الإنسان والكيفية التي يمكن له أن يوظفها بطريقة إيجابية متجنبا سلبياتها.

ما هو تفسيرك لقضية المثلية الجنسية؟

من طبيعة الحال عند الحديث عن المثلية الجنسية نجد تفسيرين اثنين، الأول يحاول أن يدافع عنه البعض وهو كون المثلية الجنسية شيئ طبيعي متعلق بجينات يحملها المثليون هي التي توحي لهم القيام بتصرفاتهم تلك. وأنا شخصيا من الذين لا يؤمنون بهذا التفسير، لأن حتى الآن الدراسات التي أثبتت هذا الأمر غير مؤكدة، كما يتم إخفاء الدراسات التي تؤكد العكس، وهو التفسير الثاني الذي يقول أن المثلية الجنسية اضطراب نفسي يجب أن نتعامل معه باحترافية ولا علاقة له بالجينات أو ما شابه.

هل تعني بقولك أن هناك أسباب ذاتية أو اجتماعية وراء المثلية الجنسية؟

نعم يمكن يكون الإنسان مثليا وذلك بسبب تنشئته الاجتماعية أو رفقته أو ما عايشه أو مع من يعيش، أم إثبات أن الأمر فوق طاقة الإنسان المثلي، فأظن أن الأمر فيه قول وأستطيع أن أدعي أنه عندما نتحدث عن المثلية الجنسية أننا لا نستحضر العلم دائما بقدر ما نستحضر الإيديولوجيات، لأنه يمكن أن نجعله موضوعا سيكولوجيا أو دينيا أو أخلاقيا وأن تبحث في الطب والتشريع.

هل يمكن للإنسان المثلي أن يتجاوز هذه الحالة؟

بطبيعة الحال إذا توفرت شروط بناء الأسر والتعرف على الجنس الآخر في إطار سوي وشروط أخلاقية معينة فأظن أن الإنسان سيعيش منذ بداية الإنسانية إلى الآن في إطاره الطبيعي العادي، مع وجود استثناءات قد تخرج عن القاعدة العامة، كما أتمنى أن يقدح العلم هذه الآراء كلها ويثبت لنا الأسباب الحقيقية لكي نتوجه إلى حلول حقيقية لا أن نبدأ في التفسيرات الإيديولوجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *