وجهة نظر

التجار في قلب حملة انتخابية سابقة لأوانها

انتبه مجلس النواب إلى خطورة احتجاجات التجار المتواصلة منذ أسابيع وسارع، باحتشام، إلى مناقشة مشكل التجار المضربين منذ أسابيع عبر المغرب على إجراءات يتضمنها قانون المالية. فهل سارع المجلس بما يكفي لتفادي انفجار الوضع؟ وهل قدمت الحكومة تنازلات أمام ضغط التجار؟

جاء محمد بنشعبون وزير الإقتصاد والمالية وعضو الأحرار للرد على أسئلة النواب في سياق يتميز بخروج واضح لحزبه عن صف التضامن الحكومي وقيامه، عبر بيان قوي، لمكتبه السياسي، بتحميل مسؤولية هذه الإحتجاجات إلى العدالة والتنمية. حيث اعتبر البيان أن “مصدر هذه المشاكل” تتحملها حكومتا ابن عبد الإله كيران وسعد الدين العثماني، نظرا لتعزيزهما صلاحيات رجال الجمارك لمراقبة الحركة التجارية في الطرق، عوض الحدود فقط، ووضعهما لنظام جديد للفواتير الإلكترونية. حاول بنشعبون تهدئة الوضع عبر التأكيد بأن نظام الفواتير غير مفروض على التجار الصغار (تجار “القريعة” كما سماهم نائب العدالة الأزمي الإدريسي)، وأن هناك فهما خاطئا للقانون. لكن رغم التطمينات، ورغم اتفاق وزارة المالية مع نقابات التجار على إيجاد حل، فقد استمرت الإضرابات. هل يعني هذا تخلي النقابات عن الإتفاق؟ أم أنها لا تتحكم في أعضاءها وقواعدها التي قررت مواصلة الإضراب؟

أمام هجوم الأحرار، يفضل حزب العدالة سياسة التهدئة بل إن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني اعتبر في حوار صحفي أخير أنه “منذ سنة 1997 ليس هناك أي أغلبية حكومية لم تحدث فيها خلافات، -إن لم نقل- أكثر مما يحصل بين الأغلبية الحكومية الحالية”. وإذا كانت قيادة الحزب تفضل، عموما، عدم التصعيد، فان عضو المجلس الوطني محمد أمحجور هاجم بقوة الأحرار. وكتب على فايسبوك تدوينة سربها بعض وزراء الحزب للصحافة جاء فيها أن الأحرار أصدر بلاغا “يهاجم فيه نفسه … ويحتج على قرارات تخص قطاعين يسيرهما منذ 2013 (يقصد وزارتي المالية والتجارة). وهو أمر يعني أن هذا الحزب غير مسؤول عن هذه القرارات لا بشكل مباشر ولا بشكل تضامني” مع الحكومة.

أمام هذا الصراع داخل الحكومة، أو “المزايدات السياسية بين فصائل الأغلبية” حسب تعبير نائب الأصالة عبد اللطيف وهبي لم يبق لأحزاب المعارضة ما تقول، بحيث مرت انتقادات حزبي الإستقلال والأصالة لتدبير الحومة لأزمة التجار مرور الكرام. كما يلاحظ أن صحيفة “ليكونوميست”، المقربة من رجال الأعمال، قد تأرجحت بين مدح حزب الأحرار “لدفاعه عن التجار”، وبين انتقاد ما اعتبرته “ترددا” للحكومة في محاربة القطاع غير المهيكل والتهريب.

من الناحية المسطرية، قام المجلس بطرح موضوع التجار عبر “نقط الإحاطة” في نهاية جلسة الأسئلة. ونقط الإطاحة تناقش عبر أسئلة وأجوبة مباشرة فقط بدون نقاش كموسع كما هو الحال في الأسئلة المحورية. كما ان الموضوع لو كان طرح في بداية الجلسة لساهم ربما في إقناع التجار عبر متابعة عدد أكبر منهم للجلسة في التلفزة. لكن تهميش الموضوع إلى النهاية، أي بعد مرور 3 ساعات على بدايتها، فيعني المغامرة بدفع المشاهدين إلى تغيير القناة. وتبقى حسابات البث التلفزي بالمغرب، عموما، معقدة تتحكم فيها السلطة والبرلمان.

وسياسيا، يكتسي موضوع التجار حساسية كبرى، لأنهم يشكلون احتياطيا انتخابيا استراتيجيا، خاصة بالنسبة لحزبين زعيمهما ينتميان إلى منطقة سوس المعروفة بتقاليدها التجارية. وقد كان بيان الأحرار ذكيا وشاملا وقويا في معارضته، وفي المواضيع التي أثارها بحيث لم يتطرق فقط لقضية التجار، بل إلى قضايا أخرى أساسية مثل الأمازيغية. لقد أبدى الحزبان في هذه القضية اعترافا محتشما بارتكابهما لأخطاء في التدبير، لكن، وبما أن تراكمات الصراعات أصبحت كثيرة وصارت تأخذ شكل حملة انتخابية متواصلة تتجدد مواضيعها في كل مرة، فإن النقد وتبادل رمي المسؤولية يغلب على التضامن الحكومي، مع ملاحظة أن الأحرار هو من سارع إلى الهجوم، لأنه أحس بأنه سيتعرض لأكثر الإنتقادات ما دام أنه يسير وزارتي المالية والتجارة.

معالجة هذه الأزمة يبدو قانونيا وسياسيا على الأقل. أولا، عبر إدخال تعديلات قانونية وعلى 3 مواد على الأقل من مدونة الضرائب (م 20 – 82 – 145) كما أشار أحد النواب. كما يتطلب الأمر تعديل مدونة الجمارك لمنع رجالها من مراقبة شاحنات التجار في الطرق. أما الحل السياسي وهو أساسي، فيمر عبر تعزيز ثقة المواطن في المؤسسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *