منتدى العمق

“في بلادي ظلموني” أغنية الشعب

لم أكن يوما عاشقة لكرة القدم كرياضة لكني كنت أحب فقط روح الانتماء و الوطنية لفريق يمثل مدينتي أو منتخب يمثل موطني،لم يلفت انتباهي طريقة اللعب يوما و لا قوانين اللعبة ولم أكترث لأشهر لاعبيها ولم أرتد الملعب يوما لمتابعة مباراة ولم أحفظ أسامي الأندية،بقدر ما كانت تغريني الروح القتالية من أجل الدفاع عن قميص ، عن وطن،لم تكن تلك الروح سوى روح الانتماء من لاعبين أو جمهور حتى أبت مجموعة منهم إلا أن تتجمع على شكل مجموعات الألتراس،يتعدى دورها كونهم مجموعة من المشجعين يساندون فريقهم ،يخلقون أجواء حماسية بعشق دون كلل أو تعب أينما حل وارتحل فريقهم، إلى تكريس مفهوم الإنتماء و معنى حب الوطن والعطاء دون مقابل و بلا حدود،يتفننون في تصميم “تيفو”ملائم للتشجيع، يتغنون بأحلى كلمات كتبت بدم الوطنية،لعل أكثر ما لفت انتباهي من بينها أغنية: “في بلادي ظلموني” لألتراس الرجاء البيضاوي المغربي،

لم تكن مجرد أغنية “ألتراس” رددها جمهور الرجاء المغربي لمساندة فريقه في الملعب أو شعارا رُفع لإضافة بعض الجمالية وسط المدرجات ولا قصيدة كُتبت لتُصنّف في خزانة أرشيف “الإكلز” أو لتضاف الى قائمة الإنجازات فحسب،

بل كانت صرخة استنجاد لفريق…لشعب…لأمة تعبر عن واقع مُعاش،عن عمق شباب ارتأوا في الملعب أرض سلام للتعبير عن حالهم و حال الكثيرين في بلداننا العربية،

كانت لسانا ينطق بحال شعوب طغى عليها التهميش و القهر،كانت حناجر مئات المظلومين كل يوم،كانت رسالة “الظلم المشترك”الذي وحدنا نحن العرب أكثر من أي شيء آخر،

كانت معاناة شعب أكثر من كونها أغنية…

راح تفكيري وأنا أسمعها إلى كل شاب طموح هُضمت حقوقه و ضُيّع مستقبله في بلده ففكر في الهجرة راكبا قارب الموت ظانّا أنه سيقله إلى بر أمان إلى موطن يحتضه،فلا موطنه الأصلي احتضنه و لا وجهته اكتملت و لا البحر أقلّه…

إلى كل متشرد لم يجد مأوى يضُمّه وسط بلده فافترش الأرض و تغطى بالسماء .

إلى كل مظلوم طرق أبواب العدالة فلم يُفتح في وجهه أي باب لأن صوته غير مسموع….

إلى البطالة، إلى الهجرة الجماعية، إلى الفقر إلى أزمة ارتفاع الأسعار…..

إلى كل طفل لم تتوفر بلدته على مدرسة فقطع عشرات الكيلومترات مشيا على أقدامه العاريتين طلبا للعلم ،

إلى كل حامل باغتها المخاض في جبال الأطلس الباردة ففارقت الحياة لعدم وجود مصحة قريبة،

إلى كل مغترب عاش غربته في وطنه و بين أحضانه وتمنى أن يعيشها خارجه لأنه لايشعر بالانتماء داخله ليس اختيارا و لكن اجبارا يَوَدّ لو أنه يعيش الغربة الطبيعية، أن يشتاق لأحياء مدينته لعَلَمه لأقاربه لرائحة أطباق أمه ، كلها أشياء موجودة و لكنه لا يذوق طعمها،يفضل أن يشعر بأحاسيس الاشتياق و الحنين خارج حدوده على أن يعيش الحيرة و انعدام الشعور داخلها.

إلى كل من عانى من انتهاك حقه وسط دياره.

إلى جانب وطني المنسي المكلوم،

إلى كل من التمس خيرا في ممثليه و لم يجد سوى شرا و نهبا و طغيانا،

صرخة الجمهور تلك لم تكن سوى حبا فيك يا وطني و أملا في أن تتغير للأحسن رغم السخط،رغم الغضب و قلة الحيلة رغم كل هتافات القهر ،فهي كانت حبا لا كرها و غيرة لا تحقيرا،كل ثائر منهم يحبك يا وطني كطير يحب ساجنه لأنه على الأقل يوفر له قوت يومه ،لكنه لن يتردد بهجرانه لو عرض عليه القوت و الحرية معا بمكان آخر.

كطفل يأبى أن يترك بيته لسوء معاملة زوجة أبيه لوجود سقف و أربع حيطان تأويه ،لكنه لن يتردد إن وجد المأوى و الحنان في حضن آخر…كصبي يعشق والده القاسي،كسجين يحب حارسه اللطيف،نحبك ولن نكرهك يوما يا وطني و لن نتردد قطّ في إلقاء نشيدك ،لن نتردد في رفع علمك،

ككل ذلك نحبك ياوطني فهلا أحببتنا بدورك ليصبح الحب متبادَلا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *