منتدى العمق

اغتيال الكرامة

يقول أحد الحكماء لولا الكرامة لكانت الحياة سهلة؛ فالإنسان العاقل يعيش العمر محاربا قسوة الحياة مواجها مطباتها وعقباتها المختلفة ، حريصا في طريقه كل الحرص على تحصيل أهدافه المنشودة التي يضع على رأسها حفظ بكارة كرامته من أن يفضها فعل جائر ، قرار ظالم أو مسؤول لا يبالي بمواطن ضعيف مغلوب على أمره لا يعرف من الحياة سوى عمل شاق طيلة اليوم ، ودراهم معدودة تستمر في جيبه في أفضل الأحوال وأحسنها إلى منتصف الشهر أو بعده بأيام معدودة.

الكرامة التي تحدث عنها الفلاسفة والمفكرون في كل زمان ومكان والتي قال عنها نجيب محفوظ أن سعادة الانسان لا تتحقق إلا بها والتي تناولتها الاتفاقيات العالمية ضمن بنودها ونصت عليها القوانين الدولية و الوطنية التي تزعم أنها تحفظ حقوق الانسان هي كرامة غائبة أو بالأحرى أريد تغييبها عن المشهد فظل الاهتمام بحفظها حبيس الأوراق على رفوف المكتبات، حاضرا في البرامج التلفزية ولندوات الموسمية والمؤتمرات الباذخة التي تقام على شرف كثيرين ممن يساهمون في إهدار دم الكرامة والتنكيل بجثتها على مرأى ومسمع من فاقديها.

إن الكرامة كفيلة بأن تجعل الفرد ينظر للغد المجهول والمظلم بتفاؤل لعله يكون الأفضل أما فقدانها فيثقل روح الإنسان غبنا وحزنا ويحوله إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت وتذهب معها اليابس والأخضر ، ولأن سلب كرامة الطفل يسوغ له عمل القبائح كما يقول أحد الحكماء فإن الإحساس بالذل والمهانة هو الذي جعل الشعوب العربية تخرج إلى ميادين التحرير منددة بحقوقها المهضومة، رافعة شعارات التغيير والوعيد بإسقاط كل من سولت له نفسه الاستمرار في سياسة هدر كرامة مواطني البلد واللعب على الوتر الحساس المرتبط يتحقيق شروط العيش الكريم، الإحساس بالدونية والإقصاء الناتج عن اغتيال فيتامين الكرامة هو نفسه الذي جعل البوعزيزي رحمة الله عليه يضرم النار في جسده بعد أن أقفلت أبواب الرزق في وجهه حيث صادرت شرطية عربة الفاكهة التي كانت تشكل مصدر قوته الوحيد فكان موته النقطة التي افاضت الكأس والنار التي اشعلت فتيل الثورة وأدت إلى الإطاحة بالرئيس التونسي.

زين العابدين بنعلي ، ولا يفوتني في السياق ذاته أن أذكركم بأمينة الفيلالي التي انتحرت وهي تبلغ من العمر 16 سنة بعد أن تم تزويجها مجبرة من مغتصبها حسب ماينص عليه الفصل 475 من القانون الجنائي لقد ثم إعفاءه من السجن مقابل قبوله الزواج بها بمنطق أنها “سترها من كلام الناس” وهكذا انعكست الأدوار وتقمصت أمينة دور الجاني مرغمة في الوقت الذي كان من المفترض أن ينصفها القضاء ويعيد لها جزءا من كرامة ماعادت تملكها حدث العكس ليترتب عليه الأسوأ وقد أحدثت القضية ضجة في صفوف المنظمات الحقوقية النسوية على وجه خاص والشعب المغربي على وجه العموم ؛ ضجة جاء جني ثمارها بعد سنتين من النضال المستمر والدفاع المستميت عن القضية حيث تم إلغاء الفصل 475 سنة 2014 أي بعد مرور سنتين من موت أمينة الفيلالي ، وحتى لا ننسى فإن قضية محسن فكري الذي توفي طحنا في شاحنة أزبال يوم 28 من شهر أكتوبر 2016 بعدما قام رجال الشرطة برمي أسماكه في شاحنة نفايات بحجة أن السمك الذي صاده ممنوع بيعه هي أيضا قضية كرامة مداس عليها وقد كانت سببا في بداية سلسلو الاحتجاجات بالحسيمة التي ستسمى فيما بعد خلق بحراك الريف الذي أبان أن أغلى مايمكل المغربي كرامته فإن فقدها ثار واستأسد في وجه الظلم والفساد أيا كان ممارسه ولعل أمثلتنا الشعبية المتداولة تحوي من الدلالان الرمزية المهمة والرسائل المشفرة مايؤكد لنا ذلك حيث يقال “اللهم الخبز البايت ولا شفنج الشمايت ” بمعنى أن المغربي مستعد لأن يتخلى عن “الشفنج” الذي يعتبر في ذهنية المجتمع المغربي من الأشياء التي لا تحضر إلا بشكل يومي مقابل أن يحفظ ماء وجهه ولا يمد يده للآخر الذي قد يستغل ضعفه لقضاء مآرب أخرى، وفي أمثال أخرى تحيل على الأنفة وعزة النفس يقال ” جغمة من البحر و لا اجميل الكرابة ” ، ” كول التبن و دهن فمك بالسمن و لبس حتى يقولو ليك هذا ولد من “، “خبزي تحت باطي ولا يسمع حد عياطي ”
وغير ذلك من الأمثلة كثير لا يناسب المقام لذكرها لكنها تتشارك في شيئ واحد وتتقاسم المضمون نفسه هو أن الدفاع عن الكرامة أمر متجذر في نفسية الفرد المغربي بالفطرة وامتلاكها يغنيه عن مغريات الحياة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    إن عشت فعش حراً، أو مت كالأشجار وقوفاً ورقة رائعة