مجتمع

“القانون الإطار” يواصل إثارة الجدل .. فاعلون يعتبرونه “تدميرا للهوية” (صور)

اعتبر فاعلون في مسألة اللغة، أن مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين الذي يتم مناقشته في البرلمان، يشكل “تهديدا خطيرا لهوية المغاربة”، مشيرين إلى أن تمرير هذا المشروع يعني “فقدان المغاربة لهويتهم بعد 10 سنوات من الآن”، داعين الحكومة والبرلمان إلى رفض هذا المقترح، ومناشدة الملك لحماية اللغة العربية.

جاء ذلك خلال ندوة فكرية حول موضوع “اللغة والهوية”، نظمتها حركة التوحيد والإصلاح بمدينة طنجة أمس الجمعة، أطرها كل من القيادي الاستقلالي والوزير السابق مولاي امحمد الخليفة، ورئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية فؤاد بوعلي، والباحث في الفكر والآداب محمد نافع العشيري.

وقال المتدخلون إن مشروع القانون الإطار “يسعى إلى فرض اللغة الفرنسية بالقوة، بعدما فشلوا في ترسيمها في الدستور”، مشيرين إلى أن المغرب “يعيش حالة تيه مرجعي على مستوى الهوية اللغوية”، مشددين على ضرورة إعادة الاعتبار للغات الوطنية، بالنظر إلى كون اللغة تشكل رؤية للعالم وليس فقط وسيلة للتواصل.

“اللعب بمصير الشعب”

القيادي الاستقلالي والوزير السابق مولاي امحمد الخليفة، حذر من عواقب تمرير مشروع القانون الإطار رقم 51.17، معتبرا أن هذا المشروع “سيُفقد المغاربة هويتهم”، مشيرا إلى أنه “في حالة المصادقة عليه، فإننا سنكون أمام المسمار الذي سيُدق في نعش المغرب من أجل فقد هويته، وليس شيئا آخر”.

وقال الخليفة في مداخلته، إن مشروع القانون الإطار سيكون أعلى قانون متعلق بالمنظومة التعليمية بالمملكة، وهو ما يعني أن كل القوانين التي ستأتي بعده ستكون مطابقة له، مردفا بالقول: “نتيجة ذلك أنه في سنة 2030 سيتحول المغاربة إلى شعب آخر في هويتهم اللغوية”، حسب قوله.

وأعلن القيادي البارز في حزب الاستقلال، أنه يرفض هذا المشروع جملة وتفصيلا، خاصة المادتين 31 و31 منه، مشددا على أن “هذا القانون لن يمر، لأنه من حقنا الطبيعي أن ندافع عن أنفسنا، وهؤلاء الناس يريدون خراب المغرب، ويجب التحدث معهم بصراحة سواء كانوا في البرلمان أو الحكومة أو في أي مكان آخر، لأنهم يلعبون بمصير الشعب المغربي”.

وتابع قوله: “الدستور يحدد بشكل واضح لغة وهوية البلد، وتأتي الحكومة إلى البرلمان بقانون ينسخ ما جاء في الدستور، وهنا لا يبقى مجال للنقاش، فنحن لسنا أمام قانون عادي عبارة عن اجتهاد لوزير أو حزب معين، بل أمام قانون إطار أتت به الحكومة يخالف الدستور، لذلك يجب رفض القانون من أساسه لأنه غير دستوري”.

“المقاطعة”

وبخصوص التحركات الأخيرة داخل البرلمان من أجل مناقشة وتعديل مشروع هذا القانون الإطار، اعتبر المتحدث أن إجراء التعديلات على المشروع هو “أمر غير مقبول أصلا، لأن القانون غير دستوري من أساسه”، لافتا إلى أن ما يتم تداوله عن أن استعمال اللغة الفرنسية في التعليم أصبح أمرا محسوما داخل البرلمان ولن يتم التراجع عنه، “هي معطيات غير صحيحة، لأن الأمور لم تحسم ويجب أن لا نيأس، فهويتنا ستنتصر”.

وأضاف قائلا: “أحزاب الإدارة لن تتقي الله في البلاد وستصوت للقانون وستتصدى من أجل تمريره، بقيت الأحزاب الوطنية إن بقي فيها شيء من الأمل، لا يجب الكذب وممارسة الحيل على الشعب المغربي عبر القول إننا نحاول الدفاع عن الهوية الوطنية، بل الأمر يقتضي القول إن هذا القانون جريمة بحق المغاربة وسيؤدي إلى مسخ الشعب المغربي”.

ودعا الخليفة الفرق البرلمانية إلى بعث رسالة إلى الملك محمد السادس، تناشده من خلالها بالتدخل من أجل حماية الدستور، متابعا قوله: “إذا لم تقبل الحكومة التراجع عن هذه الخطوة غير المقبولة، فينبغي على الأحزاب من داخل البرلمان عدم التصويت، ولو كنت في البرلمان لدعوت إلى الإضراب والمقاطعة ضد مشروع هذا القانون، وهذا سينفع الحكومة”.

“لا خير في أمة تنسى لغتها”

وزير الوظيفة العمومية والإصلا ح الإداري سابقا، شدد على أن لكل شيء في هذا الكون هوية، بما فيها الحيوانات، متسائلا بالقول: “فلماذا يحاربون هويتنا؟ لا يجب الاستسلام فنحن في بداية المعركة، والأمر يتعلق بالجزء الأساسي من الهوية المغربية وهي اللغة العربية والأمازيغية، والعربية لن تموت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كما هو الشأن بالنسبة للإسلام”، وفق تعبيره.

وأشار الخليفة إلى أن معركة الهوية بدأت منذ بداية الاستعمار الذي لم يستطع النجاح في القضاء على العربية، لافتا إلى أن المغابة عاشوا طيلة 40 عاما من الاستعمار على شيئين اثنين، الكفاح من أجل الهوية ومن ضمنها العربية، والكفاح من أجل الإسلام، مضيفا أنه بعد الاستقلال اتفق الجميع في المغرب، ملكة وحكومة وشعبا، على تعريب التعليم ومغربته وتوحيده.

واعتبر أن “اللوبي الفرنسي يقف دوما ضد عمليات الإصلاح الحقيقية للتعليم، لأنها كانت مبنية على العربية، والفكر الاستعماري كان يحاول أن يخلق صراعا بين العربية والأمازيغية من أجل أن تنتصر الفرنسية، ولم ينجح رغم كل جهوده لأننا أمة واحدة وحَّدها الإسلام، فالأمم لا يمكن أن تتعلم إلا بلغاتها، ومن يأخذ العلم بلغة دولة أخرى تأخذه في فكرها”.

“تيه مرجعي”

رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية فؤاد بوعلي، قال إن المغرب يعيش حالة من التيه المرجعي في مسألة الهوية واللغات، مشيرا إلى أن الدستور ينص على أن اللغتين العربية والأمازيغية هما اللغتين الرسميتين للبلد، “لكن الواقع شيء آخر، وهو ما يؤكد أننا نعيش بدون مرجع”، حسب تعبيره.

واعتبر بوعلي خلال الندوة الفكرية ذاتها، أن النقاش حول المسألة اللغوية بالمغرب “هو تجلٍ لأزمة داخل الدولة بعد الاستقلال، ونحن نجني تداعيات عدم إجابة الدولة على إشكالات ما بعد الاستقلال في الجانب اللغوي والتنموي والوحدة الترابية وغيرها”، حسب قوله.

وأوضح الكاتب والباحث أن “مشكل التعليم في المملكة تم تقزيمه إلى لغة التدريس، أي تم تهريب النقاش من الأسئلة المحورية إلى الفرعية، وهذا يكشف بوضوح أن المغرب دولة بدون مشروع وطني، فكل يغني على ليلاه، لأن المغرب يجيب عن الأسئلة الفرعية ويتفادى الجوهرية”، على حد قوله.

“فرض الفرنسية”

ولفت المتحدث إلى أن “هناك محاولة لفرض اللغة الفرنسية بشكل فج وبتأويلات خاصة للنص اللغوي”، معتبرا أن النقاش اللغوي بالمغرب “فوضوي”، وأن الذين يدبرون المسألة اللغوية للمغاربة لا يدركون قيمة الأمن والسيادة اللغوية لكل بلد، فاللغة ليست فقط هوية، بل تشكل بعدا استراتيجيا للدولة، فهي التي شكلت لنا بعدنا في إفريقيا وعلاقتنا بأوروبا والعالم، وفق تعبيره.

بوعلي قال إن القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، “مليء بالألغام والفخاخ”، خاصة تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية، مشيرا إلى أن “التناوب في العالم كله يكون بين اللغات الوطنية، إلا في المغرب يكون بين اللغات الوطنية والأجنبية”، مضيفا أنه “حين نصبح أمام مسؤول في البرلمان يقول إن التعريب خرب التعليم، فهذا إشكال حقيقي”.

وتابع قوله: “هناك مسؤولين يدعون إلى ترسيم الفرنسية عمليا باعتبارها من اللغات الوطنية إلى جانب العبرية كمكون وطني، لأنهم لم يستطيعوا ترسيمها في الدستور، وهم لا يدركون أن اللغة ليست مجرد آلية، لكنها تحمل منظومة قيم، لذلك يعتبر المفكرون أن الترجمة تشكل خيانة لأنها لا تنقل المعاني كما هي”.

3 خيارات

وحول مستقبل المسألة اللغوية بالمغرب، اعتبر بوعلي أن هناك 3 خيارات أمام الدولة، يتمثل الأول في تدريس العلوم التقنية باللغة الفرنسية، “وهو الخيار الذي تدافع عنه النخبة الفرنكفونية، رغم كونه خيارا فاشلا، لأن استعمال الفرنسية هو اجترار للفشل، فحتى في فرنسا يدرسون المواد العلمية بالإنجليزية وليس بالفرنسية”.

أما الخيار الثاني، فهو ما أسماه بـ”الخيار الرواندي”، ويتمثل في اعتماد الإنجليزية كلغة للعلوم، مشيرا إلى أن دولة رواندا التي كانت معروفة في العالم بعمليات القتل والإبادة الجماعية على أسس عرقية وطائفية، أصبحت اليوم دولة متقدمة في إفريقيا، ومفتاحها في ذلك هو تغيير اللغة الفرنسية بالإنجليزية، ما جعلها تتطور في ظرف قياسي.

لكن هذا الخيار، يضيف المتحدث، عليه ملاحظات تتجلى أساسا في تجربة الدول التي اعتمدته من قبل، خاصة ماليزيا والفلبين، لافتا إلى أن ماليزيا صعدت فعلا بشكل مذهل باعتماد الإنجليزية لغة للعلوم منذ مرحلة مهاتير محمد، لكنهم اليوم تراجعوا عن هذا الخيار وقرروا اعتماد اللغات الوطنية في التعليم، بعدما اكتشفوا أن التقدم الحقيقي يكمن في الهوية اللغوية.

وانطلاقا من ذلك، يقول بوعلي، يبقى الخيار الثالث هو الأنجع في كل تلك الخيارات، والمتمثل في اعتماد اللغة الوطنية، قائلا: “لا توجد دولة متقدمة في العالم لا تدرس بلغتها، علما أن العربية من أكثر اللغات تداولا في العالم، فالكتب العلمية تضم %6 من المصطلحات العلمية على أكثر تقدير، والباقي كله إنشاء باللغة، فهل سنضحي بـ%94 من أجل %6 كما قال التازي”.

وفي سياق متصل، اعتبر بوعلي أن أكاديمية محمد السادس للغة العربية أصبحت “مجرد إدارة” داخل مشروع المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، مشيرا إلى أن أفضل ما قام به الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، هو نقل النقاش حول اللغة والهوية من الصالونات إلى المجتمع، لافتا إلى أن القانون الإطار حول التعليم “ليس هو المعركة الأخيرة”، حسب وصفه.

اللغة.. رؤية للعالم

من جهته، قال الكاتب والباحث في الفكر والآداب، محمد نافع العشيري، إن اللغة تشكل رؤية للعالم وليست فقط وسيلة للتواصل، مشيرا إلى أن كل لغة تقدم رؤيتها الخاصة للعالم، وهو ما يميزها عن غيرها، مشيرا إلى أن اللغة ترتبط بالفكر والوجدان معا، فلا يمكن الفصل في اللغة بين الجانب الوجداني والعقلي.

وأوضح العشيري في مداخلته خلال الندوة، أن اللغة العربية تُعد مسألة أساسية في تشكيل الوعي المغربي، باعتبارها لغة الدين الذي يعتنقه المغاربة، لافتا إلى أنها لغة شاملة تخاطب الإنسان بكل بنياته من فكر ووجدان وروح، علاوة على كونها لغة منفتحة على العالم، وفق تعبيره.

وشدد المتحدث على أن العربية هي لغة ضامنة للتوازن الاجتماعي بحكم قربها من “الدارجة” في التواصل والمحادثة، رغم بعض الإشكالات على مستوى التدريس بالنسبة للأميين، إلا أنه على مستوى الفهم يسهل على كل المغاربة فهم العربية، مضيفا أن %1 فقط من التلاميذ المغاربة يتقنون الفرنسية، وهو ما يعكس فشل محاولة فرضها بالمغرب.

صاحب كتاب “اللغة والهوية”، شدد على دولة متقدمة مثل إيسلاندا، قررت تدريس التعليم بلغتها في كل المستويات رغم أنها لغة صعبة في التعلم، حيث تجندت كل مؤسسات المجتمع من حكومة وبرلمان ومجتمع مدني ووسائل الإعلام لإنجاح هذا التوجه، كما عملت الحكومة على حماية هذه اللغة من كل الكلمات الدخيلة عليها، لتصبح الأيسلاندية اليوم اللغة الوحيدة في العالم التي لا توجد فيها مصطلحات دخيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *