وجهة نظر

مبدأ المعاملة بالمثل في السياسة الدولية وواقعتي عدم الترخيص بهبوط الطائرتين المغربية والجزائرية فوق أراضي البلدين

كان من المفترض ان يكون لمبادرة الملك محمد السادس الداعية إلى إعادة فتح الحدود بين المغرب والجزائر وإحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور ، وقع إيجابي على السياسة الثنائية بين البلدين الجارين وتلقفها من طرف الشعبين الشقيقين بأمل كبير في طي صفحة الماضي المتشنج . وأكد ملك البلاد في خطابه الرسمي بمناسبة الذكرى 43 لتنظيم المسيرة الخضراء ، على الانفتاح على المقترحات والمبادرات التي تتقدم بها الجزائر بهدف تجاوز الجمود في علاقات البلدين .

ومعروف لدى جميع الشعوب أن الجانب الثقافي والرياضي يلعبا دورا مهما في تبديد سحب الخلافات بين الدول ، ويعتبرا مدخلا أساسياً للمصالحات وتجاوز التشنجات التي قد تطبع علاقاتها الثنائية والدولية .

إلا ان الأشقاء المسؤولين بالجزائر كان لهم رأي آخر وتعنت اكبر أساء حتى لروح البعد الإنساني في تنظيم اللقاءات الرياضية المتبادلة بين البلدان .

رفضت السلطات الجزائرية يوم 14 دجنبر الجاري الترخيص بهبوط طائرة مغربية خاصة بمشجعي فريق اتحاد طنجة لمرافقة الفريق إلى ولاية بشار الجزائرية ، من أجل مؤازرة الإتحاد في المباراة التي جمعته بشبيبة الساورة الجزائري ، برسم ذهاب الدور الثاني لدوري أبطال إفريقيا.

وردت السلطات العمومية المغربية على الإجراء الجزائري بنفس المعاملة حيث رفضت الترخيص يوم أمس 22 دجنبر الجاري ، بهبوط طائرة جزائرية فوق أراضي السيادة الوطنية ، والتي كانت ستقل مناصري فريق شبيبة الساورة لإجراء مباراة الإياب بالمغرب.

وبالنظر إلى مباديء القانون الدولي في هذا الإطار وأعراف المعاملة بالمثل ، نتأكد على أن الطرف الذي يبدأ في إساءة التعامل هو من يتحمل تبعات أفعاله وما قد ينتج عن ذلك من تشنج العلاقات الثنائية بينه وبين الطرف الذي أساء معاملته .

المعاملة بالمثل في علم النفس الاجتماعي : كمصطلح يعني الرد على فعل إيجابي بفعل إيجابي آخر ، كنوع من المكافأة . وكمفهوم اجتماعي، تعني المعاملة بالمثل أنه عند الاستجابة لأفعال تتسم بالمودة، يكون الناس عادة أكثر لطفًا وتعاونًا مما هو متوقع من النموذج القائم على المصلحة الذاتية ، وعلى العكس عندما يتعرضون لأفعال عدائية ، يكونون عادةً أكثر عدوانية .

المعاملة بالمثل في السياسة الدولية :

في السياسة الدولية يتوسع مفهوم “مبدأ المعاملة بالمثل” بشكلٍ أكبر، فهو يعني بشكلٍ مبدئي ، أن تلجأ دولة لاتخاذ تدابير قهرية، تخالف القواعد المتعارف عليها للقانون ، وذلك بهدف إجبار الدول الأخرى المعتدية على احترام القانون ، وتقديم تعويضٍ للدولة المُعتدَى عليها لما لحق بها من ضرر .

وبالنظر إلى مبدأ “المعاملة بالمثل” على صعيد السياسة الدولية، فإنه حقٌ أصيلٌ للدولة المُعتدَى عليها، بهدف إجبار الدولة المعتدية على احترام القانون، وترجع فكرة المعاملة بالمثل تاريخيًا ، إلى المجتمعات القديمة ، حيث انتشر مفهوم العدالة الخاصة ، بحيث يرد المُعتدى عليه بالمثل على أي عدوانٍ سابقٍ تعرض له ، إلا أنه ، ومع تطور النظم العقابية ، وفلسفتها ، تحولت العدالة الخاصة نحو السلطة العامة ، وساد مبدأ الدفاع المشروع عن النفس والعرض والمال .

وفكرة المعاملة بالمثل ، انتقلت تاريخيًا ، من نطاق الأفراد إلى نطاق الدول ، إلا أنها تختلف كثيرًا في الحالتين، ما بين الأفراد والدول ، وهو الأمر الذي دفع بالفقه القانوني لوضع تشريعٍ ينظمها ويجعلها معترفًا بها ، للأخذ بها في حالات الضرورة الاستثنائية والخاصة والقصوى .

التعامل بالمثل المحدد والمنتشر :

وضعت العديد من النظريات فارقًا تمييزيًا بين الأشكال “المحددة” من التعامل بالمثل و”التعامل بالمثل المنتشر ” ، فإذا كانت مفاوضات التجارة الدولية تمثل التعامل بالمثل المحدد ، فإن التعامل بالمثل المنتشر يشير إلى تأسيس الثقة . ومن خلال التعاون الدائم في “المجتمع الدولي”، ينظر إلى الدول على أنها تقوم ببناء معايير مقبولة بصفة عامة للسلوكيات . وتلقي هذه المعايير العامة بضغوطها المعيارية على الإجراءات التي تتخذها الدولة ، من خلال المساهمة في تطوير الالتزامات بعيدة المدى بين الدول التي تجتهد لتحقيق التعاون. وبالتالي ، في نظام التعامل بالمثل المنتشر ، لا تحتاج الدول إلى البحث عن الامتيازات الفورية التي يضمنها التعامل بالمثل المحدد ، إلا أنها يمكن أن تتعامل بثقة حيث أن إجراءاتها التعاونية ستؤتي ثمارها على المدى البعيد .

خلاصة القول : المعاملة بالمثل مبدأ أساسي في العلاقات الدولية ، وهو أساس نسج مختلف السلوكات الثنائية الدولية بين الدول ومظهر من مظاهر تفاعل التعاملات الدولية إيجابيا أو سلبيا ، ويبقى الطرف الذي يبدأ في إساءة التعامل هو المخطيء خصوصا إذا لم تكن هناك مبررات واضحة ومقنعة لمثل هكذا إجراءات ، ولن تكون بالتأكيد في مجال رياضي انساني بامتياز .

وندعو صادقين ، مكونات الشعب الجزائري الشقيق إلى التدخل الحازم قصد العمل على تجاوز اختلال العلاقات بين البلدين الجارين والتطلع بحماس إلى بناء الثقة والتعاون والتكامل بدل الصراعات المستمرة والأحقاد المفتعلة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *