وجهة نظر

العقل السياسي المغربي.. والنضال الفئوي

إن المتتبع للمشهد السياسي المغربي وخصوصا مع بداية الربيع الديمقراطي، يرى جليا كيف نجح العقل السياسي المغربي في تشتيت نضالات المغاربة وبعثرت “وحدتهم” النضالية، إذ جعل كل فئة تطالب بما تراه في مصلحتها، وإن كان على حساب فئة أخرى من فئات المجتمع ذاته، فهناك الدكاترة والمهندسون والأساتذة المرسمون والمتعاقدون وأصحاب الزنزانة التاسعة والأرامل والمطلقات والفلاحون وأصحاب الحرف التقليدية وهلم جرا… .

أكتب هذه السطور بعد مشاهدة القمع الوحشي الذي تعرض له الأساتذة المتعاقدون “الذين فرض عليهم التعاقد”، من طرف أبناء الشعب “الذين فرض عليهم التجنيد”، والدخول في الخدمة العسكرية، وبها عادت بي الذاكرة إلى بدايات النضال سنة 2011، كيف كان الجميع يصدح بصوت واحد وإن كانت المطالب مختلفة، وكيف كان “المخزن” يتعامل مع نضالات الشعب المغربي.

وفي خضم غليان الشارع بجميع ربوع المغرب، كان هناك مجموعة من الطلبة “الذين فرضت عليهم العطالة” و”فرض عليهم النضال” يناضلون في شوارع الرباط من أجل التوظيف المباشر كما استفاد منه مئات من أبناء الشعب مثلهم، وأتذكر كيف كان الصراع بين مجموعة ومجموعة ومن سبق للميدان ومن ومن..، وكيف كانت جل المجموعات تسعى للظفر بلقاء أحد المسؤولين علها تحصل على توقيع تعضد به موقعها بين المجموعات، فالشهادة نفسها وإن اختلفت التخصصات، لكن السابق ليس كاللاحق. فالأول في الميدان يكون أستاذا ومعلما وذا خبرة وعلى المتأخر أن يلتزم بالقواعد.

وعلَّ مجموعة من الذين “فرضت عليهم العطالة” بالأمس، وجدوا أنفسهم بين مئات الطلبة “الذين فرض عليهم التعاقد” اليوم. وهاهم يناضلون من أجل الترسيم بعد اجتيازهم للمباراة التي كان الجميع يرفضها رفضا مطلقا، وكان كل من يذهب لاجتيازها يعتبر في نظر أبناء الطبقة الكادحة “خائنا” للمناضلين. المشكلة ليست في اجتياز المباراة من عدمه، أو في مواصلة النضال بالشارع، بل الإشكال يكمن في التشظي المستمر بين فئة وفئة، وفي أحايين كثيرة بين أفراد الفئة الواحدة، وهذا يضطرنا للقول بأن العقل السياسي المدبر لشؤون الدولة ما يزال منتصرا على العقل الجمعي المشتت لجميع الفئات بشتى تلاوينها.

فمن يوحد هذا الشتات؟ ومن يجعل منه لحمة واحدة تصدح بصوت واحد وإن اختلفت المطالب؟ أسئلة وغيرها كثير وإجابتها أظن أنها لدى كل واحد وكل فئة من فئات المجتمع، وأظن أنه لن نصل كفئات مجتمعية مطالبة بحرية تعبير وعيش كريم وعدالة اجتماعية..، إلا بالتخلي عن أنانياتنا وتوحيد نضالاتنا كشعب، وتجاوز الاختلافات السياسية والوقوف في وجه سراق الوطن الذين يفسدون فيه ولا يصلحون…، وأن نتجاوز مقولة “فرق تسد” بالاتحاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *