وجهة نظر

اللغات الأمازيغية والحسانية والإنتخابات بالمغرب

مبادرة علمية هامة قامت بها جمعية “طفرة” المغربية التي أصدرت سلسلة من الدراسات المليئة بالدروس حول مختلف اللغات واللهجات وتأثيرها على الإنتخابات. حيث اشتغل اثنان من باحثي الجمعية وهما ناتو تارديو، ودافيد جويري على هذه المسألة الأساسية والحساسة في البنية السياسية والثقافية بالمغرب. واعتمدا في ذلك على نتائج إحصاء 2004، وعلى نتائج الانتخابات الجماعية للعام 2015. الدراسة شملت اللهجات الثلاث للأمازيغية وهي: تشلحيت وتمزيغت وتريفيت وكذا الحسانية.

بالنسبة لكيفية تصويت المغاربة الناطقين بالأمازيغية الذين يصل عددهم إلى 8.8 ملايين نسمة، والذين يشكلون 26 ٪ من سكان المغرب. بدأت الجمعية ب”تشلحيت” (اللغة الأمازيغية الأكثر انتشارا في المملكة. وعدد المتحدثين بها 4.7 مليون شخص، أي 14 ٪ من السكان) وسجلت ملاحظة أساسية وهي أن “تصويت الناطقين بها في 2015 اختلف قليلاً عن التصويت المسجل على الصعيد الوطني” بالنسبة لكل المغاربة باختلاف لغاتهم. حيث لاحظت وجود “تصويت حضري مكثف لصالح حزب العدالة والتنمية” مع وجود تصويت في العالم القروي يتميز “بتكتلات ترابية تدور حول شخصيات بارزة من الأعيان”.

وسجلت الدراسة أن هناك 303 جماعة ترابية تضم أكثر من 50 ٪ من المتحدثين ب”تشلحيت” وهم يسكنون في جهة سوس. وأحصت أن 66 جماعة من أصل 89 توجد في إقليم تارودانت تتحدث بتشلحيت، وفي تزنيت (24 جماعة من أصل 25)، وفي شتوكا-آيت باها (21 من 23) ، وفي طاطا (17 من أصل 20)، وفي أكادير (13 من مجموع 13) وفي إنزكان- آيت ملول (4 من 6 جماعات).

في هذه الجماعات ذات الأغلبية الناطقة بتشلحيت، “فاز حزب العدالة والتنمية بأكبر عدد من الأصوات خلال انتخابات 2015 بحصوله على 203.138 (22 ٪)، ثم جاء بعده حزب الأصالة والمعاصرة بنسبة (20 ٪)، والتجمع الوطني للأحرار (15.5 ٪)، والإستقلال بنسبة 15.2 ٪ والإتحاد الإشتراكي 9.5 ٪، والتقدم والإشتراكية (ب 7 ٪) والحركة الشعبية 6.7 ٪. وتقول هذه الدراسة إن تصويت المتكلمين ب تشلحيت لا يعاقب أبدا حزب العدالة والتنمية الذي حقق نتائج تزيد قليلاً عن المتوسط ​​الوطني مثله مثل حزبي الأصالة والمعاصرة أو الاستقلال. أما الحزبان اللذان يحققان نتائج ضعيفة وتراجعا مقارنة مع نتيجتيهما على الصعيد الوطني فهما، حسب الدراسة: “حزبان إداريان: الإتحاد الدستوري والحركة الشعبية”. ويستفيد من هذا التراجع حزب الأحرار (+3.5 نقطة) والإتحاد الاشتراكي (+1.9نقطة) وبدرجة أقل حزب التقدم والاشتراكية بنسبة ( + 1.3 ) نقطة “.

ومع ذلك، يسجل الباحثان، أن هناك “مناطق حزبية قوية” في هذه المنطقة تتجاوز الانتماءات اللغوية. ويستشهدان في هذا الصدد بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي “يهيمن على إقليمي سيدي إفني وكلميم، بسبب نفوذ الأخوين محمد وعبد الوهاب بلفقية. أما إقليم تيزنيت وعمالة أكادير فيخضعان لسلطة حزب الأحرار، بسبب نفوذ عزيز أخنوش. بينما ساند إقليم تارودانت الاستقلال عبر شخصية عبد الصمد قيوح. ويتحكم حزب الأصالة والمعاصرة في شتوكة أيت باها، والحوز، وشيشاوة. وأخيراً تبرز الحركة الشعبية في إقليم وارزازات من خلال شخصية سعيد أمسكان.”

بالنسبة للمتكلمين ب”تمازيغت”، وعددهم يشكل ضعف المتكلمين ب تشلحيت ويسكنون بالخصوص في الأطلس الكبير والمتوسط. سجلت الدراسة أن أكبر حزب يصوت عليه الناطقون ب “تامازيغت” هو حزب “الحركة الشعبية” وينافسه بقوة على هذه الرتبة الأولى كل من حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة. لكن الناطقين ب “تامزيغت” يصوتون بشكل أقل لحزب العدالة والتنمية الذي يأتي، بالتالي، في المرتبة الخامسة في الجماعات التي يغلب فيها الناطقون ب تامزيغت”. لكن على المستوى الجهوي، تلعب الديناميكيات الديموغرافية لصالح حزب العدالة والتنمية الذي يسيطر على معظم الجماعات الناطقة بالعربية وخاصة عواصم الجهات مثل الراشيدية وفاس. ونتيجة ذلك، تبدو شبكات الناطقين ب “تمازيغت” أكثر هشاشة بكثير من شبكات النطقين ب “تشلحيت” لضمان السيطرة السياسية في الجهة.

بالنسبة للريفية، تخلص الدراسة إلى أن تصويت الناطقين بها له دور مهم رغم مساحتها الترابية الصغيرة مقارنة من اللغات الأمازيغية الأخرى. بحيث تعتبر أن “بعدها الرمزي القوي شجع صعود شخصيات سياسية على المستوى الوطني” في إشارة إلى إلياس العماري الزعيم السابق للأصالة والمعاصرة. وكذا إلى مصطفى المنصوري القيادي السابق في حزب الأحرار. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن هذا “التصويت الكبير لفائدة أحزاب إدارية”، حسب الدراسة، قد تزامن أيضا مع حركة احتجاج واسعة في منطقة الحسيمة كانت “تربط بين مطالب اجتماعية وثقافية، والاعتراف بهوية خاصة لا يعكسها التقسيم الجهوي الحالي”.

بالنسبة للهجة الحسانية، تسجل الدراسة أنها، عكس اللغات الأمازيغية، جزءا من عائلة اللغة العربية، فالحسانية هي أقرب إلى اللغة العربية الفصحى من الدارجة. ورغم وجود 320 ألف متحدث بها، إلا أنها تعتبر أقل اللغات المحلية المستخدمة في المملكة من حيث العدد. إلا أنها ذات بعد دولي قوي. فهي تعتبر بمثابة اللغة الأم بالنسبة لـ 89 ٪ من الموريتانيين وتنتشر في أجزاء من الجزائر ومالي والسنغال. كما يتحدث بها السكان الصحراويون الرحل. ويتركز متحدثوها في ثلاث جهات هي: العيون – الساقية الحمراء (41٪) ، كلميم – وادي نون (32٪)، الداخلة – وادي الذهب (11٪) لكنهم يشكلون الأقلية داخل هذه الجهات باستثناء إقليم آسا – الزاك.

وإذا كان المتحدثون باللغة الحسانية أقلية، فإنهم يحتلون مكانة بارزة نظرا لأهمية المناطق الصحراوية منذ خروج إسبانيا في 1975. وحسب الدراسة، فقد تم “نهج سياسة محلية تعتمد على منطق الشبكات الأسرية الموروثة عن المسيرة الخضراء”. حيث حافظت هذه الشبكات على نفوذها من خلال المراهنة على عدة أجيال من الشخصيات السياسية. ومع ذلك، يظهر أن هناك تحولا في هذا الوضع حيث أدى “تزايد عدد السكان القادمين من مناطق أخرى في المملكة إلى تهميش شبكات الناطقين بالحسانية”.

يكتسي موضوع اللغة إذن في علاقته بالنفوذ الانتخابي أهمية بالغة لأن الواقع اللغوي من القضايا الكبرى التي تمثل رهانات وصراعات سياسية حاسمة كما تجسد مؤخرا في الصحراء بين حزبي الاستقلال والأحرار من خلال تنظيمهما لحملات انتخابية تبدو سابقة لأوانها. ويؤثر تدبير هذا الملف بقوة على مشاريع الإصلاح والتنمية السياسية عموما، وهي مشاريع تعرف تعثرا ملحوظا كما يقع حاليا مع مشاريع القوانين الخاصة باللغة مثل مشروع قانون الإطار الخاص بالتربية والتكوين المعطل بالبرلمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *