مجتمع

متخصصون يسلطون الضوء على التبرع بالأعضاء.. ومتبرعون يدلون بشهادات مؤثرة (صور)

أجمع متخصصون وفاعلون بمدينة طنجة، على ضرورة تكريس قيمة التبرع بالأعضاء البشرية في المجتمع المغربي، وتبسيط المبادئ القانونية والشرعية المؤطرة لهذه العملية للرأي العام، داعين إلى فتح “معركة ثقافية” لترسيخ هذا السلوك الإنساني والديني.

جاء ذلك في ندوة علمية حول التبرع بالأعضاء، أمس السبت بمدينة طنجة، نظمتها رابطة الأطباء الاختصاصيين في التخدير والإنعاش بالشمال، بحضور أستاذ علم الاجتماعي عبد الرحيم العطري، وأستاذ الطب الشرعي أحمد أبلحوس، وأستاذة القانون وداد العيدوني، وأطباء متخصصين.

وعرفت الندوة تقديم شهادتين لفتاتين من الشمال، أقدمتا على تسجيل أنفسهن ضمن سجل المتبرعين بأعضائهن لدى المحكمة المختصة، تفاعل معهما الحاضرون بكثيرة من التأثر، فيما ناقش الأطباء ورجال القانون المشاركون بالندوة، مختلف الأبعاد المتعلقة بهذا الموضوع، وذلك بعدما تم عرض فيلم يوثق حالتين ناجحتين للتبرع أدت إلى إنقاذ حياة شخصين.

المسموح لهم بالتبرع

أستاذ الطب الشرعي والتشريع أحمد أبلحوس، قال في مداخلته إن أهم ما يعتمد عليه القانون رقم 98-16 المؤطر لعملية التبرع بالأعضاء، هو مبدأ الموافقة من طرف المتبرع، مشيرا إلى أن هذا القانون اشترط الموافقة الضمنية لأسرة المتوفي دماغيا قبل أخذ أعضائه، بشرط ألا يكون قد عارض عملية التبرع في حياته.

وأوضح أبلحوس، أن المُشرع المغربي حدد نوعية المستفيدين من الأعضاء المتبرع بها، ويتعلق الأمر بالأصول (الآباء والأمهات) والفروع (الأبناء والبنات)، والإخوان والأخوات والأعمام والعمات وأبناؤهم، والأخوال والخالات وأبناؤهم، إضافة إلى الأزواج شريطة مرور سنة كاملة على الزواج.

كما حدد القانون نوعية الممنوعين من التبرع، ويتعلق الأمر بالقاصرين أقل من 18، والأشخاص الراشدين أكثر من 18 عاما الذين في وضعية حماية قانونية، لافتا إلى أن هذا القانون نص على وضع سجلين للتبرع، الأول بالمحكمة الابتدائية، والثاني بالمستشفى المعني بالتبرع.

ورغم البنود المتطورة الذي نص عليها القانون 16-98 من أجل تسهيل وإشعاع عملية التبرع بالأعضاء، يضيف المتحدث، إلا أنه “يجب على المُشرع أن يواكب التطورات العلمية في هذا المجال باستمرار، مع استيعاب العقلية المغربية في ظل إباحة الدين للتبرع”.

عقوبات التبرع غير القانوني

وداد العيدوني، أستاذة بكلية الحقوق بطنجة، أشارت في مداخلتها إلى العقوبات التي نص عليها قانون التبرع في حالة مخالفة بنوده، موضحة أن كل تبرع قد يُعرض حياة المتبرع للخطر أو يحدث به ضررا، فهو ممنوع وفق الضوابط الشرعية والقانونية، مشددة على أن هذا الأمر من مسؤولية الطبيب أيضا.

وقالت العيدوني إنه لابد في هذه العملية أن تكون علاقة المتبرع مع المتبرع له علاقة قرابة كما تنص على ذلك المادة 9 من القانون 98-16، كاشفة أن المواد من 30 إلى 42 تفصل العقوبات المنصوص عليها لكل من يخالف القانون سواء كان مريضا أو مؤسسة أو طبيبا، وذلك بهدف حفظ النفس البشرية.

وأشارت إلى أن أي عملية بيع أو سرقة للأعضاء المتبرع بها، أو التبرع من طرف شخص غير مخول له ذلك، أو القيام بالتبرع خارج إطار القانون، ستواجه بعقوبات حبسية تبتدئ من سنتين سجنا نافذا إلى 5 سنوات، مع غرامة مالية من 50 ألف إلى 500 ألف درهم، “لأن الجسد له حرمته”، وفق تعبيرها.

وبخصوص الأعضاء التي يمكن أن يتبرع بها الشخص وهو على قيد الحياة، حصرت المتحدثة ذلك في الأنسجة التي لا تضر بحياة المتبرع وبشروط متعددة، موضحة أن الأعضاء التي تُأخذ من الموتى المتبرعين اختلف حولها العلماء، بالنظر إلى أن نقل الأعضاء يكون من الموتى دماغيا، بينما بالنسبة للمتوفين طبيعيا يمكن فقط نقل القرنية وفي وقت سريع بعد الوفاة.

وشددت الأستاذة الجامعية، على أن العلماء أجمعوا على تجاوز تحريم تشريح الجثث بعد الموت من أجل العلاج، مبرزة أن القانون شدد على ضرورة احترام حرمة الموتى بعد الدفن، ومعاقبة التمثيل بالجثة قبل الدفن، باستثناء استئصال عضو بشري لإنقاذ حياة شخص آخر.

“معركة ثقافية”

أستاذ علم الاجتماع عبد الرحيم العطري، دعا إلى فتح معركة ثقافية بالمغرب من أجل تغيير الذهنيات والصور النمطية حول عملية التبرع بالأعضاء، مشيرا إلى أن المشكل ليس قانوني ولا ديني، بل يكمن في تهييء المجتمع لتقبل ثقافة التبرع بالأعضاء.

وقال العطري إن منظومة القيم التي تكرس التبرع بالمغرب في حالة “موت سريري”، معتبرا أن المغاربة في حاجة إلى إعادة إحياء هذه المنظومة، مشددا على أن التبرع بالأعضاء يشكل “استدامة للحياة، لأنك حينما سترحل من الدنيا ستترك أعضاءك لشخص آخر عبر القلب أو القرنية وغيرهما، وبالتالي ستستمر حياتك بعد مماتك”.

وأوضح أن قلة عمليات التبرع بالأعضاء في المغرب ترجع إلى 3 أسباب رئيسية، الأول يتجلى في التمثل الثقافي للصورة المقدسة للمغاربة عن أجسادهم، والثاني يتجسد في ارتباط الثقافة الإحسانية بالمغرب ببناء المساجد فقط، “فيما التبرع بالأعضاء ولصالح الطب والتعليم نادرا ما يتم”.

وأرجع المحلل الاجتماعي السبب الثالث إلى كون المجتمع لم يتربى على ثقافة التبرع بالأعضاء، وترسخت لديه ثقافة التبرع بالنقود، وأن العطاء يقابله في كثير من الأحيان مقابل، مضيفا: “لأننا لم نتعرف على الدين جيدا، فمشكلنا أننا لا ننشر إسلام الفرح”.

وأشار العطري إلى أن موضوع التبرع بالمغرب يعاني اليتم، متسائلا بالقول: “أين الجهة التي تترافع من أجل التبرع، الأطباء وحدهم من يكرسون هذا الأمر، فيما الجهات الرسمية لا تعيره الاهتمام، وما المانع من أن تكون هناك حملات تدعو للتبرع، لأن المواطن المغربي كريم في أصله، لكنه يريد أن يفهم أصول كل عملية”.

ولفت المتحدث إلى أن هناك ما سماها “حربا مفتوحا” ضد الأطباء في المغرب من طرف عدة جهات، وذلك قصد “مزاحمتهم وتبخيس دورهم في المجتمع، خاصة من طرف بائعي الأعشاب والمشعوذين”، داعيا الأطباء إلى أن يمارسوا أدوارهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

شهادة فتاتين

الندوة العلمية التي غاب عنها رئيس المجلس العلمي بوجدة مصطفى بنحمزة رغم وجود اسمه ضمن المشاركين، عرفت تقديم شهادتين لفتاتين من الشمال، أقدمتا على تسجيل أنفسهن ضمن سجل المتبرعين بأعضائهن لدى المحكمة المختصة، تفاعل معهما الحاضرون بكثيرة من التأثر.

فتاة عشرينية أوضحت للمشاركين أن صراع والدها مع مرض الكلي، جعلها تفكر في التبرع له بإحدى كليتيها منذ أن كانت في العاشرة من عمرها، خاصة وأن معاناة والدها مع عملية غسل الكلي، جعلتها تتألم باستمرار وتطمح لمساعدته في يوم ما، وفق تعبيرها.

تقول المتبرعة: “عشنا مرحلة صعبة وكنا مؤمنين أن هذا ابتلاء من الله، كنت أريد التبرع لوالدي بكليتي لما بلغت الـ18 سنة من عمري، لكن الأجل خطف والدي وأوقف حلمي في إنقاذ حياته، وبعد ذلك ظل طموح التبرع مستمرا لدي رغم عدم معرفتي بأي تفاصيل حول الإجراءات القانونية في الموضوع”.

وأوضحت المتحدثة أنها ظلت تبحث حتى اكتشفت وجود قانون يؤطر عملية التبرع بالأعضاء وفق مسطرة قانونية بسيطة، مردفة بالقول: “حينها أخذت بطاقتي الوطنية إلى المحكمة الابتدائية وسجلت اسمي في سجل المتبرعين واحتسبتها من أجل والدي المرحوم”.

وختمت قولها: “بالنسبة لي هذه أفضل تجربة عشتها في حياتي وأفتخر بها، وأتمنى أن تكون في ميزان حسنات والدي، وأن تُعمم التجربة في كل مكان، لأن هناك راغبين في التبرع لكن لديهم تخوفات، لذلك يجب من الجهات المسؤولة توضيح الأمور للناس، لأن الإسلام يحلل هذا الأمر ويعتبره صدقة جارية”.

المتبرعة الثانية التي قدمت من مدينة العرائش وتدعى إيمان، كشفت في كلمتها أن إقدامها على هذه الخطوة جاء بعد اقتناعها بقيمة التبرع وذلك من طرف متخصصين وفاعلين في هذا المجال، وعلى رأسهم رئيس المجلس العلمي لوجدة مصطفى بنحمزة.

وأشارت المتحدثة (24 عاما) إلى أن السبب الرئيسي في اتخاذها لقرار تسجيل اسمها ضمن لائحة الذين سيتم أخذ أعضائهم عقب الوفاة لإنقاذ أشخاص آخرين، “هو سبب ديني محض، فأنا أريد أن يرضى الله عني بعد مماتي”، حسب قولها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *