وجهة نظر

التشجيع والحنان والكلام اللطيف في التربية المغربية يعتبر “فشوش”

للطفل قدرات هائلة لا نستطيع حتى إحصاءها، مُخزنة عنده منذ شهور حمله حيث تبرهن البحوث العلمية عن “ذكاء الجنين”. وقد توصلت التجارب العلمية أن الجنين يتفاعل بشكل خاص إذا كان جو محيطه هادئاً وتسوده السكينة والطمأنينة، بينما يصيبه القلق (ارتفاع دقات القلب) إذا كان الفزع والنزاع في محيطه.

ويؤسفني جدا أنني كثيراً ما ألاحظ المجتمع المغربي (المثقف والغني والأمي والفقير) يلجأ لتربية الطفل إلى أساليب بشعة وعنيفة مثل الضرب والسب “الله يْلْعْنْها سْلْعَة” وبالشتائم “شوفْ حالْتْكْ أوْجْهْ الوِيلْ”، والإهانات “الحمار، الضبع، البغل، الكلب”، والإسقاط في الفشل “أنت والله ما عْمّْرْكْ وْلا تْكونْ شِي حاجَةّْ”.

أسباب كل هذا العنف في التربية المغربية ناتج عن عدد من أشكال العنف الذي ترسّخت عند الآباء خلال طفولتهم وهذه بعض السيناريوهات التي تتكرر عبر الأجيال:

1- العنف داخل الأسرة

ينمو الطفل في جو عائلي مشحون بالعنف اللفظي والبدني والسلوكي. فيرى الطفل أن أبويه يصرخان عليه بدون انقطاع بصوت جد حاد ويتسم بالعنف والخشونة “اَجي لّْهْنّا أوْلْدْ الحّْرّام”ْ. كما يرى الطفل أبويه يتشاجران معاً بشكل دائم ولهذا نرى الأطفال ينتجون بِدورهم نفس أشكال العنف في علاقاتهم داخل وخارج المنزل، بين الإخوة وبين التلاميذ.

2- العنف في المدرسة

يرى الطفل مع بداية دخوله المدرسة كيف أن المعلم يصرخ في وجهه ويهدده ويُرعبه ويضربه في بعض الحالات، ويهينه ويسبه مثل “يْخّْ عْلى تْرْبِيَّة وْعْلى جيلْ كِدايْرْ”، ويوبخه ويحبطه إلى أقصى الدرجات: “اِذا زْدْتي هَكّا عْلى عْمْيّْتْكْ ماعْمّْرْكْ وْلا غَدي طّْفْرو”.

3- اعتبار الطفل ورقة بيضاء

لا زالت التربية المغربية تعتبر الطفل كإناء فارغ تُملؤه بما شاءت وتلجأُ إلى العنف والإكراه لإجباره على تحميله بالمعلومات، جاهلةً أنه مملوء مسبقا بقدرات لا تحصى وتنتظر التشجيع والتحفيز لاستيقاظها ونموها.

4- اعتبار كل الأطفال سواسية

لكل طفل خصوصياته ولا يوجد طفل يشبه آخر. والتربية المغربية لا تتكيف مع كل طفل على حِدا حسب خصوصياته واحتياجاته بل تلجئ إلى العنف لكي يمرَّ كل الأطفال في نفس القالب و هكذا تُكسر عظام شخصية الآلاف من الأطفال.

5- نمو القدرات يختلف من طفل إلى آخر

تستيقظ وتنمو قدرات الطفل حسب حاجياته المرحلية وحسب درجة تحفيز وتشجيع وعطف وحنان الآباء. كما تنمو هذه القدرات بشكل غير مُرتَّب عند كل طفل حيث نجد مثلا طفلا يتعلم بسرعة الرياضيات وطفلا آخر ينبغ في الرسم.

لكن التربية المغربية تعتبر الاهتمام بالرياضيات أفضل من الفنون. والذي تجهله التربية المغربية هو أن الطفل الذي يهتم بالرسم في حاجة لتنمية قدراته الفنية لأنها هي التي ستسمح له تدريجاً بتفعيل قدراته في الرياضيات مثلا. وإذا غابت المرافقة اللطيفة سوف يشعر الطفل بالإحباط وتموت قدراته في الفنون وكذلك في الرياضيات وغيرها من المواد.

6- جهل أهمية التبادل العاطفي مع الطفل

الطفل في حاجة كبيرة للإشباع العاطفي والحنان وفي حاجة إلى تعبير والديه عن حبهما له وافتخارهما به كلما أتيحت لهما الفرصة. ولقد اتضح أن دماغ الطفل وقدراته الذهنية والنفسية تنمو بشكل سريع وأكبر عند الطفل الذي يتلقى عطفا وحنانا وحبا من أبويه. ومع الأسف الشديد ألاحظ في الفكر المغربي التربوي تفشي الاعتقاد الخاطئ بأن التعبير عن الحنان للطفل يشكل خطرا على تكوين شخصيته بحيث يصبح إنسانا خجولا وضعيفا في المجتمع، بينما يسود الاعتقاد أن القسوة في التعامل معه تجعل منه شخصا قويا كما يقال “باشْ يْكونْ قاصْحْ”. وأغلب الآباء يقولون “وْعْلاشْ خْصّْني نْقولو أنا كَنْحْبّْكْ؟ راها بايْنا”، صحيح أن الأمر واضح بالنسبة للآباء لكن بالنسبة للطفل هو أمر غامض وهو في حاجة للتعبير عن الحب له مرات عديدة في اليوم.

7- اعتبار التشجيع والتعبير عن الحب “فشوش”

كلما عرضت في أثناء دورات تكوينية أهمية التشجيع، أسمع الآباء يعقبون : “إوا اِلا الطفل جابْ نقطة مَمْزْياناشْ وْشْجّْعْتو مَغَديشْ يْخْدْمْ مْزْيانْ”. وهذا خطأ لأن التشجيع هو الذي يُنمي كل قدرات الطفل وهو غياب السب والتوبيخ والتهديد والضرب. وعلى سبيل هذا المثال بإمكاني أن أتشاور مع طفلي وأساعده على تحليل طرق عمله ومجهوده وأعبر له أنني أومن بقدراته وأن بإمكانه أن ينميها في الدراسة كذلك، وأن المهم ليس النقطة بل المجهود والاصطبار والاستمرارية، وأساعده على تنظيم وقته وبرمجة أولوياته….. وهذه المشاورة في حد ذاتها تشكل تشجيعاً كبيراً وخصوصا إذا كان فيها تبادل عاطفي.

* الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *