وجهة نظر

“سيزيف” ألبير كامو.. وبعد موتي اجعلوا قبري بجوار قبر والدتي

في هذه الأيام ، ورد في الأخبار ، أخبار بلدنا المغرب ، قصة درامية ، تكاد تكون من تصميم الخيال . كان ضحيتها طفل مغربي ، تجاوز سنه سن التمييز بقليل . لكن المؤسف ، أن هذا الخبر ، رغم أهميته ورغم قسوته و مرارته ، فقد مرّ مرور الكرام .

لمدة ست سنوات ، و هذا الطفل ، رغم غضاضة جسده الصغير ، يحمل على كاهله ثقلا تنوء به الجبال و الرجال . و بعدما لم يجد من يحس بثقل ما يحمل من ثقل ، انهار في نهاية المطاف . و في غمرة انهياره ، لم يجد إلا الحبر و القرطاس مسعفا ، لإيصال معاناته ، بتسطير أمنياته الأخيرة ، في مشهد يتشابه بشكل تام ، بذاك الذي تصدر في حقه عقوبة الإعدام ، و خلال التنفيذ ، يحتال عليه الجلاد بلعبة نفسية ، تتماها معها النفس بكل تلقائية ، بترك أمنيات أو وصايا أخيرة .

ها أنا ذا أرحل ، و انتم تعلمون ، أنه عند (حياتي المعذبة ) ، لم أطلب منكم شيئا ، لأني قد علمت بضيق وقتكم و انشغالكم الكبير عنّا ، أنا و من هم في سني ووضعي من الأطفال اليتامى ، الذين تركتهم أمهاتهم ، و رحلن من دون استئذان أو إخبار . رحلن إلى القبور من دون ترك رسالة وداع ، و لا وصية لقريب أو بعيد ، كي يتفهم مآسينا أو يلبي متطلباتنا القليلة ، التي لا تنتقص من أموالهم و حنانهم مثقال ذرة . لكن في ذروة انشغالكم عنا ، بتأمين مستقبلكم و مستقبل أبناءكم و ذويكم ، أنتم الذين تتحكمون في رقابنا ، لا أطلب منكم في النهاية ، سوى طلبا أخير ، صغير . و ليتكم تستجيبون له ، بأن تدفنوني بعد مماتي ، الذي سأقرره بنفسي ، بجوار قبر والدتي .

إن رحيل هذا الطفل ، ضحية مجتمع ، و عائلة ، و دولة لا تستطيع أن تقوم بما هو مطلوب منها ، و تسطيره لذلك الكتاب ، يكون بذلك قد أعاد ذلك التساؤل الذي لطالما أرّق الفلاسفة ، و جعلهم يؤلفون كتبا و مجلدات ، لعلهم بذلك يصلون إلى الحقيقة . فحقيقة الحياة و الموت ، و حقيقة أبعاد الكون و فصوص المخ .. كلها حقائق لم يتم لحد الآن سبر أغوارها .

” ألبير كامو ” مثله مثل ” أرثور شوبنهاور” ، ( الفيلسوف المتشائم ) و غيره .. تساءل كثيرا عن سر الحياة و الموت الذاتي ، و هل حقا تستحق هذه الحياة أن تعاش ؟ ففي روايته ” أسطورة سيزيف ” ، تمثّل ” ألبير كامو ” الحياة بذاك الرجل الذي يحمل صخرة من قاع جبل في اتجاه القمة . و كلما أوشك على الوصول إلى المبتغى ، سقطت منه الصخرة ، و تدحرجت عائدة إلى نقطة البداية . ففي الحقيقة ، عند تفاصيل وضع كهذا ، تطرح الكثير من الأسئلة . لأن معقولية العقل و المنطق ، و الصعود و النزول المتكرر ، الذي يعقبه الفشل الدائم ، لا محالة ستحدث تلك الثقوب التي سيتسلل منها التشاؤم إلى النفس التواقة أبدا إلى الحرية .

في الأزمنة القديمة البدائية ، حينما لم تكن هناك دولة أو ما يسمى اليوم بالحضارة ، كان الناس يحيون حياة طبيعية . لم يكن هناك تفاوت طبقي ، و لم يكن هناك تحكم ، و لم تكن هناك وزارات وصية ، و لم يكن هناك حكاما متملكين رقاب الناس و العباد .. و في نفس الآن ، لم تكن هناك مأساة بمثل هذه المأساة التي كان ضحيتها طفل صغير . فلو بحثنا بنقرة واحدة ، على محرك بحث ما على شبكة الانترنيت ، عن عدد المؤسسات التي تعنى بالطفولة بالمغرب ، لوجدنا منها عددا كبير .

لكن ، عند استحضار هذه المأساة ، الناتجة عن الانفلات في زمام الأمور ، قد يتبادر إلى الذهن ، أن إحداث كل تلك المؤسسات ، كان لأغراض أخرى غير غرض حماية الطفولة . فكم من مؤسسة ثم إحداثها ، زاغت عن أهدافها ، و لم تكن منذ البداية إلا لعبة ، غرضها الوحيد ، توفير و إحداث مناصب لذوي و عائلة و أصدقاء من قاموا بإحداثها .

و في عز حرارة هذه اللوعة ، فقد يتم استحضار أحداثا مشابهة عدة . منها ما قد يصل إلى حد التفاهة . فذات يوم ، الوزيرة الوصية على الأسرة و الطفولة ، خرجت لتروج لقانون ساهمت في إصداره ، موضوعه التحرش ضد النساء . و في أحد الندوات التي جعلت خصيصا لذلك ، صرحت بكل فخر و اعتزاز ، و كأنها وضعت يدها على أحد أكبر أسرار الكون خطورة ، بأن قانونها هذا ، قد لاقى الترحيب من الدول الأوربية ، و أنه صنعا مغربيا ، لم يفرض بأي شكل من الأشكال من القوى الخارجية . لكن وعيها ، لم يكن و لازال لم يدرك أن البلد لا تحتاج إلى مثل هذه القوانين التي على كثرتها ، يصعب على المهتم ، التفريق فيما بينها . وكل ما يحتاجه البلد هو التشمير على السواعد ، و القيام بما تلزمه المسؤولية ، حتى لا تتكرر مثل هذه المأساة .

فموت هذا الطفل ، و آلام أطفال آخرين ، الذين لم يكن ذنبهم الوحيد ، إلا أنهم ولدوا في أرض يتحكم بها أشخاص لا يقيمون وزنا للمسؤلية ، هي مسؤولية مشتركة ، تتحملها العائلة و يتحملها الأستاذ و الوزير .. و كل من يدّعي سهره على حماية هذا الشعب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *