وجهة نظر

رحيق الكلام : زمن “النشرة”.

لست أدري كيف جرفني الحنين في غسق هذه الليلة الباردة جدا جدا، إلى عدد قديم من جريدة “النشرة “، الجريدة الأسبوعية التي كنت مدمنا على قرائتها في مراهقتي، أيام دراستي بثانوية مولاي رشيد، هناك بين وهاد قرية أجلموس، في قلب جبال الأطلس الشامخ.

أتذكر في ذاك الزمن المنفلث من الذاكرة، لم يكن الهاتف المحمول موجودا أصلا، لا ذكيا ولا غبيا، كانت لهفتي كبيرة لانتظار صبيحة كل أربعاء، لقصد الكشك الوحيد بالقرية لاقتناء عدد جديد من معشوقتي ،جريدة النشرة، التي كانت نافذتي على العالم، لا أنكر أن هذه الجريدة ساهمت في تشكيل وعيي، إذ كان لها دورا كبيرا في تشبعي مبكرا بالفكر النقدي وتحطيم كل البديهيات التي كانت تلقن لنا ببيداغوجية بضاعتنا ردت لنا، دون تربيتنا على مهارات التحليل والنقد والتركيب، حيث كان الحفظ هو مركز العملية التعلمية.

في تلك الفترة الذهبية، أتذكر أنني كنت أجمع طيلة الاسبوع ما يجود به علي أبي من نقود صفراء، لكي أشتري أي عدد جديد من جريدة كانت ملهمتي في زمن بعيد ، كان لص القراءة يطاردني، ولعنة الكتابة تغريني، تاركا التمارين الى أخر لحظة قبل دق جرس الدخول. كان ذلك جزء من حكايتي الجميلة مع المقروء الذي ترسخ في المخيلة ،لا أنكر وأنا الأن في الكثير من اللحظات عندما أدبج مقالا أو أكتب نصا تتمنع الكلمات وتهرب مني فأستجند بذلك المخزون اللغوي البعيد فيكون المنقد ،هذه الحالة تكررت مرات عديدة .

طبعا وأنا أقوم بهذا الفلاش باك لن أنسى تأثير أستاذنا الكبير سي بوشتى الذي كان يدرسنا اللغة العربية لم يكن مدرسا للمقرر فقط بل كان يعلمنا الحياة وفن العيش ، كان يفتح أقواسا كثيرة، أعتقد أغلقت مع هذه المناهج الدراسية التافهة التي ابتليت بها مدارسنا الباردة جدا .

لا يمكن لي أن أتذكر زمن النشرة دون ذكر أصدقاء الدرس بين وهاد قرية إسمها أجلموس وخاصة الخطابي محمد الذي كان يجود علينا كل جمعة بقصيدة بلغة مولير وبطلاقة قل نظيرها ولن أنسى كذلك جواد أفطول الفيلسوف الذي سبق زمانه، من كان يرمي المراجع في وجه أستاذنا وهو ينافح عن أطروحته كان مخالفا للجميع وممتعا في نفس الوقت .

أعترف، بكل صراحة لا يمكن لي تصفح أعداد هذه الجريدة التي شكلت جزء من تفكيري في مرحلة كنت فيها متمردا على كل ما هو نمطي، دون أن أتحسر على زمن جميل ذهب ولن يعود أمام هذه الهجمة الشرسة للعولمة التي أفقدتنا العديد من الأمور الجميلة لهذا سأظل أحتفظ بهذه الأعداد بكل فخر واعتزاز لانها كانت مدرستي الأولى في رحاب صاحبة الجلالة التي ذهبت إليها عاشقا، في مقابل ذلك يستزفني سؤالا مؤرقا، هل جيل الفيسبوك وتويتر يقرأ الجرائد ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *