وجهة نظر

تداول اللغة العربية في الأنترنيت: وهم ناعم وحقائق مرة!!!

يتداول مجموعة من الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي معطيات إحصائية تتعلق بمراكز اللغات من حيث التداول على الأنترنيت، ويفتخرون بتقدم اللغة العربية من المركز السابع إلى المركز الرابع، متقدمة على عدد من اللغات الأجنبية بما فيها اللغة الفرنسية…

ولكن يا سادة يا كرام: هل هذا دليل كاف للقول بـ”تفوق” لغتنا العربية على باقي اللغات؟

– ونحن نعلم أن هذا التداول الغثائي يدخل فيه ما يسيء إلى اللغة العربية في ذاتها، بل ويسهم في قتلها وتشويه قواعدها !!

– ونحن نعلم أنه تداول حروفه عربية ومضامينه بعيدة عن روح العربية، لأنه ممزوج بأزيد من 90% من العاميات العربية، بل وحتى بألفاظ أجنبية هجينة تشبه ما يمكن أن نسميه “بالعرنسية” و”العجليزية” و”العسبانية” !!!

– ونحن نعلم أنه تداول معظمه فارغ لأنه ينشر التفاهة ويعمق البلادة في كل شيء، بمعنى آخر إنه تداول غير مشرف لأن معظمه لا ينصرف إلى العلم والمعرفة وصناعة الحضارة.

ثم يا سادة يا كرام، دعونا ننظر إلى واقع الصناعة الثقيلة للغتنا الجميلة، هل هو بخير وعلى خير حتى يحق لنا أن يفنخر بهذا التداول الغثائي لها على الأنترنيت:

– هل تعلمون- وحسب تقرير استخدام الأنترنيت في العالم لسنة 2016-2017- أن 55.5 % من محتوى الأنترنيت في العالم هو بالإنجليزية، ثم يليه محتوى الروسية ب 5.9%، ثم الألمانية ب 5.8%، ثم اليابانية ب 5.0%، أما المحتوى باللغة العربية فأقل من 1%، وتحديدا 0.7% !!!

– وهل تعلمون أن اللغة العربية لا توجد في سلم العشرين لغة “الأكثر استخداما لموسوعة wikipidia”، بينما توجد فيها لغات لا يزيد عدد الناطقين بها عن عشرة ملايين نسمة كالسويد (9.6 م) وهنغاريا (9.83 م) والنرويج (5. 211 م)!!

– هل تعلمون أن الإنتاج العربي من الكتب باللغة العربية لا يزيد على 1,1 % من الإنتاج العالمي!!

– هل تعلمون وحسب دراسة أنجزتها اليونسكو حول الحصيلة الكلية للترجمة العربية، تفيد بأن ما ترجم إلى اللغة العربية، منذ عصر المامون سنة 813 م إلى اليوم، لم يتجاوز العشرة آلاف كتاب، وهو عدد يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة فقط.

– وأن ما تترجمه الدول العربية مجتمعة في السنة الواحدة لا يعادل خمس ما تترجمه اليونان وحدها في العام.

– وأن متوسط ما يترجمه العالم العربي على مدى خمس سنوات هو 4,4 كتاب مترجم لكل مليون مواطن عربي، بينما متوسط الترجمة في هنغاريا يصل إلى 519 كتاب مترجم لكل مليون مواطن هنغاري في نفس الفترة.

– وأن نسبة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية تقتسم فيه العربية والصينية أقل من 1% (حسب إحصائيات المنظمة العربية للترجمة سنة 2017).

– وأن جل الكتب المترجمة للغة العربية لا تدخل في باب العلوم الحقة والطبيعية والهندسة والتكنولوجيا، وإنما تتعلق بالأدب والسياسة والمسرح وبعض العلوم الإنسانية.

– وهل تعلمون أن اليابان التي نستشهد بها كثيرا في مجال النهوض والتقدم العلمي هي أنشط دولة في مجال الترجمة العلمية والتقنية على الإطلاق (كانت تترجم في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ما لا يقل عن 30 مليون صفحة سنويا)، وأنها كانت تعقد اتفاقات مع كبرى دور النشر العالمية لإصدار طبعة باللغة اليابانية من إصدارات هذه الدور حال صدورها بلغتها الأصلية.

– وهل تعلمون أن إنتاج المصطلحات الجديدة، خاصة في المجال العلمي والتكنولوجي، والتي تضاف لقواميس اللغات الأخرى أكثر بكثير مما يضاف إلى قواميسنا العربية…

إن قياس قوة وحجم لغة ما لا يكون بمجرد التداول الغثاني الخالي من المعنى والتأثير، ولكن يقاس بحجم المنتج العلمي والثقافي والفني الذي تحمله؛ إما بالإنتاج الأصيل والمبدع، وإما بالإنتاج المستورد من إبداع اللغات العالمية الغنية بالجديد من العلوم والثقافة والفنون.

إن العمل كل العمل ينبغي أن ينصرف إلى كيفية تقوية المضامين وبناء الأسس، لا أن نغتر بالقشور والمظاهر ونتعامى عن رؤية الجواهر أو محاولة تغطية الحقائق الساطعة بغربال الحمية الجوفاء… ولتحيا لغة الضاد.

* أستاذ بالمعهد العالي للقضاء بالرباط والمتخصص في قضايا الأسرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *