وجهة نظر

رحيق الكلام: سفر في الذاكرة

في عمود اليوم، اعذروني قررت الهروب من لعنة الحكي وهموم السياسة والعودة للغوص في ثنايا الماضي الجميل لكرة القدم بحد بوحسوسن، وبالضبط بحي تازطوط الذي ولدت فيه وقضيت جزء كبير من طفولتي، سنعود إلى زمن الأحلام الجميلة والمتعة الكروية، إلى أيام الصبا حيث كانت المستديرة معشوقتنا التي لانمل ولا نكل منها نظل نجري ونلهث خلفها اليوم كاملا ، صراحة كانت حد بوحسوسن منجما للمواهب، طاقات إبداعية ضاعت لأنها كانت بمنطقة توجد خارج التاريخ، مبدعون حقيقيون كانوا يمتعوننا ونحن أطفال صغار في غياب قنوات بين سبور التي إنتشرت مؤخرا كالنار في الهشيم في مقاهي تقدم وجبات دسمة لمشجعي الريال والبارصا كل ويكاند ،عكس البارحة حيث جيلي يتذكر جيدا المقهى الوحيدة اليتيمة التي كانت تتوفر على تلفاز بالقرية وهي مقهى عبد الحفيظ رحمه الله ، تلفاز صغير بالابيض والأسود كنا نسميه صندوق العجب.

كانت هذه المقهى ملاذنا الوحيد نحن الصغار عندما يلعب المنتخب الوطني والمحظوظ فينا من يظفر بدرهم من أسرته وما أدرك ما درهما تلك اللحظات فيهرول حاجزا كرسي مهترئ دون الحصول على مشروب لأنه كان ثمنه غاليا ومن نصيب علية القوم بمفهوم ذاك الزمان .

لن أبالغ إذا قلت لو كانت عيونا تترصد تلك المواهب التي كانت تلعب على أرضية صلبة لكانت من نجوم المغرب لاحقا ، لكن سخرية الجغرافيا في منطقة لم تكن تذكر ولو حتى في النشرة الجوية كانت منطقة مرتبطة بالتمرد وبأحداث الانتفاضة المسلحة ..

في ذلك الزمن الجميل لم نكن نعرف لا ميسي ولا رونالدو كأجيال اليوم ، كنا نعرف أسماء حقيقية على الميدان وكنا نناديهم بالزاكي تارة وبالتيمومي تارة أخرى، وكم كانت فرحتنا عندما نحصل على صورة للزاكي أو التيمومي في صفحة من جريدة نجدها في بيتنا تلف النعنان فنقوم بقطعها وتلصيقها في دفتر الذكريات ونتباهى بها أمام زملاء الدرس في المدرسة التي كانت عبارة عن حجرات بدون سور فقط سياج من نبتة” السدرة “وأكوام من الشوك تدمي أقدامنا كل صباح في رحلة العلم الطويلة….

صدقوني يجتاحني إحساس جميل وأنا أسترجع شريط ذكريات طفولتي الموشومة بحد بوحسوسن، حيث كنا نتابع مباريات حامية الوطيس وكم أحن الأن إلى قذفات أحمد سويس الذي كان مدافعا صلبا شرسا، ولن ننسى إرتماءات الحارس بومهدي الذي كان جسده أقوى من تربة ملعب كله حجارة ولا مراوغات هرهار ولا تدخلات اوعيسى مصطفى التي تقطع “الما والضو” بلغتنا أنذاك ولا توغلات الملقب بحيدوس ولا مهارات النجم باقسو ذو الشعر الطويل “بودربالة “كما كان يحلو لنا مناداته، ولا تمريرات المرحوم محمد ولد الحمراوي التي كانت على المقاس واللائحة طويلة جدا ….

نحن الصغار كنا نتكبد مشقة الذهاب إلى “حبل لمتارف” منطقة منبسطة على مشارف ضريح سيدي امبارك لمشاهدة مباريات حامية الوطيس ..أو بملعب “الرحبة” الذي احتضن العديد من النزالات القوية بين قبائل بوحسوسن وكان شاهدا على فترة ذهبية للرياضة بالمنطقة قبل أن تتفتق عبقرية المجلس الجماعي الذي قام بهدمه في خطوة تعبر عن غياب الحس الرياضي لدى من يسيرون الشأن المحلي بالقرية المنسية من مخططات الرباط.

كم كنت أمني النفس أن تلتفت الجمعيات المحلية بحد بوحسوسن إلى هذه الاهرامات في خطوة إعترافية لتكريم هؤلاء الرموز الذين اغنوا وأنعشوا ذاكرتنا لما كنا صغار خاصة وأن بوحسوسن لها فريق الأن بالقسم الوطني الرابع يشق طريقه وعليه الصبر والاجتهاد وهي فرصة ليقدم هؤلاء الرواد تجربتهم للأجيال الشابة التي لا تعرف أي شئ عن تلك الفترة الذهبية الجميلة.

كما أتذكر بكثير من التلذذ عندما كنت أتلمس الخطوات الأولى في عالم المستديرة في نادي الصخور السوداء بتازطوط رفقة عدد من الأصدقاء رشيد العزيزي والبداوي مصطفى وحميد الحداوي والهلالي سعيد وأوسيد بوعزة والناصيري محمد وموجدو اسماعيل ويوسف شريف وأخرون، كيف كانت أجواء الدوريات حماسية، وأتذكر كذلك الجمهور الغفير الذي كان يحضر بأعداد تفوق جماهير بعض الأندية الأن بالقسم الأول ولكي أضعكم في الصورة كانت تحضر الجماهير من اعوينات ومن امباركيين ومن أيت موسى ومن أيت خويا ومن مولاي بوعزة وأجلموس، ومن كل الفئات رجال ونساء شباب وشابات وأطفال، في بعض الأحيان الدوريات أصبح لها بعد إقليمي كانت دوريات رائعة من ناحية الفرجة والجمهور وستظل لقطة فريدة من نوعها راسخة في ذاكرتي هي عندما أقصت اللجنة المنظمة لأحد الدوريات فريق امباركيين، الذي كان يتوفر على لاعبين موهوبين خاصة الهداف رشيد بالهلال ذو البنية الجسمانية القوية والسرعة والمرواغ الجميل الفقيه لحكام، قلت لما أقصت اللجنة هذا الفريق بدليل أنهم اعترضوا على إجراء أشواط إضافية في الربع وطلبوا التأجيل بدليل أن الظلام قد عم الملعب فكان ردهم على قرار اللجنة إحراق الأقمصة جماعة في اليوم الموالي في منظر دراماتيكي رهيب لينتهي حلم فريق كان مرشحا للظفر بالدوري، ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد فإن كأس هذا الدوري كانت من نصيب فريق أيت خويا الذي كان مدعما بعناصر مجربة ومتمرسة جلبوها من خنيفرة لتطعيم العناصر المحلية التي كان يرافقها جمهور مولوع بالحيدوس والأهازيج الأمازيغية الأصيلة التي أضفت على الدوري طابعا إحتفاليا .

بقي أن أشير أنه في نادي الصخور السوداء، لعبنا دوريات كثيرة وفزنا باحداها في نهائي مثير ضد فريق شباب بوحسوسن، ولن أنسى الكسر الذي تعرضت له يدي اليسرى في أحد المباريات في ارتطام مع الجناح الأيمن حياحي سعيد، ولا زالت أثاره بادية عليٌَ إلى اليوم ، هذا الفريق كان لنا حلما كبيرا أن نلعب في القسم الرابع وقد حصلنا على الترخيص من العصبة بمكناس لكن تداخل الرياضة بالسياسة قتل أحلامنا التي تبخرت مع الوقت ولم تبقى إلا ذكريات صامتة .

هذا الطموح تولد من جديد لدى جمعية شباب بوحسوسن لكن لم يكتب له التحقق لكنه تحقق مع نادي بوحسوسن مؤخرا ونتمنى للتجربة النجاح خاصة وأنه الأن يوجد ملعب على الاقل وهناك وعود بعشب إصطناعي في القادم من الأيام وأملنا في غد جميل ومشرق لكرة القدم بحد بوحسوسن …….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *