وجهة نظر

الأداء السياسي للأحزاب المغربية لسنة 2018 (1/4)

اختتمت السنة السياسية 2018.2017 على الأحزاب السياسية المغربية، تحت تأثير حدثين كبيرين، الحدث الأول الذي أطلقه ملك المغرب في الحقل السياسي تحت مسمى الزلزال السياسي المسلط على النخبة السياسية التي تحت تحمل مسؤولية تدبير الشأن العمومي، والحدث الثاني الذي احتل مكانة متميزة في الحقل السياسي والحزبي إبان تشكيل حكومة عبد إله بنكيران فيما بات يعرف بالبلوكاج الحكومي، فالحدثتين سيطرا بكل دلالتهما السياسية على أطوار السنة السياسية برمتها،فقد ترجما ما عاشه المغرب خلال 2018 على غير عادة المغرب والعهد الجديد.

وسيرا على ما سطره السوسولوجي المغربي عبد الرحيم العطري، في كتاباته على حرص المغاربة الشديد لتحقيب الزمن بأحداث ووقائع الاجتماعية التي تبصم مدار السنة ، فتماشيا مع هذا الطرح، فإن التحقيب الذي بقى راسخا في الذاكرة السياسية المغربية على مدار سنة 2018، لا تخرج عن توصيف سنة 2018 ب “سنة البلوكاج الحكومي” أو “سنة الزلزال السياسي” .

لهذا ، فإن التوقف عند سمات سنة 2018.2017 السياسية، لا ينبغي إغفال توصيف سنة البلوكاج الحكومي وسنة الزلزال السياسي بخصوص الحديث عن أداء الاحزاب السياسية فيالمشهد السياسي والحزبي، وبالتالي فالحديث عن سنة2018 المليئة بأحداث متراكمة بداية من البلوكاج الحكومي وإعفاء عبد الاله بنكيران من الحكومة، مرورا بالحركات الاحتجاجية الحسيمة وجرادة وزاكورة التي كان المغرب قاب قوسين أو أدني من 20 فبراير ثانية ، وصولا إلى تشكيل حكومة سعد الدين العثماني والزلزال السياسي وإعادة العمل بالتجنيد الاجباري في السنةالتاسعة عشرة لإعتلاء محمد السادس حكم المغرب.

وإذا كان جل الباحثين والدارسين للمشهد السياسي والحزبي أجمعوا على أن الأحزاب المغربية تعيش حالة من الاحتضار الطويل ، على اعتبار أن ستة وثلاثون حزبا لا نشاهد منها إلا ستة أحزاب ما بين احتضار والوليدة، وأخرى لا ترى إلا إبان الحمالات الانتخابية، فإن رصد أداء الاحزاب السياسية سينصب من جهة ،على رصد على الاداء السياسي والحزبي للأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية البرلمانية ، ومن جهة ثانية رصد الاداء السياسي عند أحزاب المعارضة.

إن ضربة البداية في الحياة السياسية دائما يكون الملك ورائها، وبالتالي ينبغي بادئي ذي بدء، الرجوع بدرجة أولى للخطابات الملكية خلال سنة 2018 لقراءة المشهد السياسي والحزبي، حيث أبدى الملك،عدم رضاه وثقته على الطبقة السياسية الحالية من وزراء وبرلمانيين ومستشارين ومن نخب حزبية، ولا دير أن ندرج في هذا المقام ما عرفته إحدى جلسات افتتاح البرلمان بقراءة القران الكريم بأية “إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ” للدلالة على جمود النخبة السياسية بكل أطيافها وطياتها،وجاء تعبير استياء الملك من تعثر عدد من المخططات والمشاريع التنموية واضحا ملقيا اللوم على الطبقة السياسية.

محصلة ما في الامر،يخلص الملك إلى أنه محاط بطبقة سياسية مهترئة، ولا بد من إعادة انتاج واستقطاب نخب جديدة قادة على تحمل المسؤولية،إن الملك يقصد أنه “في الحاجة إلى جيل جديد من الإصلاحات” ،فخطاب الملك خلال افتتاح الدورة البرلمانية للسنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرةكان مشابها لخطاب الازمة القلبية للراحل الحسن الثاني ،حيث اعتبر الملك أن هناك ضرورة ملحة للوقوف وقفة نقدية لتصحيح المسار وبداية مرحلة جديدة قوامها ربط المسؤولية بالمحاسبة وتأكيده على أن النموذج التنموي قد بلغ مداه، ودعوته لإعادة بلورة نموذج تنموي جديد، فضلا عن تفعيل الجهوية المتقدمة على أرض الواقع.

إن المتمعن في خطابات الملك، يجده ليس فقط يقدم التوبيخ للأحزاب السياسية ، وإنما قرر اللجوء إلى إحداث الزلزال السياسي في طريقة عمله مع كل مسؤول تبث تورط في تعثر أو اختلالأو إهمال في إنجاز مشاريع تنموية التي يسيرها قطاعه، فالغني عن البيان في المعجم السياسي المغربي عندما يكل الملك تذمره وقلقه من واقع الاداء السياسي للطبقة السياسية بالمغرب، وليس أدل على ذلك الزلزال السياسي الذي اعفى بموجب الملك الوزراء بشأن تعثر إنجاز مشروع منارة المتوسط.
في نهاية المطاف، إن الملك خلال اطوار السنة السياسية، كان هو المسيطر على الحياة السياسية والحزبية بتوجهاته وقراراته على السلطة التنفيذية، بعدما كانت سنوات ما بين 2011 و 2016 منشطرة بين رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وبرنامجه الحكومي والملكية.

1. حزب العدالة والتنمية بين البلوكاج الحكومي والولاية الثالثة لبنكيران.

يمكن اختزال المعالم الكبرى لأداء حزب العدالة والتنمية لسنة 2018 في ثلاثة أحداث بارزة بإمتياز:

 انتقال مشعل رئاسة الحكومة إلى سعد الدين العثماني.
 تبخر الولاية الثالثة وحديث عن نهاية المسار السياسي.
 الصراع التجمعي البيجدي في أفق 2021.

كان أول الأحداث هو تعيين محمد السادس سعد الدين العثماني يوم الجمعة 17 مارس 2018 رئيسا للحكومة،باعتباره الرجل الثاني في الحزب بشغله منصب رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، مستعملا بذلك صلاحيات الفصل 42 و 47 من الدستور، التي أسالت مداد كثيرا، على مستوى دستورية القرار من عدمه،عقب إعفاء عبد الاله بنكيران من رئاسة الحكومة، على إثر عجز الامين العام لحزب العدالة والتنمية على تشكل الحكومةبسبب البلوكاج الحكومي.

وقد أثار الاعفاء عدد من ردود في وسط الساحة السياسة المغربية بين مرحب وبين رافض، وبين من ذهب إلى احتمال وجود “مؤامرة 8 أكتوبر” لإفشال بنكيران من تشكل الحكومة من خلال ربط حزب التجمع الوطني للأحرار دخوله للحكومة بدخول الاتحاد الاشتراكي،بعدما تخلى بنكيران عن حزب الاستقلال تحت تأثر الازمة التي دخل فيها شباط مع الدولة بسبب موريتانيا، مما أدى إلى انسداد الوضع لمدة ست أشهر من غياب بوادر تشكل حكومة أغلبية،واقتصار الامر على حكومة تصريف الاعمال وسط تنامى الاحتجاجات في الريف،إلى حد خروج بلاغات من أحزاب السياسية ما يسمى بالبلوكاج بسؤال عن الدخول للحكومة ليخرج عبد الاله بنكيران بالبلاغ الشهير انتهى الكلام و لا حكومة بوجود الاتحاد الاشتراكي.

واستقبل الحزب خبر اعفاء بنكيران بتفهم كبير حيث قال بنكيران بأنه سيتم التعامل بطريقة ايجابية مع المقترح الملكي إلا أنه لن يتنازل عن بعض شروط الحزب التي من ضمنها ضمان عدم دخول الاتحاد الاشتراكي للحكومة،بيد أن الحزب برئاسة بنكيران تنازل على دخول الاتحاد الاشتراكي للحكومة بقيادة سعد الدين العثماني الذي سيشكل الحكومة في 7 أيام فقط.

 تبخر الولاية الثالثة وحديث عن نهاية المسار السياسي.

أما بخصوص الحدث الثاني، فهو المتعلق بالولاية الثالثة لبنكيران على رأس الامانة العامة للحزب، والذي عرف صراعا داخليا بين تيار الاستوزار وتيار بنكيران، حيث نادى التيار الاول بعدمتمكين بنكيران من ولاية ثالثة على رأس الحزب متخذين أساس البند 16 الذي يحرم الامين العام ورئيس المجلس الوطني وكاتب الجهوي والكاتب المحلي من أكثر من ولايتين في نفس المنصب . وكان من بين المعارضين لهذه الفكرة خاصة الوزراء الذين اعتبروامنقلبون على الامين العام من ضمنه وزير الدولة لحقوق الانسان،الذي اعتبر أنه في حالة ترأس بنكيران لولاية ثالثة فإننا سنكون إزاء حزب جديدغير حزب العدالة والتنمية، بل ذهب حد التلويح بالاستقالة والخروج من الحزب، في مواجهة حامى الدين الذي عرف بتوجهه لتمديد لبنكيران لولاية ثالثة خاصة مع ما مر من وقائع سياسية كان هدفها إبعاد بنكيران عن المشهد السياسي.

وقد تلقى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ، عبد الإله بنكيران، ضربة موجعة، بعد رفض الحزب، تعديلا يسمح له بالتمديد لولاية ثالثة، بعد أن صوت المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الذي عقد اجتماعا استثنائيا في سلا ، بغالبية 126 صوتا من أصل 231 ضد تعديل كان من شأنه أن يسمح لبنكيران بالترشح لولاية ثالثة كأمين عام للحزب، ليسدل الحزب الستار عن بنكيران في ظل تصاعد الحديث عن نهاية المشوار السياسي واعتزال السياسة لبنكيران والعودة إلى صفوف حركة التوحيد والاصلاح.

* باحث في القانون العام والعلوم السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *